بغداد – بقلم ملاك أحمد:
لتتمكّن من دخول "كنيسة النجاة"، إحدى كنائس العاصمة بغداد، عليك أوّلاً المرور بالحواجز الخرسانية التي تطوّقها من كل صوب، لتقابل حرّاس الأمن الذين يجلسون بالتناوب في صمتٍ مُطبق أمام أبوابها يرصدون أدنى حركة أو صوت. ذلك أنّ اقتراب أحدهم قد يعني أنّ مسلحين ربما يستعدون للهجوم.
بعد أن يطمئنوا، يسمحون لك بالمرور. وبعد برهة من الوقت، ستصل إلى أحد الجدران في مكان قريب من البوابة الرئيسة. ستشاهد لوحة كبيرة لصور ضحايا حادث الكنيسة، وقد رفعوا فوقها شعاراً يقول "دماء الشهداء.. بذار الحياة".
تُلقي صور ضحايا كنيسة سيدة النجاة الضوء على تلك المجزرة التي حدثت في 31 تشرين الأول/أكتوبر، من العام 2010، حين اقتحم مسلحون الكنيسة أثناء أداء مراسيم القدّاس، وفجّروا أنفسهم وقتلوا وجرحوا المئات.
مخاطر استهداف المسيحين
يقول الأب أيسر كسكو في حديث لموقع (إرفع صوتك) "آثار هذا الحادث وغيره تكشف عن مخاطر استهداف المسيحيين في العراق".
ويشير كسكو إلى أنّ "الأحداث المؤسفة التي وقعت تحديداً بعد العام 2003 كان لها دلالات وأبعاد خطيرة، فبسببها هاجر أبناء رعية الديانة المسيحية من البلاد".
ويضيف كسكو "لا شك أيضاً أنّه إذا ما استمرت الأوضاع الأمنية على هذا النحو، فالكلّ سيهاجر من العراق".
إخفاق الجهات الحكومية
ثمّة انطباع حقيقي بين أفراد الديانة المسيحية في العراق فحواه أنّ الحكومة العراقية أخفقت في احتواء أقليتهم، وعجزت عن حمايتهم والتعامل مع مشاكلهم. وقد اشتدّ الظلم بمسيحيي العراق بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على عدّة مدن عراقية واستهداف المسيحيين، خطفاً وقتلاً وتنكيلاً. حتّى أنّ بعض المسيحيين نزحوا ولم يحملوا معهم سوى الملابس التي كانوا يرتدونها، وبعضهم سيراً على الأقدام للوصول إلى مدن أربيل ودهوك والسليمانية الكردية ومناطق أكثر أماناً نسبياً.
يقول الناشط في حقوق الانسان وليم وردا في حديث لموقع (إرفع صوتك) "الأقلية المسيحية تتعرض لاعتداء وظلم كبير، منها بسبب الأوضاع العامة للبلد والتي تعاني منه شرائح المجتمع العراقي كافة ومنها بسبب القتل والتشريد والتهجير، فضلاً عن الظلم الذي يقع عليهم من الناحية الحياتية والقوانين".
ويوضح وردا وجود "أكثر من 200 ألف مسيحي مهجر حالياً من مختلف المدن العراقية"، مضيفاً أنّهم "يعانون من أوضاع مأساوية في مختلف الجوانب الصحية والمعيشية والتعليمية وغيرها".
المشكلة بنظر وردا ليست في هذه الجوانب فقط، بل تعدّتها إلى "عدم السماح لهذه الاقلية للمشاركة السياسية وفي مؤسسات الدولة بشكل منصف"، كأنّ المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية"، حسب قول وردا.
آراء متباينة
كنائس الديانة المسيحية التي تعد ثاني أكبر الديانات في العراق بعد الإسلامية لم تغلق جميعها. فبعض كنائس العاصمة بغداد، ومنها كنيسة العذراء مريم في ساحة الميدان والتي يعود تاريخ نشأتها إلى العام 1640م، تضج بالزائرين من مختلف الأديان، ولا تجد عند بوابتها غير الفقراء والمتسولين من الديانات الأخرى. في حين أنّ غيرها من الكنائس العتيقة لا زالت تغلق أبوابها للخروج من الأزمة التي ألمّت بها في السنوات الماضية كي تحافظ على أفرادها.
ويرى هنريك هنري أنّ "الأوضاع السيئة في البلاد يعاني منها الجميع، سواء كان مسلماً أو مسيحياً أو من أيّ ديانة أخرى".
ويضيف هنري "رغم هجرة جميع أهلي ومعارفي، لن أغادر العراق حتى لو ساءت الأوضاع فيه أكثر وأكثر".
أما أمين عكو فيؤكد أنّه "لم يعد هناك مكان للمسيحيين في العراق، وهم يعيشون أيّام عصيبة بسبب العنف والإرهاب والفوضى الأمنية، وينتظرون الفرصة المناسبة للهجرة".
ويشير عكو إلى أنّه "إذا ما استمرت الأوضاع الحالية، فإنّ المكون المسيحي في العراق سيختفي قريباً".
*الصورة: "لم يعد هناك مكان للمسيحيين في العراق"/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659