FILE PHOTO: Britain's Queen Elizabeth
من المقال: "هل العربي هو الأصيل عند الضفاف الشرقية للبحر الأبيض المتوسط مثلاً"

ينضوي هذا السؤال الذي طرحه أحد الإعلاميين التقدميين على الإجابة الضمنية في صياغته. أي أن مسؤولية الملكة، بما تمثّله من تاريخ وسلطة، عن أوجه الاستعمار المتعددة المتشعبة، جليّة وقاطعة، وإشكالية الحديث عنها ليست في شرحها وتفصيلها، بل في أن أي شرح وتفصيل، مهما استفاض، لن يفي المسألة حقّها.

اليسار الفكري هنا من شأنه أن يستدعي المآسي التي تلبّست بها الإمبراطورية البريطانية في مختلف أصقاع الكوكب على مدى قرون عديدة، من الفتوحات الاستيلائية إلى الإبادات الجماعية التي صاحبتها، المتعمَّد منها والطارئ، بل البعض يرى أنها كلها متعمدة، ثم الاستعباد الذي قوّض قارة بأكملها إذ استنزف أهلها لتسخيرهم عبر المحيط في أعمال هي التي راكمت رأس المال، الموظّف بدوره للمزيد من التوسع والاستغلال. أليس تاريخ هذه الإمبراطورية التي، إلى أمس قريب، كانت لا تغيب عنها الشمس، مضرّجاً بالدماء والدموع والقهر والظلم؟ فبئس المصير لها ولملكتها، ما الحاجة إلى استذكار الملكة عند رحيلها إلا بالإدانة. جواهر تاجك يا ملكة مسروقة من شعوب العالم التي استعبدتها مملكتك، تكاد تقطر منها الدماء التي أهرقت لتزيين جبروتك. فلا، لا عزاء هنا، ولا ذكر طيب، بل استعادة لتاريخ مرذول. فعلاً، من أين نبدأ؟

اليمين الفكري يختلف حكماً مع نظيره عند الجهة الأخرى من حيث المنطلقات والتحليل، ولكنه لا يبتعد عنه كثيراً في الحكم. يوم اعتليت الكرسي، أيتها الملكة الراحلة، كان الغرباء، عرقاً وديناً ولغةً وثقافة، ظاهرة دون حضور يذكر في مدن بريطانيا العظمى وبلداتها وأريافها، فيما المهمة الحضارية للبريطانيين في مختلف الأقطار حيث استقروا كانت ترتقي بتلك المجتمعات إلى مستويات من التقدم والنظام غير مسبوقة وغير مشهودة. أجدادنا هم من ابتكر الأطر المؤسِّسة للعدالة والحرية ومفكرينا هم من أرسى مفاهيمها، وهم من أطلق الثورة الصناعية، هم من ارتفع بالعلم والإنجاز، والشاهد لغتنا التي أصبحت ولا تزال لغة العالم، لغة الحضارة دون منازع. أما عهدك، فقد شهد التخلي عن المستعمرات والمحميات، والتفريط بمصالح البريطانيين فيها، وتضييع ما جمعوه، وانهيار ما بنوه وأنجزوه. بل الأسوأ، بعد هذا الفشل المتكرر من جانب من نال الاستقلال من سكان أراضي التاج، والفشل هنا لا يكاد أن يحتمل أي استثناء، عهدك فتح أبواب الوفود لأعداد متزايدة من سكان مستعمرات الأمس، إذ رسبت في استقلالها، ليجتاحوا بريطانيا ويقيموا فيها بدورهم مستعمرات اليوم، وليعبثوا بنظمنا ويفسدوها، وليعتدوا على شبابنا وشاباتنا، وليتغلغلوا في مؤسساتنا، بل ليمعنوا في استقدام المزيد من أشكالهم، وليطالبونا فوق هذا كله بـ "الاعتذار" لتاريخنا وماضينا، محمّلين إيانا أوزار فشلهم وتخلفهم. وأنتِ، رغم أنك لست صاحبة السلطة، فإنك المؤتمنة على التاريخ والدولة، ولكنك لم تنبسي ببنت شفة عن هذه المأساة المتحققة، بل وفّرت لها الغطاء والتمكين. فلا، لا تأسّف لوفاة الملكة هنا، ولا ذكر حسن، بل استعادة لسجل أسود. فعلاً، من أين نبدأ؟

يدرك أصحاب الرأي عند اليسار واليمين أنهم يحملّون الملكة في مواقفهم هذه ما يتجاوز صلاحياتها كملكة دستورية تقتصر مهامها على المراسم والشكليات. غير أن منطق إدانتها مبني على أنها الرمز، وبالتالي فالاعتراض عليها ليس شخصياً، على الغالب، بل بصفتها الصورة الأمامية لبريطانيا التاريخ والهوية.

