سعر صرف الليرة اللبنانية مستمر في التدهور أمام الدولار الأميركي- تعبيرية
سعر صرف الليرة اللبنانية مستمر في التدهور أمام الدولار الأميركي- تعبيرية

أن يصل سعر الدولار في "سوق الصرافين" اللبناني إلى 50 ألف ليرة، أمس الخميس، وفي استمرار للهبوط التاريخي للعملة الوطنية، فهو تذكير بحجم الكارثة التي تضرب بيروت، وتحت طائلة مسؤولية نخبة سياسية ومصرفية وميليشياوية مجرمة، تختبئ من المحاسبة.

سعر الدولار ليس السقوط الوحيد في بيروت هذه الأيام، هناك البازار المافيوي المفتوح بين سلطة أمنية تعتقل عائلة الضحية بشخص وليام نون شقيق جو نون أحد قتلى انفجار المرفأ، وسلطة مالية ممثلة برياض سلامة وغيره لا تتجرأ على الظهور أمام القضاء، أو حتى الاجتماع بوفد أوروبي يزور بيروت من فرنسا وألمانيا ولوكسبمورغ لاستقصاء شبهات اختلاس سلامة 300 مليون دولار من المال العام.

الحبل على الجرار في الفساد السياسي والاقتصادي في بيروت والذي بات يجري على المفضوح. فالمجلس النيابي عجز وللمرة الـ11 يوم الخميس على انتخاب رئيس للجمهورية، ورئيسه نبيه بري أزعجه اعتصام البعض داخل البرلمان أكثر من الاضمحلال في مؤسسات من كان اسمها دولة لبنانية مركزية، وهي بدأت تتحول إلى "تفتت فدرالي" ومناطقي. 

وما هم بري وغيره من النخبة السياسية أصلا؟ فالأموال جرى تهريبها للخارج (شكرا رياض سلامة)، والأولاد جرى منحهم الجنسية الأجنبية (شكرا فرنسا وبريطانيا وأميركا) والشعب استسلم لواقع حاول وعجز عن تغييره (شكرا حزب الله والنظام الطائفي). 

هذا هو لبنان اليوم، بقعة مفلسة تقودها نخبة فاسدة همها الأول والأخير شراء الوقت في السلطة وتمديد رهانها على الاقتصاد المافيوي ومن يرعاه من الخارج. فلماذا يستعجل من بري أو غيره انتخاب رئيس؟ فبوجود رئيس أو من دونه، اللصوص تنهش القلعة ومن فيها. وماذا يجبر رياض سلامة على التعاون مع أي تحقيق وهو يعرف تماما أن السلطة القضائية المهترئة في لبنان ستحميه وستحمي شقيقه رجا بأي ثمن ممكن، لأن سلامة يحمي الباقين. 

المأساة في الصورة اللبنانية هو أن الشعب اللبناني هو من أحد الشعوب الأكثر إبداعا وطلاقة في المنطقة. ففي الأسبوع نفسه التي انهارت فيه العملة، وساد الجمود السلطة السياسية، يحاول المواطن اللبناني إيجاد اللحظات المفرحة والخلاقة باستضافة مهرجانات والإعلان عن إعادة فتح متحف سرسق نهاية مايو المقبل. اللبناني يبدع أيضا في الخارج، ففوز فرقة مياس في برنامج المواهب الأميركي هو خير دليل أن المشكلة ليست بالمجتمع اللبناني، بل بالنخبة السياسية. 

هذه النخبة اليوم يترأسها حزب الله ولو لم يشأ الظهور بأنه متورط باللعبة الداخلية. فلا انتخاب رئيس جديد سيحدث قبل حسم الحزب قراره عن المرشح المفضل بين التيار الوطني (جبران باسيل) أو قائد الجيش جوزيف عون أو النائب سليمان فرنجيه. ولا محاسبة أي شخص أو مسؤول سابق في جريمة المرفأ ستتم من دون ضوء أخضر من حزب الله. فماذا ينتظر الحزب؟ الفوضى في لبنان ستأكل الجميع، وسياسة القطرة قطرة في ضبط الواقع الداخلي غير كافية اليوم. 

لبنان في هذا الواقع وفي حال عدم الوصول لحلول جذرية قريبا هو في طريقه للتفكك والتفتت الداخلي. هناك من يطرح اليوم حلولا فدرالية ولامركزية إدارية، إنما هذا كله لن يكفي في غياب أعمدة الدولة أي القضاء والقانون وفصل السلطات. هذه الأعمدة تتلاشى في لبنان، وسيكون من الصعب العودة إليها مع صعود الانتماء القبلي وتفشي اقتصاديات المناطق والمحاصصة تحت حماية اللصوص بدل محاسبتهم.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.