نساء من الطائفة الدرزية
نساء من الطائفة الدرزية

الدِّين نصفُ المرأة والمجتمع خذلها. قد تنطبق هذهِ العبارة على العديدِ مِن المذاهبِ والدّيانات، ولكنني أتحدّثُ هُنا تحديدًا عن نساءِ المجتمع الدّرزيّ.

تطرّق أنبياءَ ورجالَ دين دروز مشهورونَ إلى مكانةِ المرأة في المجتمعِ الدرزيِّ، ومنهم "حمزة بن علي" وهو أحد ناشري الديّانة الدّرزيّة، حيثُ قال: "على الدّرزيّ أن يساوي زوجته بنفسهِ في كلِّ ما يملك". كما أن الأمير السيد (وهو أحد شارحي النّصوصِ الدّينيّة لطائفةِ الموحّدين ويُعتبر زعيماً روحياً هاماً 1479-1419 حدّد بين أمورٍ أخرى ترتيبات تتعلّق بقضايا الأحوال الشخصية كالزواج، الطلاق، الإرث والوصاية، ورسّخها كأحكامٍ دينيّةٍ لا تزالُ ساريةَ المفعول حتّى يومنا هذا. وقد أكّد السيّد على الالتزامِ المتبادلِ في العَلاقات بين المرأةِ والرجل.

يوصي الدّين الدّرزيِّ الرَّجل أن يساوي زوجته بنفسهِ وأن يُعامَلَ الإناث والذّكور بالتساوي. كما أن تعدّد الزّوجات غير واردٍ عند الموحّدين الدّروز وللمرأةِ حقّ الطّلاق ما إذا كان زواجها فيهِ جور أو ظُلم أو انتهاك لحقّها. ولكن هل هذا ما يحدث حقّاً على أرضِ الواقع؟ هل يُعامل النساءُ والرجالُ بالتّساوي كما أوصى الدّين؟

كحالِ معظم النساء في المجتمعات الأبوية تُعاني نساءُ الدّروز مِن التّعصب والهيمنةِ الذّكورية. فمعظم النساء الدرزيات لا زلن يمارسنَ أدواراً تقليديةً على الرغمَ من حصولهنَّ -في العديد من الأحيان- على شهاداتٍ جامعيّة. قديماً عندما كان دور المرأة يقتصر على إدارة المنزل ورعاية الآخرين لم تكنِ المساواةُ موضوعَ خلافٍ بحيثُ تساوى الرجل والمرأة بقيامِ كل منهم بواجباته. أما اليوم ومع تطوّر دور المرأة في المجتمع ظهرت نقاط الاختلاف واضحة، مع العلم أنه وبحسب علماء الدّروز، النصوصُ الدينيّة لا تنطبقُ على زمانٍ دون آخر، فلماذا توقّف الرجال عن مساواة نسائهم وبناتهم بأنفسم؟

فقد نجد الأهل يستثمرون في الشّابِ ويدفعونَ الأموال على تعليمهِ، بينما تُجبَر الفتاةُ على ملازمةِ المنزلِ حين تنتهي من مرحلة التعليم الأساسيّ أو حتّى الثانوي. والفتيات الصالحات في المجتمعاتِ الدرزية لا يزاولن المهن، بل يزاولن الانتظار. فتنتظر المرأة الزوجَ الّذي ستنذر حياتها له ولتربية أطفاله واضعةً كلَّ ما بها من طاقاتٍ وقدراتٍ عقليّة في طيّ الكتمان.

بحكمِ الطّبيعة المنغلقة للدين الدّرزيِّ والرّفض القاطع للزواج المختلط، فإن معظم الزيجات تتمُّ على شكل زيجاتٍ تقليديّة مدبّرة بحيث لا يتسنّى للفتاةِ التعرّف على زوجها معرفةً كافية، وينتج عن الأمر أحياناً النزاعات الزوجيّة التي قد تصل إلى الطلاق.

