مهسا أميني توفيت عن 22 عاما
مهسا أميني توفيت عن 22 عاما

قرأت تعليقاً يستغرب قلة اهتمام الشعوب العربية عموماً بما يحدث في إيران. يقول المثل: ينفخ في اللبن من اكتوى بالحليب. فعدا عن أن الشعوب العربية "اللي فيها مكفيها"، بعد أن قام بعضها بثوراته وأفشلها القمع بوسائل شتى، يظل السؤال بماذا سيفيد تظاهرها؟ الضغط على حكوماتها التي تعاديها أصلاً إيران وتتنمّر عليها وتتدخل في شؤونها؟  

أو أن يتظاهر من يقع تحت هيمنة إيران التي تعبث بأمنه وعيشه ومستقبله عبر وكلائها الذين يقومون بكل ما يستطيعون لإخضاع بلدانهم لمصلحة نظامها؟! ولو أدّى ذلك إلى تفكيك دولة بلد عريق كالعراق الذي كان مهد ظهور أولى الدول في التاريخ؟ أو تهجير نصف الشعب السوري وتقسيم سوريا وجعلها ساحة لشتى الاحتلالات، كي يبقى نظامها الحليف لإيران؟ أو تمكين حزب الله لأخذ لبنان رهينة لمصلحة إيران ولو مات شعبه جوعاً!!

هناك معادلة بسيطة تفيد أن عليك أن تكون حراً كي تتمكن من الدفاع عن الحرية!!".

التظاهر مفيد حيث يمكن للضغط أن يؤثر على الحكومات الغربية وعلى سياساتها المتراخية تجاه النظام الايراني المستبد.

منذ حوالي العقدين وتحركات الشارع الإيراني لا تهدأ. تتخللها ثورات او انتفاضات كتلك التي حصلت في 2009 و2017 و2019، وما بينهما تظاهرات مستمرة مطلبية وقطاعية. جميعها تُقمع بوحشية وبفرض المزيد من الرقابة، والعالم يتفرج.

ولأن أي تغيير فعلي في لبنان لن يحصل قبل أن يسبقه تغيير مماثل في إيران. ولأن في لبنان رواسب حرية، قررت النساء اللبنانيات الشجاعات التظاهر دعماً للنساء الإيرانيات، للضغط على السلطة الحليفة لإيران في لبنان.

ربما لأن المظاهرات المندلعة الآن تفتح نافذة أمل. فمقتل مهسا أميني، (واسمها الأصلي جينا الذي رفضته السلطات، ومعناه الحياة بالكردية) على يد شرطة الأخلاق بسبب خصلة شعر ظهرت تحت حجابها، أشعل غضب الإيرانيات اللواتي يعانين من القمع منذ 40 عاماً. لقد أُقْصين تماماً عن المجال العام مع انهن شاركن في إنجاح ثورة الملالي. سُلبت حقوقهن التي كانت متوفرة أيام الشاه وطالهن قمع النظام للرجال مضاعفاً.

الجديد في الاحتجاجات الحالية شمولها مختلف المدن والبلدات الإيرانية في معظم أرجاء البلاد ومختلف المكونات العرقية والشرائح الاجتماعية ومختلف الأجيال. خصوصاً جيل الميلينيوم الشاب الذي ينتمي لثقافة عالمية منفتحة عابرة للحدود والقيود. طفح به الكيل ويرفض الخضوع لحكم الملالي البالي الذي يحول دون حقه في الاندماج في العالم.

لقد تحوّلت مهسا أميني الى رمز ومحفّز لثورة الإيرانيين. أطلقت حركة اعتراض شامل ضد إلزامية الحجاب كوسيلة لاضطهاد النساء وهدر حقوقهن وإعاقة مشاركتهن في سوق العمل وإلزامهن بسياسة إنجاب تناسب الولي الفقيه وتحدّ من قدرتهن على حرية تنظيم النسل وتحظر الإجهاض، مع ترويج للزواج المبكر.

خرج الايرانيون نساء ورجالاً الى الشارع رافعين شعار: "امرأة، حياة، حرية"، في عملية ربط بين حقوق النساء والحرية والحياة نفسها. فكل بيت في إيران يعاني من اضطهاد نسائه.

طفح كيل الإيرانيين من النظام القمعي الذي لم يتورع رئيسه عن رفع صورة قاسم سليماني من على  منبر الأمم المتحدة، فيما يتحدث عن "الحريات". في نفس الوقت يوجّه رصاص الباسيج والحرس الثوري الى رؤوس النساء والرجال المتظاهرين لأنهم يحرقون صور سليماني والخامنئي في طهران رافعين هتافات الموت للديكتاتور.

