مظاهرات مطالبة بالديمقراطية والمدنية في العراق- أرشيفية
مظاهرات مطالبة بالديمقراطية والمدنية في العراق- أرشيفية

كعادتهم مع نهاية كلّ عام، طوى العراقيون صفحات عام 2022 وهم يستذكرون خيباتهم مع الطبقة السياسية الحاكمة. إذ على عكس شعوب ودول المعمورة الذين ينهون أعوامَهم بتقييم نجاحهم ومراجعة الإخفاقات واستذكار إنجازاتهم ومستويات تعافي اقتصاداتهم في مواجهة التحديات، يقلّب العراقيون أوراقَ عامهم الماضي فلا يجدون غير خيبتهم من انتخابات 2021، ومخاوفهم في ليلة الصِدام المسلَّح على أبواب المنطقة الخضراء، وأحداث مسلسلات الفساد في العراق الذي كان عنوانه (سرقة القرن)، وحكومة جديدة تغدق بالوعود والأمنيات، لكنّها لحدّ الأيّام الأخيرة في السنة الماضية كانت عاجزة عن إقناع المواطن بأنّها تحمل أفقًا جديدًا في معالجة الأزمات. 

محنة العراقيين مع سنواتهم التي تنتهي من دون تغيير ملموس أو أمل يُرتجى بالتغيير نحو الأفضل، هي ليست مجرّد نظرة متشائمة، وإنما هي معطيات واقعية. إذ كيف يمكن لِلعراقيّ أن يشعر بالتفاؤل ويتأمل بتحسين أوضاع حياته اليومية، ومَن يحكمه لما يقارب العشرين عاماً لا يزال يتمسّك وبقوّة بِنظريةِ المؤامرة لِتبرير فشله وخيبته في إدارة الدولة! وغالباً ما نتمسّكُ بخيطٍ رفيع مِن الأمل بتغيير الحكومات، إلا أننا سرعان ما نكتشف أننا نخدع أنفسَنا بأوهام التغيير ليس إلاّ.

قبل نهاية العام حدّثتنا الحكومةُ عن برنامج ومنهاج حكوميّ واعد، وكشفت عن خطط واستراتيجيات لتنفيذها. ولكنَّ السياسة تجعلنا نتذكرُ المعادلةَ الشهيرة: الآمال الكبرى تنتهي عادة بإحباط أكبر، إن كانت الآمال هشّة، أو مفرَطة. وأعتقد أنه مِن السذاجة الاعتقاد بأنَّ المنظومة الحاكمة في العراق قادرة على إحداث تغيير في السياسات العامة؛ لأنّها ترفض التفكير بمنطق الدولة وتصرّ على التعامل مع مؤسساتها السياسية على وفق مبدأ الاستحواذ والسيطرة الحزبية وتحويلها إلى مقاطعات لحاشيتها وزبائنها. 

في بلد يعتمد اقتصادُه على الريع النفطي، يجب أن تكون أحلامنا وأمنياتنا ودعواتنا أن لا ينخفض سعر النفط إلى 50$ للبرميل الواحد، لأنَّ ذلك يعني الدخول في دائرة الخطر! فحكوماتنا هي حكومة السوبرماركتات، لا تجيد غير بيع النفط وتحويله إلى رواتب ونفقات على مشاريع استهلاكية. ومشاريع أخرى عناوينها استثمارية، لكنّها واقعاً بوابات لِلفساد وتنمية الموارد الماليّة لمافيات أحزاب السلطة ومن يرتبط بها من طبقات طفيلية. 

