كن النظام الإيراني في كل مرة يردد فيها هذه المعزوفة فهو يدين نفسه من حيث لا يدري.
من المقال: "النظام الإيراني في كل مرة يردد فيها هذه المعزوفة فهو يدين نفسه من حيث لا يدري"

لم يجد علي خامنئي المرشد الأعلى للنظام الديني القرووسطي المتخلف في إيران والمتطفل على القرن الحادي والعشرين، في تعليقه على الاحتجاجات المستمرة في البلاد منذ ثلاثة أسابيع، سوى ترديد المعزوفة القديمة إياها أي المؤامرة الأميركية الإسرائيلية!

لكن النظام الإيراني في كل مرة يردد فيها هذه المعزوفة فهو يدين نفسه من حيث لا يدري. فإذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل قادرتين على إقناع الإيرانيين بالتظاهر على هذا النحو ضد نظامهم فهذا يعني أن شعبيته وشرعيته مطعون فيهما وأن كل وسائل إعلامه ودعايته لم تجد شيئا!

وإذا كان المسؤولون عن الملف الإيراني في هذين البلدين قادرون على الوصول إلى شخصيات ناقدة للنظام مثل فائزة رفسنجاني أو غيرها فهذا يعتبر نجاحا لهؤلاء!

الواقع أن الإيرانيين وخاصة الشباب منهم قد طفح بهم الكيل وهم يرون فرصهم في الحياة تقل وأعمارهم تضمحل في خدمة أوهام هذا النظام الذي لا يحسن سوى خلق المشاكل وتضييع الفرص وإدمان الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

ولذلك كان مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني على أيدي أفراد شرطة الأخلاق هي الفاجعة التي نبهت الإيرانيين إلى أن حياتهم بالنسبة لهذا النظام لا تعدو أن تكون مثل الفرق بين تحريك القماش على الرأس باتجاه الأسفل أو الأعلى!

بالطبع كانت هذه مجرد شرارة أفزعت الإيرانيين، ومعهم جميع الشعوب الحية في العالم، لكن الغضب من هذا النظام كان يعتمل منذ عقود.

تقول صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها (4 أكتوبر 2022) إن الأسباب الاقتصادية لها عظيم الأثر في هذه الاحتجاجات، وأن تدهور أوضاع الطبقة الوسطى في إيران بصورة خاصة هو الذي يحرك كل هذا الغضب ضد النظام.

فالطبقة الوسطى هي التي حافظت على الاستقرار في إيران بعد "الثورة" عام 1979 وكانت هي المحرك الاقتصادي رغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأخرى بسبب التكنولوجيا النووية، وبرنامج الصواريخ البالستية ودعم الإرهاب والميليشيات في المنطقة.

 وقد حافظت الطبقة الوسطى على نموها حيث بلغت نسبتها 60 في المئة من عدد السكان خلال الأربعة عقود الماضية بفضل نظام تعليم خرّج أطباء ومحامين ومهندسين وتجار، رغم الحرب المدمرة مع العراق والعديد من الانهيارات في أسعار النفط.

لكن الطبقة الوسطى تتعرض اليوم لضغوط هائلة بسبب نسبة التضخم التي بلغت 50 في المئة والانخفاض غير المسبوق لقيمة الريال الإيراني. ويعيش أكثر من ثلث الإيرانيين اليوم ضمن خط الفقر، مقارنة بنسبة 20 في المئة عام 2015، فيما تآكلت الطبقة الوسطى وانخفضت نسبتها إلى أقل من نصف عدد السكان.

هذه العوامل تجعل الاحتجاجات الحالية أكثر جدية وأبلغ مفعولا. ورغم أن العامل الاقتصادي الذي ذكرته أعلاه يكتسب أهمية خاصة، مع ذلك لا ينبغي أن نغفل أن الطبيعة الكهنوتية للنظام الإيراني والتزمت الديني الذي يحاكي القرون الوسطى شكلا ومضمونا، قد أصبح خارج السوية الطبيعية للبشر في هذا العصر وهو يضغط على الإيرانيين في أبسط تفاصيل حياتهم اليومية ويعيق من حريتهم وحركتهم.

هناك الكثيرون، وهم محقون، يرون أن الإيرانيين، وهم شعب مبدع يستحقون نظاما أفضل من نظام الخميني الذي هو نظام بائس ومتعفن وينتمي إلى الماضي، وهم يأملون، وكاتب هذه السطور بينهم، أن هذه الاحتجاجات أو التي ستليها ربما تقود إلى كنسه إلى مزبلة التاريخ.

بالطبع لا أحد يستطيع أن يتكهن بطبيعة التغيرات التي يمكن أن تحدث في دولة مهمة مثل إيران في الشرق الأوسط.

 فالخيارات جميعها مطروحة على الطاولة. فهناك من يتوقع أن تنجح هذه الاحتجاجات في إجبار النظام على السماح ببعض الحريات الاجتماعية وإلغاء شرطة الأخلاق، وهناك من يتوقع أن تتطور إلى ثورة تؤدي في النهاية إلى تغيير النظام، وهناك من لا يستبعد أيضا أن تنتهي بهدوء كما حصل مع سابقاتها.

لكن الأمر المؤكد هو أن هذا النظام قد انتهت صلاحيته منذ فترة طويلة ولم يعد قادرا على تلبية مصالح وتطلعات الإيرانيين، تماما مثلما يحدث عندما يكبر الإنسان فلا تعود الثياب القديمة صالحة له ولا يمكنه استخدامها أو تعديلها. الأمر المنطقي هو أن يطرحها جانبا. وهذا هو الطبيعي في التعامل مع النظام الإيراني.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.