قد ينجح النظام الإيراني في قمع الاحتجاجات الحالية مجدداً، لكن يصعب القضاء عليها طالما انها صارت تطرح شرعية النظام نفسه، وتطالب بالحقوق الأساسية من حريات شخصية ومدنية وسياسية واجتماعية. إلى جانب أنها المرة الأولى التي تثور فيها النساء على السلطة.

هذا ولا يغيب عن بالنا أنها لحظة دقيقة للنظام ومستقبله في تعامله مع العالم الغربي، بينما يعاني من تباينات داخل صفوفه وصراعات خفية على إرث الخامنئي الذي يعاني من وضع صحي دقيق. ولقد تظهرت خلافاتهم في مواقفهم المتناقضة في مباحثات الاتفاق النووي مع الغرب، وفي تعاملهم مع التظاهرات نفسها، حيث ينقل موقف مختلف للجيش ربما يمكن أن يعوّل الشعب الايراني عليه.

الخوف الآن من أن يستغل النظام الغربي وإيران الأحداث لتسريع إبرام الاتفاق النووي على حساب الشعب الايراني.

على كل ما كان للثورات أن تفشل، ولا للنظام أن يستمر لولا تساهل الغرب وتهاونه في التعامل مع إيران وفي التغاضي عن ممارسات القمع والاضطهاد والقتل والاعدامات في الداخل الإيراني، وغضّ بصره عن توسعها وتدخلها في جميع دول الاقليم وإعلان احتلالها. ناهيك عن ممارسات الارهاب المشهودة في سائر أنحاء العالم وفي داخل الدول الأوروبية والأميركية تحديداً.

إيران تقصف من تنعتهم بالمعارضة في اقليم كردستان في العراق. فبماذا تختلف ممارسات إيران عن ممارسات إسرائيل؟ على الأقل اسرائيل لا تتباهى بقتل المدنيين.

هناك بوادر تغيّر في الموقف الغربي مؤخراً، فلقد أطلق المسؤولون الأميركيون وبعض قادة أوروبا، تصريحات داعمة للمحتجين في إيران، ومنتقدة لسلوك السلطات فيها. كما أعفت واشنطن الإنترنت من العقوبات وهناك إمكانية أن يوفره إيلون ماسك اذا استطاعوا التشبيك مع بستارلينك.

حتى الاوروبيون، والألمان خصوصاً، بدأوا بتغيير لهجتهم. لقد كانت لافتة الدعوة التي صدرت عن المدير السابق لوكالة الاستخبارات الفيدرالية لدعم حكومة اليمن الشرعية: "يجب دعم الحكومة في اليمن لأننا نرى تدخل إيران هناك ونعرف أنه من دون هذا التدخل لما كنّا نشهد الصراع الذي نشهده فيها". كما اعترفت النائبة عن حزب الخضر في البرلمان الأوروبي هانا نويمان، بأن "ألمانيا وأوروبا صمتتا لفترة طويلة عن إدانة اعتداءات الحوثيين على السعودية". وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما قالت: "علينا تقبل بعض الاتهامات الموجهة إلينا من الدول الخليجية، فنحن لم نفهم التهديد الإيراني في المنطقة".

لكن تبجح النظام الايراني لا حدود له، فبالرغم من تصدّي السلطات الباريسية والبريطانية وللمتظاهرين أمام السفارة الايرانية، يعتبرون أن الاوروبيين والاميركيين "يستغلون مقتل مهسا أميني". ويندد الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، بالمواقف الأميركية والأوروبية، واصفاً إياها بـ"التدخل" في الشؤون الإيرانية، معتبراً أنهم "أعداء" ويمارسون "النفاق وازدواجية المعايير".

يبدو انهم يريدون غرباً على شاكلتهم، بمنع التظاهرات من أصلها!!

كتبت الإيرانية المعارضة، شاهدورت دجافان منذ العام 2009 ما يلي: "أعلن الدليل: لا تسمحوا بتدمير البنية الصلبة للنظام، اذا لاحظتم ان أحدا يلحّ كي يزرع الفوضى ويتسبب بالنزاعات، فاعلموا انه إما خائن أو جاهل". وكي اتحدث كالدليل، لأنني نشأت في أحضان الملالي، أقول لكم، أعزائي القياديين الغربيين: "إذا ألحّ أحد ما من محيطكم على الحوار مع هذا النظام لتشجيع  الاصلاحيين، فاعلموا أنه إما خائن أو في منتهى الجهل. المشكلة في بنية النظام وفي إيديولجيته نفسها ".

لكن أحداً لم يستمع حينها، على أمل ان يستمعوا الآن.

إنها مناسبة أخرى لنرى هل ستكون الدول الغربية عند ادعاءاتها بالدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، فتساعد الشعب الايراني بكل الوسائل!! أم ستبحث عن مصالحها فقط؟ ويسمحون للملالي بقطع اتصال الايرانيين بالخارج كي يقتلوهم دون شهود!!

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.