وفاة الشابة مهسا أميني أشعلت الاحتجاجات في إيران
وفاة الشابة مهسا أميني أشعلت الاحتجاجات في إيران

في حملته الأمنية الثانية ضد الاحتجاجات المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، نقل النظام الإيراني أزمته إلى أطرافه القومية، محاولا إثارة الحساسيات القومية والمناطقية بين الشعوب الإيرانية، فاستغل الخاصرة الكردية الرخوة محاولا تصوير المحتجين الكرد كأنهم  تهديد لوحدة الكيان الإيراني، الأمر الذي قد يثير مخاوف القوميات الكبرى ويدفعهم إلى مراجعة حساباتهم والتوقف عن الانخراط في الاحتجاجات، وفقا لمراهناته الخاطئة طبعا. فقد سبق إطلاق العملية الأمنية  تحريضا غير مسبوق ضد الكرد، وما اختيار مدينة مهاباد لبدء عملية القمع إلا محاولة يائسة من النظام لاستعادة مرحلة صعبة من الذاكرة السياسية الإيرانيه، حين وقعت الدولة الإيرانية تحت تأثير الصراعات الدولية التي انعكست على داخلها وشكلت حينها تهديدا لوحدة البلاد، فما حدث قبل قرابة ثمانية عقود بدعم خارجي هناك من يحاول إعادته اليوم في المكان والأهداف والأدوات نفسها، والدعم الخارجي المتآمر نفسه على ما يصفه النظام قوة الجمهورية الإسلامية.  

تتعرض مناطق كردستان لتحريض قومي وعقائدي غير مسبوق بالرغم من أن المدن الكردية المنتفضة منذ مقتل الشابة مهسا أميني لم ترفع شعارات هوياتية خاصة أو مطالب بحق تقرير المصير، كما أن الأحزاب الكردية المعارضة حتى تلك التي ترفع السلاح بوجه النظام لم تحرض المحتجين على رفع شعارات انفصالية، إلا أن صحف النظام استمرت في عملية التحشيد ضد الكرد، فقد رحبت صحيفة "وطن امروز" المقربة من الحرس الثوري بالقمع الشديد الذي تعرض له المحتجون في مدينة مهاباد، قائلة أنه كان ينبغي على الأمن اللجوء إلى هذه الأساليب منذ وقت مبكر، وعنونت افتتاحية  الصفحة  بالقول "نهاية المداراة في مهاباد". ولكن رغم التحريض الممنهج  ضد الكرد إلا أن حركة  الاحتجاجات الممتدة  في طول إيران وعرضها وتمسكها بشعارات وطنية بعيدة عن الحسابات المناطقية أو الطائفية أو القومية، قطعت الطريق على أدوات النظام في اختراقها وفي تفرقتها مكوناتيا أو مذهبيا.  

فما وحدته الاحتجاجات وطنيا يحاول النظام تفرقته من خلال افتعال أزمات مناطقيه تبرر تحركه ضد حوافه القومية الرخوة، فاختار مدن كردستان للبدء بعملية القمع في مهاباد وجوانرود وسنندج تحت ذريعة إنهاء المخاطر التي تهدد الأمن القومي الإيراني، كما أن هذه العملية المحددة مناطقيا تبرر له أيضا نقل معركته إلى الخارج باعتبار أن مصدر الاحتجاجات في الأطراف الخارجية، وأن تحركه خارج الحدود ضروري ومبرر من أجل إخمادها في مصدرها، لذلك قام بتوجيه رسالة شديدة اللهجة للحكومة العراقية في بغداد وللحكومة المحلية في أربيل بالرغم من هيمنته السياسية في العراق، مهددا بعملية عسكرية في شمال العراق.

عمليا يحاول النظام من خلال حملته على مناطق كردستان إيران  والقصف الصاروخي على مناطق في كردستان العراق التغطية على ارتباكه داخليا وتراجع قدرته على احتواء الأزمة سياسيا وأمنيا، لذلك لجأ إلى التصعيد وهذه المرة خارجيا، حيث عمل منذ الأيام الأولى للاحتجاجات التي شهدت زخما كبيرا في مدينة سنندج مسقط رأس الشابة مهسا أميني إلى إظهار الأمر كأنه عصيان كردي جديد بأدوات  خارجية، وعمل على ربط الحراك الكردي الداخلي بالخارج، واختار الجهة العراقية الضعيفة لنقل معركته إلى الخارج، حيث قام قائد فيلق القدس الجنرال، إسماعيل قاآني بنقل رسالة تهديد صريحة إلى بغداد وأربيل من شقين؛ الأول المطالبة بنزع سلاح الجماعات الكردية المعارضة لإيران في شمال العراق، والثاني نشر الجيش العراقي على الحدود مع إيران لمنع التسلل.

التلويح الإيراني بعملية عسكرية برية في إقليم كردستان شمال العراق ليس إلا هروبا  إلى الأمام أو إلى الخارج، حيث تراهن قيادة النظام من خلال العمل الخارجي أنها  ستتمكن من  تفكيك تماسك حركة الاحتجاجات وإعادة ضبط الأمور، محاولة مرة جديدة التعامل مع المسألة الكردية في العراق وإيران كأنها مكسر عصا تستخدمه لقمع الداخل وترويض الخارج بمزيد من الانتهاكات الجيوسياسية التي إذا تطورت من خلال مغامرة عسكرية غير محسوبة في شمال العراق قد تؤدي إلى أزمة إقليمية واسعة.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.