ما يشترك به وجها الاعتراض هذان، ويشاطران به معظم المقاربات المستجدّة للتاريخ في مختلف أنحاء العالم، هو الالتزام غير المعلن بجملة من الآراء التي من الأصحّ أن تعتبر خلافية ولكنها تكاد أن تندرج اليوم في إطار المسلّمات، ولا سيما منها إضفاء صفة الشخصية المعنوية الثابتة على "الجماعات"، بما يصاحب ذلك من إهمال لطبيعتها المتحولة أساساً، ثم تطبيق المفعول الرجعي على أية قراءة لتاريخ هذه "الجماعات"، انطلاقاً من القيم المعتبرة اليوم.

في موضوع بريطانيا، يكاد السجال أن يكون حول تقييم العلاقة بين "جماعتين"، الأولى فاعلة، يختزلها "الرجل البريطاني الأبيض"، والثانية مفعول بها، تمثّلها "الشعوب المستعمرة". هل جاء هذا الرجل البريطاني الأبيض بالحضارة أو بالاستغلال للشعوب المستعمرة، وكيف له أن يكافأ أو أن يعاقب لفعله؟ اليسار يقول إنه جاء بالاستغلال وعليه أن يعتذر ويقدّم التعويضات، رغم أن اعتذاراته وتعويضاته لن تصل يوماً إلى إيفاء أصحاب الحق حقوقهم، فيما اليمين يرى أنه قدّم الحضارة، وأنه من إنكار الجميل التفريط بإنجازاته والإضرار به ماضياً وحاضراً.

الخروج من هذا السجال ليس بالإقرار بأن "الرجل البريطاني الأبيض" قاد خاض الغمار حاملاً الحضارة بيد والاستغلال بيد أخرى، بل بمساءلة المقاربة الضمنية حول من يحمل صفة الفاعل والمفعول. ذلك أن الشخصية المعنوية التي يعبّر عنها "الرجل البريطاني الأبيض" تشمل أفراداً أصحاب نفوذ وقدرة ومتمولين قد حققوا بالفعل مكاسب هائلة من النشاط الاستعماري في غابر القرون، ولكنها تشمل أيضاً على سبيل المثال أسرة بريطانية بيضاء من المزارعين الذين لم يهجروا ريفهم على مدى الأجيال، والذين إن طالتهم استفادة عرضية من "عظمة" بريطانيا الغابرة، فإنها بالتأكيد ليست بقدر ما يعيشونه اليوم من تحديات وتهميش. ولا ينتفي عدم انسجام الواقع مع القراءة النظرية حتى إذا اعتنق فتى من هذه الأسرة أشد القراءات استعلائية حول تفوّق العرق الأبيض على المهاجرين الوافدين من دول العالم الثالث، وذلك رغم جنوح اليسار إلى إدراج هذا الفتى مثلاً ضمن تصنيف "الامتياز الأبيض"، والذي يحتاج وفق التوجه التقدمي إلى النقض والتفكيك بالإضافة إلى الخطوات التعويضية.

تاريخ "الرجل البريطاني الأبيض" مخضّب بالدم بالتأكيد. غير أن الواقع الذي يخفيه هذا التوصيف الاختزالي هو أن كل التاريخ مخضّب بالدم. البريطانيون حين هزموا المغل المسلمين في الهند تسبّبوا بالمآسي. ولكن المغل ومن سبقهم من الغزاة المسلمين كانوا بدورهم قد ارتكبوا المجازر بحق أهل البلاد، على اختلاف طبقاتهم وألوانهم. على أن أهل الهند قبل الإسلام بدورهم كانوا نتاج فتوحات عديدة امتزجت فيها الشعوب وانصهرت وتمايزت، بعد دماء سالت وأرواح أهدرت مع كل حقبة. والبريطانيون كذلك هم حصيلة تاريخ قائم في ديارهم على القهر والعدوان والقتل والاغتصاب والسلب والنهب.

