يواجه هادي مطر تهما بالشروع بالقتل من الدرجة الثانية والاعتداء
يواجه هادي مطر تهما بالشروع بالقتل من الدرجة الثانية والاعتداء

عادني ما قالته سيلفانا فردوس، والدة هادي مطر الذي طعن الروائي البريطاني سلمان رشدي، لصحيفة الـ"ديلي ميل" إلى وجوه أمهات الكثير من الإرهابيين، وبعضهن التقيته في سياق عملي الصحفي، وبعضهن الآخر استقصيت سيره.

السيدة فردوس بدت صادقة بما قالته عن ابنها، والمسافة التي بدت بينها كأم وبين صاحبة الكلام المتخفف من فعلة الابن والساعي للابتعاد عنها، تنطوي على شحنات عاطفية وعلى ألم، علينا أن نتخيله وراء الكلام لا في متنه، فهادي طعن بفعلته أيضاً عائلة ضعيفة وقليلة الحيلة مؤلفة من أم وشقيقتين قاصرتين.

العائلة الآن محاصرة بفعلة هادي، وأفرادها في موقع وظروف أشد قسوة من ظروفه في الزنزانة. أم عزباء وشقيقتان قاصرتان، وسيلفانا متنازعة بين مصير ابنها ومستقبل ابنتيها.

والحال أن أمهات المرتكبين لطالما تصدرن سير أبنائهن في وقت انكفأ فيه الآباء إلى أمكنة قصية في معظم هذه السير. وهذه حال هادي على ما يبدو. لا أثر للأب سوى أنه انفصل عن الأم، وعاد ليعيش حياة هامشية في قريته في جنوب لبنان.

هذا ما خبرناه أيضاً بقصة زكريا الموسوي، الإرهابي التاسع عشر في المجموعة التي نفذت عملية 11 أيلول، فالشاب الفرنسي هو أيضاً من الجيل المهاجر الثاني، وابن انفصال زوجي، لا أثر في سيرته للأب، فيما تولت الأم حضور جلسات المحاكمة.

أما أمهات الملتحقين التونسيين بـ"داعش" فيتصدرن مشهد تعقب مصائر أبنائهن، ولنا بتلك الأم التي انتشرت صورها والتي تعقبت ابنها إلى مطار إسطنبول ووشت به للأمن التركي معلنة أنه ذاهب للالتحاق بـ"داعش". والمفارقة في حينها أن أجهزة الأمن في مطار أتاتورك لم تستجب لاستغاثات الأم. هذا في وقت عثرنا في سير العشرات من تونسيي "داعش" على أثر لأب سلبي وطارد ومضطهد. 

الأمهات لطالما كن صلب الحكاية وضحاياها. الأم الساعية لرأب خراب سبق أمومتها، والمكلفة لوحدها بمهمة شاقة ومستحيلة تتمثل في دفع الرذيلة وتحصين الأبناء مما يمكن أن يتسرب إلى وجدانهم من شرور. أم باحثة عن مصدر لحماية العائلة في ظل العراء الذي تعيشه.   

لطالما وجدنا في تقصينا أماً وحيدة، وأباً خارج المنزل وخارج عالم أبنائه. أباً سلبياً وأماً منهكة لملء الفراغ الهائل الذي خلفه غياب الأب. 

هنا يكمن أحد مصادر العنف، إذا ما أردنا أن نذهب بتفسير الإرهاب بوصفه فعلاً فردياً أيضاً. فالأب "عدو"، والأم هي ضحية الأب، والخروج للقتال أو للقتل هو عملية انتقام غير واعية لما تتعرض له الأم المنتهكة. وفي هذه اللحظة تلوح "الفتوى" كفرصة للانقضاض.

الفتوى هنا غير بريئة، فهي المصفاة التي تلتقي فيها شروط العنف، فالفارق بين مستقبِلي الفتوى هي أن هناك منفذين وثمة مستهلكين عاديين لها. المنفذ لطالما توفرت فيه شروط الشقاق، ولطالما عثرنا وراءه على أثر يأخذنا إلى عنف سابق جاء الإرهاب ليعطيه قناعاً. 

من المبكر إسقاط هذا الافتراض على فعلة هادي مطر، لكننا "نصدق الأمهات"، ولم نعثر على رواية للأب تأخذنا إلى فعلة الابن. أم هادي قالت إن ابنها تغير بعد زيارة إلى لبنان في عام 2018، وأنه انزوى في غرفة تحت الأرض وصار يمضي فيها معظم وقته.

صحيح أن ما قالته الأم فيه محاولة لإبعاد الابن عن مسار العائلة، إلا أنه أيضاً يدفعنا لتخيل قسوة هذا الانفصال والتأمل بدلالاته هناك في أميركا. أم عزباء لثلاثة أولاد، البكر فيهم منفصل عن العائلة وغريب عن أطوارها، وأب بعيد ولا تربطه بالعائلة علاقة يعول عليها.

من بين هذه الشقوق تتسلل الفتوى، وفيما يبدو الأب بعيداً، تشطب جريمة الابن وجه الأم. لطالما تكررت هذه المعادلة، مع تفاوت في أشكال التعاطي مع المأساة. 

اقتصار تفسير الظاهرة على بعدها العام، وحصر التفسير بالعودة إلى الفتوى أو بالعودة إلى احتمالات التجنيد، يدفع إلى استنتاجات لا تحيط بكامل الواقعة. الأم طرف أساسي في الحكاية، وهي عنصر قاوم "المسار الجهادي" أو عرقله، فعلت ذلك بعدة معرفية متواضعة، وبانعدام القدرات المادية، وفي حالات كثيرة بقوانين جائرة تمنعها من حماية ابنها. 

قالت سيلفانا إن هادي انعزل في الطابق السفلي، وقرعها لعدم تعليمه "دينه" ولمواصلتها الطلب منه الاهتمام بدراسته. في هذا القليل الذي قالته كثير من الصور والاحتمالات، وفيه أيضاً درء لفعلة الابن عن مصائر شقيقتيه. كم علينا أن نصدق هذه السيدة، وكم علينا أن نستمع للقليل الذي قالته. 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.