من المقال "النظام في إيران دموي إلى حد يجب أن يدفعنا إلى التفكير بالدماء"
صورة أرشيفية من الاحتجاجات الإيرانية

ماذا لدينا نحن أبناء الثورات المُخْمَدة لنقوله للإيرانيات والإيرانيين الذين نزلوا إلى الشوارع لمواجهة النظام في بلدهم؟ أو بالأحرى كيف يمكن أن نساعدهم على تفادي المصائر التي وصلت إليها ثوراتنا، في سوريا ومصر وليبيا واليمن وحتى تونس وصولاً طبعاً إلى لبنان.

يجب أن نتردد بتقديم أي نصيحة. أن نتردد بالتعبير عن حماستنا وأن نكبت إعجابنا بالنساء المتظاهرات وبشجاعتهم! التجربة التي مررنا بها مؤلمة جداً، وسالت أنهار من الدماء على ضفافها. أول ما يمكن أن يتبادر لمن مني بالهزيمة التي منينا بها، حين يلوح له الحدث الإيراني، هو سؤال المصير التي آلت إليه ثوراتنا. النزاهة تقتضي أن نأخذ جانباً، وأن نعتبر وأن نخاف عليهم من أنفسنا.

النظام في إيران دموي إلى حد يجب أن يدفعنا إلى التفكير بالدماء. تجربة ربيع طهران عام 2009 كانت النموذج الذي اعتمده النظام السوري للانقضاض على احتجاجات السوريين. في حينها قال النظام في طهران لربيبه في دمشق: هذا نموذجنا، خذه وستنجو. وللأسف، النظام في طهران، والنظام بسوريا يستطيعان أن يقولا إن خيار الدم نجح. النجاح بالنسبة إليهما هو قتل من تسول له نفسه الاحتجاج.

كيف يمكن تفادي الهزيمة التي أصابتنا في سوريا ومصر ولبنان، في إيران؟ يجب أن نلاحظ أن القاموس نفسه بدأ يظهر. سفارات، وعملاء وأدوار لأميركا وإسرائيل. نفس اللغة التي استحضرت لخنق الثورات والاحتجاجات في كل دول المشرق. وأصحاب هذا الخطاب لأسباب كثيرة، تمكنوا من الانقضاض على الثورات. الخطوات هي نفسها، تبدأ بالتخوين، وتمر بالتسليح، وتتوج بالقمع الدموي!

الغرب اليوم ليس بوارد احتضان أي حركة احتجاج. فهو في مرحلة سابقة كان بوضع أفضل، وعلى رغم ذلك خذلنا وأطاح بالخطوط الحمر التي أوهمنا أنه رسمها للنظام في سوريا. الوضع اليوم أصعب وأكثر تعقيداً. الأولوية لدى الأميركيين هي الاتفاق النووي، ولدى الأوروبيين الغاز. وهذان الشرطان متوفران عند النظام في إيران.

المشاهد نفسها تصلنا من إيران. مشاهد كنا عشناها في سوريا وفي لبنان، وطبعاً في مصر. ثوار شجعان يشبهونا، ونظام دموي في مواجهتهم. اذاً على المحتجين الإيرانيين أن يرسموا مساراً مختلفاً. الرهان أولاً وأخيراً على أنفسهم، وتفادي الأوهام بهشاشة النظام، وعدم ملاقاة السلطة عبر الانزلاق إلى السلاح.

مشكلتنا أننا لم نجر مراجعة نقدمها إليهم. لم يكتب أحداً أدبيات الهزيمة، ولم نقدم على إعادة تأليف الحكاية إلا عبر اجترار الظلامة. من المؤكد أن العالم خذلنا، وتجاربنا في مواجهة أنظمة الاستبداد محدودة، ولكن هل هذا كل شيء؟ وإذا كان الجواب نعم هذا كل شيء، فسيكون علينا أن نقول للإيرانيات والإيرانيين عودوا إلى منازلكم، ففرصكم أقل من فرصنا، والعالم لن ينجدكم. ومن المؤكد أن هذا ما لا يجب أن نقوله لهم، وان قلناه فلن يسمعوننا.

النظام في إيران قوي، وهو اليوم يناور أميركا في فيينا، ويقدم وعوداً الأوروبيين بتعويضهم عن الغاز الروسي. بناء مسار مواجهة معه يجب أن يكون طويل المدى، ومن الضروري عدم توهم إسقاط النظام بأسابيع أو أشهر. المسؤولية عن حقن الدماء هي مسؤولية النظام بالدرجة الأولى، لكن يجب أيضاً أن تكون جزءاً من خطة المحتجين. الضربات الدموية الخاطفة سوف تكون وسيلة السلطة لخنق الاحتجاجات على نحو ما فعل في العام 2009، وثمة بوادر عن الخيار الدموي بدأت تظهر في اليومين الأخيرين. الأولوية يجب أن تكون للحد من قدرة السلطة على سفك الدماء. وهذا أمر يتطلب برمجة مختلفة للاحتجاجات ولشكلها، وعدم السقوط بأوهام كنا سقطنا فيها عن هشاشة النظام وعن انعدام تمثيليته.

نعم نحن راهنا على دور غربي لإسقاط الأنظمة، والدليل الخيبة التي أصابتنا بعد ما بلع باراك أوباما الخط الأحمر الذي كان رسمه لبشار الأسد. ولم نملك حساسية كافية لصد الـ"احتضان" الخليجي لثوراتنا. والأهم إننا توهمنا أننا بمواجهة أنظمة ورقية ومن دون قواعد اجتماعية، وتوهمنا أيضاً أننا صادرون عن مجتمعات منسجمة ومشكلتها الوحيدة هي الأنظمة.

إسقاط النظام في إيران مهمة استراتيجية بعيدة المدى، وتحديد سقف للتحرك أمر ضروري. ويبقى السؤال أننا من خارج إيران لم نرصد حتى الآن ملامح قيادة للحراك الإيراني، وقبل أن نحكم على ذلك بوصفه نقطة ضعف، علينا أن نتذكر أن الثورة الخضراء في العام 2009 جرى القضاء عليها عبر القضاء على قادتها.

المسار طويل الأمد يتطلب تأجيل هذا التطلب، والإبقاء على المواجهة الأفقية مع النظام، تفادياً لضربات مركزية تتيح له أن يكرر ما فعله في العام 2009.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.