يمارس المجتمع الدّرزيّ تعنيفاً نفسيّاً مستتراً على النساءِ المطلّقات. فنهاية الزواج تكادُ أن تساوي نهاية الحياة. حياة المرأة فقط طبعاً! وهي في الواقعِ نهاية مرحلة ليس إلا، والتي إذا ما تمَّ التعامل معها بالشّكل الصحيح قد تساهمُ في تطوير المرأة وتحقيق استقلاليتها. يجب الإشارة إلى أنَّ النّساء المطلّقات عليهنَّ أن يعُدْنَ إلى منزلِ الأبوين بغضِّ النّظر عن سنِّ المرأة أو تحصيلها العلمي أو قدرتها التّامة على إعالة نفسها. سلطةُ الأب -إن وُجِد- أو الاخ تأتي بعد سلطةِ الزوج. نعم الدِّين يعطي المرأة حقَّ الطّلاق والمجتمع يسلبُها إياه، ولكن هل يسهُل تخليص معاملات الطلاق في المحاكم المذهبيّة الدرزية؟

تشكو الكثير من النساء من محاولة مشايخ المحكمة المذهبيّة عرقلة أمورِ الطّلاق على أمل أن تغيّر المرأة رأيها و تتراجع عن طلب الانفصال. ويقومُ الأهل والأقارب بتقديم المواعظ مشددين على ضرورة مزاولة دورها كمربية لأولادها مهما لحق بها من جور في المنزل الزوجي. وقد تنجح محاولاتهم في معظم الأحيان فما الفرق بين تحمّل الجور في المنزل الزوجي أو في منزل الوالدين؟ السماء تبارك جور الذكور أينما وجِدْ.

وقد نجد الاختلاف في معاملة الرّجال والنّساء بشكلٍ جليٍّ عندما يقرّرُ أحّد الدّروز أن يتَّخذ لنفسهِ شريكاً غيرَ درزيّ. فالرجال قد يُعاقَبون بسخط المجتمع وفي بعض الأحيان بنبذِ عائلاتهم لهم، بيدَ أنّي لم أسمع يوماً برجلٍ أُزهِقت روحه لأنّه قرر اختيارَ شريكةٍ غير درزيّة! ولكننا طبعاً سَمعنا عن الكثيرِ من جرائمِ الشّرف الّتي تذهبُ ضحيتها إناث كانَ جرمهمُ الوحيد اختيار شريكٍ غيرَ درزيّ لبناءِ حياةٍ زوجيّةٍ سليمةٍ مبنية على الاختيار. مع العلم أنَّ الدّينَ الدّرزيَّ قد حرَّم القتلَ بمختلفِ أشكاله و أسبابه.

قد يعارض كثيرون هذا الكلام زاعمين أنَّ الزَّمن قد تغيّر وأنَّ هذا ليس حال الدُّروز في يومنا هذا. طبعاً، هذا ليس حال كلّ الدّروز وبالأخصّ الدّروز الّذينَ يقطنونَ في المدنِ وفي بلاد الاغتراب. ولكنَّه حال معظم الدّروز في القُرى الجّبليّة التي تحوي العدد الأكبر مِن الدّروز، سواء كان ذلك في لبنان أو حتّى في سوريا. إنه من غيرِ المقصودِ في هذا المقال الزعم بأنَّ الدّينَ أنصفَ المرأةَ إنصافاً تامّاً، ولكن الهدفَ كان تسليطَ الضَّوءِ على التطبيقِ الخاطئ للتعاليم الدينيّة التي -ككافةِ الأمورِ الخاطئةِ في مجتمعاتنا- لا بُدَّ أن تصب في تقرير مصير النساء.

 * حنين الصايغ

 

عن الكاتبة: حنين الصايغ، باحثة وشاعرة لبنانية شابة من مواليد عام 1987 من عاليه، لبنان. تتابع حاليًا دراسة الماجستير في الجامعة الأميركية في بيروت وتعمل كمساعدة أبحاث في الجامعة. تحدّت الصايغ مجتمعها الدرزي الضيّق وتمكّنت من إقناعه بحقّها في أن تتابع دراستها وتمضي قدمًا بطموحها.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.