أطباء ومسعفون تحدثوا عن استهداف متعمد لأجساد النساء المتظاهرات بإيران/ أرشيف
أطباء ومسعفون تحدثوا عن استهداف متعمد لأجساد النساء المتظاهرات بإيران/ أرشيف

في جمهوريات الخوف عندما يقرر الشعب تحطيم جدار خوفه، يصاب أصحاب السلطة بالذعر، فيلجأون إلى ما أتيح من أدوات لترميم تصدعات الجدار، وفي حالة النظام الايراني فإن ما يمر به منذ قرابة ثلاثة أشهر تجاوز فيها توصيف الخوف، وبات يتصرف كالمصاب بالهلع، فهو يعاني الآن من أغلب أعراض الهلع، الهلع من المحتجين، من شعاراتهم، من صمودهم ومن إصرارهم، ولكن هلعه الأكبر من إرادتهم، لذلك يريد تحطيمها.

في المواجهة المفتوحة ما بين أدوات النظام وبين إرادة المحتجين، وجد النظام الإيراني في عقوبة الإعدام شنقا ضالته، وفي تنفيذها علانية مبتغاه، فما يريده الآن ترهيب الناشطين فردا فردا من خلال تطبيق فكرة القتل النوعي، بعدما فشلت آلة القتل التي تجاوز ضحاياها حتى الآن 450 شخصا في الترهيب الجماعي، أي القتل الكمي.

في جمهوريات الخوف عندما يقرر الشعب تحطيم جدار خوفه، يصاب أصحاب السلطة بالذعر، فيلجؤون إلى ما أتيح من أدوات لترميم تصدعات الجدار، وفي حالة النظام الايراني فإن ما يمر به منذ قرابة ثلاثة أشهر تجاوز فيها توصيف الخوف، وبات يتصرف كالمصاب بالهلع، فهو يعاني الآن من أغلب أعراض الهلع، الهلع من المحتجين، من شعاراتهم، من صمودهم ومن إصرارهم، ولكن هلعه الأكبر من إرادتهم، لذلك يريد تحطيمها.

في المواجهة المفتوحة ما بين أدوات النظام وبين إرادة المحتجين، وجد النظام الإيراني في عقوبة الإعدام شنقا ضالته، وفي تنفيذها علانية مبتغاه، فما يريده الآن ترهيب الناشطين فردا فردا من خلال تطبيق فكرة القتل النوعي، بعدما فشلت آلة القتل التي تجاوز ضحاياها حتى الآن 450 شخصا في الترهيب الجماعي، أي القتل الكمي.

في الإعدام العلني يتجنب النظام في هذه المرحلة تداعيات القتل الكمي، فهو غير قادر على تحمل ارتفاع عدد الضحايا، كما أن هناك جدلا بأن الإفراط في العنف ضد المحتجين لم يتسبب بتراجعهم، وفي لحظة قد ينعكس على معنويات منتسبي الأجهزة الأمنية التي يستخدمها ضد المحتجين، فقرار قتل الجميع كما في سوريا والعراق قد يتسبب بالامتناع عن تنفيذ الأوامر، وبالمعنى العسكري عصيان، وهذا قد يؤدي إلى تمرد وثم انشقاق، وتجنبا لهذه المعادلة، وجد النظام في شنق المحتجين مخرجا يتجنب فيه هذه الاحتمالات وقد يساعده على ردعهم كأفراد.

صباح يوم الاثنين الفائت، نفذت السلطات المختصة الإيرانية حكم الإعدام شنقا أمام الملأ بالمحتج محمد مجيد رضا رهنورد بتهمة قتل عضوين من قوات الباسيج بعد اشتباك معهم بالسلاح الأبيض في مدينة مشهد، في وقائع الحادثة يظهر شريط فيديو اشتباكا بالأيدي بين عدة أشخاص دون ظهور واضح للوجوه، إلا أن المحكمة أدانت رهنورد وحكمت عليه بالإعدام معتبرة أن القرار قد استوفى كافة شروطه القانونية والشرعية.

هذا طبعا ليس حكم الإعدام الأول بحق المحتجين، بل أن النظام أعدم، الخميس الفائت، المتظاهر محسن شكاري بعد إدانته بجرم "الحرابة"، وادعى القضاء الإيراني أن شكاري استخدم سلاحا أبيض بقصد القتل وإثارة الرعب وتهديد حرية المواطنين وأمنهم، وإغلاق شوارع ما أدى إلى الإخلال في نظام وأمن المجتمع.

لم تستطع المحكمة إدانة محسن شكاري بجريمة القتل، ولكنها قتلته، هذا التعسف ليس إلا مقدمة لحملة إعدامات ستطال المحتجين يستعد القضاء الإيراني إلى تنفيذها لعله يستطيع ردع الناس عن النزول إلى الشارع، فقد كشفت ما يسمى بالمحكمة الثورية في مدينة أرومية أن المحكمة قررت تنفيذ حكم إعدام شقيقين كرديين، بتهمة المشاركة بالتظاهرات، كما أعلن القضاء إدانة 11 شخصا بحكم الإعدام على خلفية الاحتجاجات، في وقت تشير جمعيات حقوقية إيرانية إلى ان أكثر من 12 ناشطا آخر يواجهون تهماً قد تؤدي إلى عقوبة الإعدام.

في العام الجاري، حل النظام الايراني ثانيا، بعد الصين، في أحكام الإعدام، حيث تسلط المؤسسات الحقوقية الدولية الضوء على أكثر من 500 حكم إعدام نفذها النظام الإيراني، إلا أن قراراته ضد المحتجين تأخذ طابعا مختلفا في أهدافها وشكلها، فهي محاكمات صورية وتهم غير حقيقية، هدفها ردع المحتجين عن النزول إلى الشارع.

لذلك يراهن النظام على أن الإعدام النوعي قد يؤدي إلى ترهيب المحتجين، هذه الجريمة بحق المواطنين بررتها صحيفة كيهان القريبة من المرشد التي اعتبرت أن إيران ليست وحدها من يقوم بهذا، وأن "الإعدامات في شوارع أميركا تتم دون محاكمة وتشمل الأطفال في سن 3 شهور وحتى الشيوخ الذين تجاوزت أعمارهم 80 عاما".

في كتاب جمهورية الخوف للمؤرخ العراقي كنعان مكية، يعلق الناشر أن مكية في كتابه يأخذ القارئ في رحلة تحليلية عميقة لمسيرة بلد مزّقه الخيال السياسي والاستبداد والخوف، وهي ركائز لا يمكنها أن تبني أوطاناً حقيقية، بل غايتها تدمير عزة الإنسان وإبادة المواطن الحقيقي، وهذا لا يختلف عما يفعله النظام الإيراني في جمهورية المشانق.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.