بقلم علي عبد الأمير:
لم يخطر ببال أحد، حتّى في وقتٍ قريب من بداية القرن الحالي، أن يصبح أبناء المياه الدافئة في جنوب العراق من target="_blank"> الصابئة المندائيين موزّعين على شتاتٍ رهيب، تصبح معه ضفاف الأنهار في البصرة والعمارة والناصرية حلماً عصياً ومستحيلاً، ويصبح المصير الذي تعيشه الآن الطائفة المندائية في المهجر، أكان ذلك في المهجر الأوروبي أو الاسترالي أو الأميركي، محفّزاً لسؤال جوهري: هل صار المهجر وطناً؟
وأيّ صورة للوطن الأصلي بين أجيال المندائيين الجديدة، خاصّةً ممّن ولدوا أو اكتسبوا وعيهم الإنساني والفكري في المهجر؟
ويرى الناشط المندائي العراقي المقيم في السويد، د. طالب عاشور، أنّ تأثير الأوضاع التي عرفتها بلاده منذ العام 1980 حتى العام 2003 "انعكس بقوة على الأقليات العراقية، ربما بسبب ضعف بنية تنظيماتهم الاجتماعية، أو لقلة عددهم. فقد كانت الأقليات مغيبة دستورياً، واجتماعياً"، مستدركاً في مداخلة لموقع (إرفع صوتك)"التهديد الفعلي لبقاء الأقليات كأطياف أساسية من أطياف المجتمع في العراق، نشأ بعد الاحتلال الأميركي في ٢٠٠٣، حين انتشرت الطائفية، وسادت لتكون أساساً للحكم وتوزيع السلطات، ناهيك عمّا خلفه الاحتلال من إرهاب وميليشيات وفوضى وفساد بين المؤسسات المفككة أصلاً".
ويواصل الدكتور عاشور حديثه "ولا يختلف الحال مع الصابئة المندائيين الذين يقطنون وسط وجنوب العراق، مع هجرة 80-85 بالمئة من المندائيين والمندائيات"، حيث يتواجد حالياً نحو 44 ألفا منهم في الخارج، مقابل نحو سبعة آلاف داخل البلاد، فيما يعزو رئيس مجلس شؤون الطائفة توما زكي، الهجرة خارج العراق بسبب تعرضهم للقتل من قبل target="_blank">مسلحينينتمون لأحزاب دينية متطرفة".
ضاع الوطن الاكبر فتفكك الاصغر
ومع تحوّل هذه الظروف إلى "مسببات لهجرة قسرية عشوائية، دفعت بآلاف المندائيين العراقيين إلى الانتشار بين دول أوروبا وأميركا وأستراليا وكندا ومعها ضاع الوطن الأكبر، ناهيك عن لجوء أعداد منهم إلى بعض دول الجوار"، بحسب الدكتور عاشور، فقد كانت أهم تداعيات هذه الهجرة:
*تفكك العلاقات الأسرية بسبب تشتت العائلة الواحدة (بوصفها الوطن الأصغر) بين دول مختلفة، ما ساهم ببعثرة جهود المجموعة بتأمين تواصل مستدام فيما بينهم، وأدى الى ضعف الارتباط بين أبناء المجموعة.
*ضياع العديد من شباب الطائفة، بين ذوبان وانصهار في المجتمعات الجديدة، أو فلتان من قبضة التقاليد والعادات الشرقية التي تربّوا عليها.
*لجوء مندائيين شباب إلى ديانات وعقائد أخرى أكثر استقراراً وتجذراً في المجتمعات الجديدة.
*كان عامل اختلاف اللغة وطرق التربية والتقاليد، وعدم الثقة بالشهادات الدراسية في العراق، سبباً مباشراً لقبول الشباب بأدنى الأعمال والوظائف، المُذِلة أو المؤقتة.
* تفشي البطالة والاعتماد على المعونات الاجتماعية بين شباب المندائيين في دول اللجوء، أدّى إلى انحراف وجنوح البعض منهم .
*بينما عانت المرأة المندائية في المهجر من مشكلة سحب الأطفال بالإكراه من أحضان ذويهم وحرمانهم من رعاية الأبوين، بحجة حماية الأولاد من بطش الآباء الذين يتبعون ثقافة تعتبر قسرية في تربية الابناء، حيث يزعم البعض أنّ هذا التصرف موجه لغرض احتواء العائلة دينياً والضغط عليها وإجبارها على الانتماء إلى منظمات سياسية - دينية شائعة في أوروبا.
أبعد من عنوان "الارتباط بالوطن"
وفي المهجر، ينشط "اتحاد الجمعيات المندائية" الذي يضم حوالي 32 جمعية من مختلف أنحاء العالم، وعقد مؤتمره السابع خلال العام الجاري من أجل "دراسة ظروف التشتت وأسبابها ومعالجتها وعدم الذوبان، ومحاولة الاهتمام بالأخوة في دول الانتظار، ومساعدتهم من خلال شرح معاناتهم للمنظمات العالمية والأمم المتحدة والاهتمام بالمرأة والطفل والتوعية وعملية الترابط والاندماج بين القادمين الجدد والحفاظ على الجذور والارتباط بالوطن".
وفيما يكون عنوان "الارتباط بالوطن" حاضراً في أنشطة المندائيين العراقيين ثقافيا وإنسانياً، إلّا أنّ منظمة حقوق الإنسان المندائي "محام" التي انبثقت مؤخراً، تعمل على "تقديم المشورة للمندائيين في دول الانتظار وبلدان الهجرة واللجوء من خلال اتصالاتها مع مختلف المنظمات والمؤسسات الانسانية والحكومية، وعرض قضية الطائفة المندائية على طاولة البحث عالمياً للتعريف بمعاناتهم وما يهددهم من خطر القتل والتهجير والإبادة".
*الصورة: مقرّ طائفة الصابئة المندائيين في بغداد/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659