لا شيء في الصورة يؤشر إلى فضيحة، باستثناء ما دار في مخيلات أصحاب الحملات عليها، وأيضاً باستثناء الاستجابة السريعة لوزارة الخارجية العراقية المتمثلة باستدعاء سفيرها في عمان، حيدر منصور، بعد أن جمعته صورة مع المغني اللبناني، راغب علامة، ومع زوجته التي لم نعثر لها على أثر لاسم أو صفة، سوى أنها زوجة السفير. حملة هائلة جرى فيها جلد السفير وزوجته، و"العار" الذي ألحقته الصورة بالعراق!
قبل ذلك بأسابيع، ظهرت صور وشريط فيديو لسفير العراق لدى بيروت، حيدر شياع البراك، أثناء "رحلة صيد" في شرق لبنان، ظهر فيها السفير يحمل رشاشاً حربياً، ومحاطاً بأكثر من عشرة مسلحين، وفي الفيديو ظهر السفير أثناء رميه قذيفة "آر بي جي".
صور سفير بلاد الرافدين لدى بيروت لم تنل اهتمام أحد من الجيوش الإلكترونية العراقية، واقتصرت ردود فعل وزارة الخارجية العراقية على استدعاء السفير، لنكتشف لاحقاً أنه عاد إلى منصبه ظافراً غانماً، والأرجح أنه استأنف رحلات الصيد اللبنانية محاطاً بالميليشيات التي لم تكشف لنا الصور ما إذا كانت لبنانية أم أنه استقدمها معه من بغداد، ذاك أننا في لبنان وفي العراق جزء من "منظومة المقاومة" التي يتعايش فيها السلاح غير الشرعي مع العمل "الدبلوماسي".
الفارق بين الصورتين وبين "الحيدرين" يصنع العراق! السيدة التي لا اسم لها سوى أنها التقطت صورة لنفسها مع زوجها ومع راغب علامة، انتُهِكت، وأصابها من الميليشيات الإلكترونية ما أصاب العراق من الميليشيات الواقعية، في وقت أدى السفير في بيروت مهمته بدقة عبر تمثيل سلطة الميليشيات في العراق. فهل يليق بهذا العراق غير السلاح؟ وهل يليق به سيدة تشعر أن بإمكانها أن تظهر بصورة مع مغنٍ؟
ما جرى فعلاً مذهل لجهة دقة تمثيله العراق ولبنان، ولكن أيضاً الأردن. لبنان بلد ينتهك سيادة القانون فيه سفير من المفترض أنه جاء إليه ليمثل احترام بلده السيادة اللبنانية، وهو يمثل العراق لجهة قتل الميليشيات فيه أي حساسية باستثناء تلك القيم التي يخلفها السلاح في وجدانات أهل الحروب.
أما الأردن، مسرح الواقعة "المشينة"، فهو المكان الذي يسعى لإحلال راغب علامة في موقع ممثل "الحياة المدنية" بمواجهة قيم السلاح، لكن ذلك بحث آخر على المرء أن يفرد له مساحة تفكير مختلفة.
علينا هنا أن نعود إلى السيدة التي انتفض العراق لكرامته الدبلوماسية جراء صورة عادية لها. العراق الذي يريد أن يرسل صورة أخرى لنفسه، هي تماماً تلك الصورة التي ظهر فيها سفيره في بيروت. عراق الفصائل المسلحة التي تنتهك شوارع بغداد مثلما انتهك مغردوها كرامة السيدة التي لم نعرف لها اسماً.
والأرجح أن زوجها سيعود إلى منصبه، طالما أنه من المرجح أن يكون قد تقلده موفداً من حزب أو من طائفة أو من عشيرة، تماماً مثلما عاد زميله وحامل اسمه الأول، إلى منصبه في بيروت.
وبين عراق الميليشيات وبيروت الميليشيات وأردن راغب علامة، يجد المرء نفسه في دوامة مشرقية ضحيتها هذه المرة سيدة تمثل ضعفنا كلنا نحن رعايا دوامة البؤس هذه، وضحايا عنف الفساد والسلاح والمقاومة.
نعم، السيدة التي لا نعرف لها اسم، تمثل ما أوقعته الميليشيات في العراق وفي لبنان. ما جرى لها هو تمثيل رمزي لما يجري لنا كل يوم جراء تسلط الميليشيات الدينية علينا. على العراق أن يتمثل بحيدر بيروت، وأن يرفع قيم السلاح. وأن تُقدِم سيدةٌ على ممارسة حقها في أن تجمعها صورة مع مغن فهذا هو العار الذي عار بعده.
لم يسأل أحد السفير لدى عمان ما إذا كان حفل العشاء الخاص الذي التقطت فيه الصورة قد أقيم على نفقة السفارة، فيكون للحملة على السفير بُعدٌ قانوني. هذا الخيار ليس دأب عراق الميليشيات! وعن أي قانون نتحدث، إذا ما استحضرت الكرامة؟ الأمر يتعدى القانون ووظائف السفير وموازنة سفارته. إنه "العراق"، وهو نفسه ذاك الذي استحضره صدام حسين ذات يوم في إحدى القمم العربية عندما شطب وجوه الرؤساء والملوك بعبارته الشهيرة: "أنا العراق".
وفي نهر الدماء المتواصل منذ البعث وصولاً إلى ولاية الفقيه، يواصل العراق إرسال صوره، وجاءت زوجة السفير لتجرحها بلحظة عابرة ظهرت فيها كسيدة تحتفي بضيف خفيف كراغب علامة. لا، لن يستقيم عراق "الولائيين" من دون شطب وجه هذه السيدة. وما علينا إلا أن نعود إلى صور حيدرنا لدى بيروت لكي نعرف أي عراق يريدون.