سنبقى نعيش الترقبَ والحذر، بدلاً مِن التفاؤل بوعود حكومية، لأننا نفتقد إلى رؤية اقتصادية قصيرة أو بعيدة الأجل. ونعيش في ظلّ قوى اللادولة التي تتحكّم باقتصادنا وحرياتنا ومستقبل أجيالنا، ونعيش تحت ظلّ السلاح المنفلت الذي تقهقر تحته سلاح الدولة واحتكارها لِلعنف المنظّم! كيف نشعر بأنّ المستقبل سيكون أفضل وزعماء الطبقة السياسية يحتفلون بكسر إرادات بعضهم الآخر؟ ومن يدفع ثمن صراعاتهم هو المواطن المسحوق! وكيف يمكن أن نثق بأنَّ العام الجديد سيكون أفضل مِن سابقه، إذا كان سياسيونا يرددون شعارات لم نجنِ منها إلا الخراب والفوضى، وتتغنّى بأيديولوجيات خاوية نجحت فقط في زيادة الفجوة بين نظام الحكم والمجتمع، وحوّلت بلدانهم إلى دولةٍ مارقة!

سيبقى الفساد هو الصخرة التي تتحطّم تحتها كل أمنياتنا بالتغيير في العام الجديد، لا سيما أننا ودّعنا عام 2022 بفضيحة (سرقة القرن)، وفي وقت تبدو الحكومات أنها تريد من العراقيين أن يتعايشوا مع فضائح الفساد. لذلك أعتقد بأنَّ منظّمة الشفافية الدولية أخطأت كثيراً عندما وضعت العراق في المرتبة 157 في مؤشّر مدركات الفساد. لأنَّ كلّ معاييرها لتحديد مؤشرات الفساد لا يمكن لها أن تصف إلا الجزء الظاهر منه، فالفسادُ في العراق تَعدّى كلَّ التوصيفات والتعريفات التي تحددها القواميس الأكاديمية والمنظّمات الدولية. فلا توجَد دولة في العالم تشترك فيها السلطات والمؤسسات الرسمية في سرقة أموالها! ولا توجد دولة في العالَم لم تتفق فيها الأحزاب والطبقة السياسية إلا على نهب الدولة وسلب اقتصادها ومواردها! بل لا توجَد دولة في العالَم يتفاخر ويجاهر فيها المواطن في التجاوز على أملاك الدولة!

الموضوع أكبر من أمنيات نتبادلها في مناسبة بداية العام الجديد، لأنَّ العراقيين يدركون أنَّ كلّ أمنياتهم بالحياة الكريمة لا تتحقق إلا في ظلّ الدولة، لا العيش في ظلّ حكم الأحزاب السلطوية. ولعلّ هذه الأمنية هي التي ستبقى ترافق الأجيال العراقية. وعندما يُفتقد الأمل بالتغيرات التي تحصل على المستوى السياسي، لا يمكن أن نخدع أنفسَنا بأننا ننتجه نحو الأفضل. فالمتغيّر الوحيد هو الأرقام في تاريخ العام الميلادي. أمّا طبقتنا الحاكمة فتغيير تفكيرها أو سلوكها سيبقى أمنيات فحسب. 

ليس في وارد القول أنَّ المستقبل كالَح، بل في وارد التذكير أنّ صورةَ المستقبل لا تتوقف على الوعود والشعارات والخطابات الرنانة. والحكومة الحالية تكرر نفسَ وصفات الخراب لِلحكومات السابقة، فهي تَعِد الشبابَ الطامح إلى دخول سوق العمل، بربع مليون وظيفة حكوميّة. ويبدو أنَّ كلَّ وعودها بشأن الزراعة والصناعة ومعالجة البطالة هي مجرد حبر على ورق أو وعود فارغة.

ورغم كل السوداوية وانعدام التفاؤل بأنّ يكون القادم أفضل على يد هذه الطبقة الحاكمة، إلا أنَّ الأملَ يبقى ويجب ألا نركن إلى اليأس. لأنَّ هذا تحديداً ما تريده هذه القوى السلطوية. والزمن سيبقى ضاغطاً على نحو التغيير مهما طال أو قصر، فإنَّ البقاءَ لم يعد لِلأقوى وإنّما لمن يكون قادراً على التعامل بمرونة مع التغيرات والتطورات التي تحدث مِن حوله.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.