اليوم تركيا وإيران تواجهان تحديات مشتركة إزاء الأقلية الكردية- الصورة أرشيفية
اليوم تركيا وإيران تواجهان تحديات مشتركة إزاء الأقلية الكردية- الصورة أرشيفية

يمضي قطار المصالحة بين تركيا والنظام السوري في وتيرة أسرع مما كان يتوقعها الكثيرون، ولأسباب ترتبط ببراغماتية الأطراف الضالعة من الكرملين إلى طهران، وتشابك مصالحها الأمنية والاقتصادية.

ليست مصادفة أن تعلن أنقرة، يوم الخميس، عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى تركيا الأسبوع المقبل، وذلك بعد ساعات من إعلان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أنه قد يلتقي نظيره السوري، فيصل مقداد، في موسكو الشهر المقبل.

التقارب بين أنقرة ودمشق، وبين تركيا وحلفاء دمشق يجري في العلن وبضوء أخضر من اللاعبين الأبرز في صف النظام، أي روسيا وإيران، وأي حديث عن أن مصالحة رجب طيب إردوغان مع بشار الأسد ستؤذي طهران، هي ضرب من الخيال. فالمصالح المشتركة في كبح نفوذ واشنطن وإضعاف الأكراد، هي مصالح تركية-إيرانية-روسية-سوريا، ومن لم يفهم ذلك بعد عقد على الحرب السورية غابت عنه وقائع كبيرة.

اليوم تركيا وإيران تواجهان تحديات مشتركة إزاء الأقلية الكردية في البلدين. تظاهرات إيران منذ مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني في سبتمبر 2022، لم تهدأ في مناطق الأكراد، وأوصلت إيران إلى حد فتح معركة مع أكراد العراق. تركيا تشاركها إلى حد كبير هذه التطلعات وحربها على حزب العمال الكردستاني، عمرها خمسة عقود. هذا التقاطع بين أنقرة وطهران يظهر على الملء في شمال العراق حيث تقصفه تركيا وإيران على حد سواء.

أما في سوريا، فالوقت متاح للأسد للانقضاض على الأكراد من البوابة التركية وبالتالي تقوية موقع دمشق، إضعاف واشنطن إلى حد ما، وإرضاء روسيا المنشغلة في الملعب الأوكراني. هذا التقاطع يصاحبه عوامل اقتصادية وأخرى ديموغرافية داخل تركيا تجعل خطوة إردوغان ملائمة للداخل التركي، والذي، وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز ميتروبول للأبحاث، الاثنين الماضي، أيد بنسبة 59 في المئة فكرة عقد اللقاء بين الأسد وإردوغان مقابل معارضة 29 في المئة.

هذا التأييد تدفعه الرغبة التركية بطي صفحة الحرب والعبء الاقتصادي المترتب عليها، وإعطاء أولوية لمواجهة الأكراد. يضاف إلى ذلك العامل الاقتصادي، فالسوق التركي هو منفس للبضائع السورية والعكس صحيح. هناك أيضا قضية اللاجئين واستضافة أنقرة لأكثر من 3 مليون لاجئ سوري. المصالحة لا تعني إجبارهم على العودة إنما تفتح الباب إلى إجراءات متفق عليها بين الجانبين تفيد إردوغان في عام انتخابي.

الرسائل بدأت بين الأسد وإردوغان. فبعد تأكيد الرئيس التركي أن بلاده لا تهدف إلى هزيمة الأسد في سوريا، وأنه "يتعين الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا من أجل إفساد مخططات ضد المنطقة" وأن بلاده "ليست لديها أطماع في سوريا، وتُولي أهمية لوحدة أراضيها، وعلى النظام إدراك ذلك"، قال الأسد إن "الأمر يبنى على إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب". 

في هذه العبارات تلميح لصفقة تركية-سورية برعاية موسكو ومباركة إيرانية تهدف أولا إلى إضعاف الأكراد ومعهم واشنطن، وثانيا محاولة العودة إلى ترسيخ سلطة الأسد بعدما كان إردوغان أول من دعا إلى إطاحته.

طبعا سوريا اليوم لم تعد سوريا 2011، والتفاهم على الورق أسهل من التطبيق على الأرض. فمن الصعب إرغام واشنطن على الانسحاب من سوريا ومن الأصعب إرغام الأكراد على التخلي عن سلاحهم ونفوذهم.

ما يلوح في الأفق هو إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية حول سوريا وتثبيت التلاقي السوري-التركي-الإيراني-الروسي في المرحلة المقبلة، مما يعنيه ذلك من جبهات جديدة ومعارك واصطفافات في الشمال.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.