هذا هو حال التاريخ برمّته دون استثناء. واستعادة بعض فصوله انتقائياً، والصاقها بجماعات ذات شخصية تاريخية تفترض الثبات ومسؤولية متواصلة، بما يقارب الإطلاق، توظيف سياسي عقائدي، وليس تعبيراً عن حقائق موضوعية. لا ينفي هذا الكلام أن الظلم قائم والتمييز قائم، وأن الاعتبارات العصبية المختلفة تحرّك المشاعر والأهواء وتمكّن التفرقة وتؤطرها. ولا ينقض هذا التأكيد حاجة بعض الأوساط إلى مقاومة الإسقاط التاريخي الإجمالي الذي تتعرض له، مثل الحديث المتكرر في أوساط الاستعلائيين البيض عن التخلف الحضاري للعرق الأسود. التحذير هنا هو من خطر الوقوع في أفخاخ التسطيح.

تاريخ الاستعباد مثلاً لا يتوقف عند أن "الأبيض" استعبد "الأسود"، بل يحوي أيضاً أن "الأبيض" استعبد "الأبيض"، و"الأسود" استعبد "الأسود"، بل أن معظم الاستعباد البريطاني للأفارقة، كان قائماً على اتجار أفارقة آخرين بمن سقط في قبضتهم من القبائل المعادية في أفريقيا.

هذا الاقتطاع التاريخي المجحف بين "أبيض" و "وأسود"، حيث الأول ظالم والثاني مظلوم، أسهل طرحاً، وربما أسهل نقضاً، لظهور الاختلاف العرقي بشكل مرئي. على أن تطبيق الاختزال التسطيحي القائم على افتراض الشخصية المعنوية التاريخية المتواصلة متحقق كذلك في مختلف المجتمعات، مع ما يستتبعه من مزاعم فاسدة تبنى عليها الهويات التقسيمية.

السؤال يتكرر، من هو "الطارئ" المتغلّب ومن هو "الأصيل" المغلوب؟ ألم يكن الماضي مسعى من الطارئ لمحو الأصيل والاستيلاء على ماله؟ أفلا يتوجب أن تكون القراءة التاريخية تأكيداً لمظلومية الأصيل وظالمية الطارئ؟

هل "العربي" هو الأصيل عند الضفاف الشرقية للبحر الأبيض المتوسط مثلاً، والطارئ هو "الصليبي" ثم "المستعمر"؟ أم هل أن الأصيل هو المسيحي والطارئ هو العربي المسلم؟

ولكن لمَ التوقف في هذه الحالة عند ماضي انتصار المسيحية، ألم تطمس المسيحية جاهدة بدورها هويات تمكّن بعض أصحابها من ارتياد القمع، صراحة أو خلف رداء الهرطقة، إلى حين قدوم الإسلام، ليكون المسلم في هذه الحالة، أو الدرزي أو العلوي في استعادة للغلو كحجاب، هو "الأصيل" وإن غابت عنه ذكرى أسلافه، وإن شاء زعم الانتماء إلى حجاز بعيد؟

بل الأقرب إلى الصواب الإقرار بأن مقاربات الطارئ والأصيل، الأسود والأبيض، المستعمِر والمستعمَر، هي مقاربات تموضع فكري معاصر، تسمح بأقدار من الارتفاع عن واقع قمعي قائم، ولكنها تتيح في الآن نفسه تشكيل واقع قمعي آخر. فالمقاربات التاريخية كافة بحاجة إلى المزيد من المعالجة المبنية على ما يبقى غائباً من المعطيات والأبحاث الموضعية. هو واقع حال مطلوب في كافة المجتمعات، فيما الحاجة إليه في المحيط العربي ماسة وشديدة وملحّة.

أما فيما يتعلق بوفاة الملكة: السيدة أدّت ما طلبه منها مقامها. لم تكن سياسية ولم تكن مؤرخة. نشأت لتجد نفسها مسؤولة عن منصب رسمي، رمزي شكلي، فقامت بما اقتضاه منصبها على مدى سبعة عقود. لياقة ووقار ومسعى إلى الثبات رغم فصول من الضعف، كما هو حال كل إنسان. لمعظم البريطانيين، وللعديد من الرعايا (الشكليين) للتاج البريطاني، لم تكن السيدة امرأة بعيدة غريبة، بل كانت أقرب إلى المعرفة الشخصية، العائلية. وفاتها بالتالي هي لحظة افتقاد، وتأمل بشأن البقاء والزوال، وربما بشأن الصفة والانتماء.

أما حول سؤال الإعلامي عن الملكة والاستعمار، "من أين نبدأ؟"، فالجواب لدى معظم هؤلاء، ولدى من يحترم مشاعرهم، قد يكون "ليتك لا تبدأ".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.