الجلسة الثانية للحوار الوطني في العراق

حتى اللحظة تبدو فرص حصول انفراجه سياسية في الحوار الوطني العراقي ضئيلة، بالرغم من إصرار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على عقد جلسة حوار ثانية، سيحضرها كافة الأطراف باستثناء الطرف المعني بها التيار الصدري، الأمر الذي يجعل قراراتها مرهونة بليونة قد يظهرها الصدر مستقبلا وهذا مستبعد قبل جلسة المحكمة الاتحادية للبت في إمكانية حلّ مجلس النواب الحالي.

لكن جلسة الحوار بعيدا عن قرارات المحكمة وموقف التيار الصدري تملك أرضية معقولة تنطلق منها في جلستها الثانية وهي أن أغلب الاطراف تظهر موافقتها على إجراء انتخابات مبكرة، إلا أن إجماع القوى السياسية على ضرورة حلّ البرلمان الحالي تحتاج إلى مخرج قانوني، فقرار الحلّ ان حصل قد يسبقه شروط كثيرة معقدة قد تتسبب مجددا في احتكاكات خشنة، فالاستجابة لبعض الشروط منها قانون الانتخابات واختيار أعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات ولكن الأهم هوية الحكومة التي ستشرف على هذه المرحلة وتنفذ قرارات المحكمة، كل هذه العقد ستتسبب حتما بخلافات بين القوى السياسي وفي انقسامات داخل التحالفات إضافة إلى ضغوط خارجية، خصوصا عندما تقترب الأطراف من بحث وضع الحكومة، بداية من الربط ما بين حلّ البرلمان واستقالة الحكومة وضرورة تشكيل حكومة جديدة محايدة تكون مهمتها انتقالية حتى إجراء الانتخابات، وهنا يكمن جزء أساسي من تعقيدات المشهد، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل القوى التي تملك الآن الأغلبية البرلمانية ستوافق على أن يحل البرلمان  قبل تشكيل حكومة جديدة ومن هو الشخص الذي سيتم تكليفه، وهل السيد الصدر سيوافق على أن يسيطر خصومه على السلطة التنفيذية، وفي المقابل هل ستوافق قوى الإطار على بقاء الحكومة الحالية، وهذا ما يمكن اعتباره انكسارا لجزء منها وخضوعا لشروط الصدر، الذي لا يظهر تمسكه بالحكومة الحالية بقدر رفضه حصول الاطار التنسيقي على موقع رئاسة الوزراء.

يحرص بعض المدعوين إلى طاولة الحوار على مراعاة شروط التيار الصدري ويراهنون انه يمكن تعويض غيابه مستقبلا إذا نجح المجتمعون في التوصل إلى حلول ممكنة تساعد على معالجة الأزمة، تدفع التيار الصدري إلى التعامل مع ما سوف ينبثق من قرارات تحت مبررات السلامة الوطنية وتجنب الاقتتال، وهذا ما قد يرفع التهمة أو الشبهة عن التيار بأنه يرفض الحوار، ولكن بعد أحداث 30 آب تبدو ان استجابة الصدر صعبة وتحتاج ان يقدم الطرف الآخر تنازلات حقيقية وهذا ما يبدو مستبعدا.

يوم الأحد الفائت أعلن التيار الصدري انه ليس لديه صلة بالدعوى التي قُدمت ضد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بموضع الحكم بعدم صحة انعقاد الجلسة الاستثنائية لمجلس النواب، المنعقدة بتاريخ 23 يونيو هذا العام وما صدر من قرارات خلالها، ومن شأن هذه الدعوى إذا فازت ان تلغي نتائج الجلسة التي تم فيها تعيين نواب بدائل عن نواب الكتلة الصدرية الذين استقالوا، وهذا ما يعيد سحب الأغلبية من الإطار التنسيقي، ولكنه يترك المقاعد خالية، هذا المخرج قد يعفي المحكمة من تحمل مسؤولية حل البرلمان ولكنه يجعله شبه معطل.

بالنسبة للكاظمي الدولة بأدوات ضعيفة تمارس واجبها الأخلاقي فقط أمام شعبها، فهي تتمسك أولا بعدم الانحياز لأي طرف من الأطراف وبالدعوة إلى الحوار الذي تديره بين متقاتلين يبدو أنهم لن يتخلوا عن خيار اللجوء إلى السلاح في أي لحظة، لذلك لم يعد سرا أن الكاظمي قد يلجأ إلى خيارات دراماتيكية  تدفعه إلى إعلان عجزه عن إمكانية إصلاح العلاقة بين الطرفين ويقوم بتنفيذ ما لوح به سابقا أي المادة 81 ويسلم السلطة التنفيذية إلى رئيس الجمهورية، وهذا القرار سابقة، له ما له وعليه ما عليه، قد يعتبره البعض تخليا وقد يعتبره البعض اعترافا بحجم الأزمة.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.