مجلس النواب العراقي- جديدة
آخر انتخابات لمجالس المحافظات أجريت قبل نحو عقد- أرشيفية لمجلس النواب العراقي

بين رفض وطعن بنتائجها، وصراع على شكل الحكومة القادمة، بين مَن يريدها أن تتشكّل على أساس حكومة أغلبية، وآخر يريدها أن تبقى توافقية، وبين تبدّل في موازين القوى داخل البرلمان، مضى عامٌ كاملٌ بالتمام والكمال على انتخابات 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وإلى الآن لم تتشكّل الحكومة! 

لا يوجد تعبيرٌ يمكن أن يصف الشلل السياسي الذي استمرّ سنة كاملة، أفضل من الذي قدّمته ممثلة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن عن الوضع في العراق، حيث قالت: "خلال الأشهر الاثني عشر الماضية كان لِلشقاق ولعبة النفوذ السياسي الأولوية على حساب الشعور بالواجب المشترك. وقد تركت الأطراف الفاعلة على امتداد الطيف السياسي البلدَ في مأزق طويل الأمد. وكان العراقيون رهينة لوضع لا يمكن التنبؤ به ولا يمكن احتماله، ليتحول إلى اشتباكات مسلّحة... لا يكن لديكم أدنى شك بأنَّ خيبة أمل الشعب قد وصلت إلى عنان السماء. لقد فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لِصالح البلد وشعبه. ولن يؤدي استمرار الإخفاق في معالجة فقدان الثقة هذا سوى إلى تفاقم مشاكل العراق".  

يفترض بالانتخابات أن تكون آلية لِلتداول السلمي لِلسلطة في نظام يحمل عنوان "ديمقراطي"، إلا أنها في العراق تعمل بطريقة عكسية، إذ بدلاً مِن أن يعمل التقادم في ممارستها على إنضاج تجربة التحول نحو النظام الديمقراطي، إلا أنها باتت تدخلنا في انسدادات دورية، وتوفر مسرحاً لصراعات الطبقة السياسية، وشعارات تماهي المصلحةَ العامة ترفعها القوى السلطوية، ولكنها في الحقيقة تعبّر عن مصالح الأحزاب وأعضائها وعن نرجسية قادتها.  

الغاية الرئيسة من الانتخابات هي أن تكون وسيلةً يتمّ من خلالها قياس الرضا والقبول الشعبيَين عن القوى والأحزاب السياسية والحكومات، وأن يكون تصارع الفرقاء السياسيين على تشكيل الحكومة في ضوء نتائج الانتخابات بما يعبّر عن أفق سياسي يدرك تغيير في مزاج الناخبين، وأن يتم تجاوز الأخطاء وأخذ العبرة من التحول في موازين المقاعد داخل البرلمان. لكنّ انتخابات تشرين الأول 2021 عبّرت عن اتجاهَين متصارعَين على تشكيل الحكومة، الأول يريد الاستئثار بتشكيل الحكومة ويسيطر من خلالها على كل مفاصل الدولة كخطوةٍ أولى، ومن ثمَّ العمل على تصفية خصومه السياسيين. أمّا الاتجاه الآخر، فكان يستشعر الخطرَ من خسارة مقاعده البرلمانية، فتوجّه نحو تشكيل تحالف يضمّ فرقاء سياسيين لا يجمعهم شيء سوى الشعور بخطورة إقصائهم من تشكيل الحكومة الجديدة، ومن ثمّ خسارة نفوذهم السياسي. 

في الآونة الأخيرة، باتت تتعالى الأصوات المطالِبة بإعادة الانتخابات، وكانت تلك مطالب قوى الإطار التنسيقي من اليوم الأول لإعلان نتائج انتخابات 2021. أو حلّ البرلمان والذهاب نحو انتخابات مبكّرة، الذي أصبح من مطالب التيّار الصدري بعد استقالة نوّابه من البرلمان. ويبدو أنَّ الانتخابات وسيلة القوى السياسية لِتعطيل الاستحقاقات السياسية التي يطالب بها الجمهور، كتعديل الدستور وتشكيل حكومة تتحمّل مسؤوليتها الأحزاب والقوى السياسية التي تشكّلها وتتقاسم وزاراتها والمناصب العليا فيها!  

حتّى حكومة الكاظمي، التي لم تكل ولم تمل يوماً من تكرار التأكيد على أن مهمتها الرئيسة في الإعداد لِلانتخابات المبكّرة التي جرت في تشرين الأول من العام الماضي، أمست الآن تسعى إلى تجديد الثقة بها، وتنهي وصفها باعتبارها (حكومة تصريف الأعمال اليومية)! وتراهن على تمديد بقائها حتّى إجراء انتخابات جديدة! وبالنتيجة ترهن ديمومة بقائها على أساس الدوران في دوامة إدارة المرحلة الانتقالية، وتكون غير خاضعة لِلمساءلة والمحاسبة، ما دامت مهمتها إجراء انتخابات بعد انتخابات إلى ما لا نهاية.  

انتخابات تولد أزمةً، ولا تفرز حكومةً جديدة، ولا تغيّر في موازين المعادلة السياسية وفقاً لنتائج انتخابات، يفترض أنّها عبرت عن تغيير في مقاعد البرلمان، لكنّ القوى السلطوية ترفض الإصغاء لأصوات أغلبية الجمهور المقاطع للانتخابات، وتريد العودة إلى التوافقات بين الزعامات السياسية على مَن يكون رئيساً لِلوزراء، وعلى ضمان حصصها من موارد الدولة. 

إنَّ تعطيل الاستحقاقات السياسية المترتبة على نتائج الانتخابات بعد مضيّ عام مِن إجرائها تكمن خطورته في إدامة هشاشة النظام الديمقراطي. فالممارسات الديمقراطية تشترط، كما حدد ذلك عالم السياسية الأميركي سيمون مارتن ليبست، ثلاثة شروط رئيسة: 

أولها، أن يضمّ النظام السياسي مجموعةً من القيم تسمح بالتنافس السلمي مِن أجل الوصول إلى السلطة. وثانيها، إذا لم يؤدّ نتاج النشاط السياسي إلى منح السلطة إلى مجموعة ما، في فترات محددة، فيتنج عن ذلك وجود حكومة غير مسؤولة وغير مستقرّة. وأخيراً، ستزداد سلطة المسؤولين السياسيين باطراد، ويتضاءل نفوذ الشعب، إذا لم تتوفر شروط وجود المعارضة المستمرة والفاعلة.  

 إذاً، يبدو أنَّ قوى السلطة تعمل على إفراغ الانتخابات من مضمونها، والتحايل على غاياتها في التعبير عن إرادة الجمهور السياسي. ولا تعطي أولوية لِلتوقيتات الدستورية، ولا لِلزمن المتبقي مِن الدورة الانتخابية، ولا تكترث حتّى بمساءلة الجمهور الذي لم تحقق له حتّى القليل من متطلبات حياته اليومية البسيطة، ولا تتخوّف مِن يأسه وتبرّمه من هذه العملية السياسية التي لم تنتج غير الفوضى والخراب والفساد. 

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

 

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.