أربيل – بقلم متين أمين:

إذ يربطون تواجدهم على أرضهم بوجود حماية دولية لهم، يرى مواطنون وناشطون أيزيديون أنّ الفكر المتطرف الموجود في العراق بشكل عام يهدّد مصيرهم ويجعل مستقبلهم مجهولاً في ظلّ الدولة الحالية. ويؤكّدون أنّ استمرار الأوضاع الحالية سيدفعهم للهجرة إلى الدول الأوربية التي تضمن لهم العيش بكرامة.

الروح أغلى من الأرض

"فقدنا الثقة بكافة القوى السياسية الموجودة في العراق. الجميع يحلم بالرحيل ويرى أنّ روحه أغلى من الأرض. لهذا لا أرى وجوداً مستقبلياً للأيزيديين في ظلّ الفكر المتطرّف المنتشر في عموم البلد"، يقول الشاب الأيزيدي سعد بابير لموقع (إرفع صوتك).

بدوره، يقول المواطن الأيزيدي صابر بركات، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "هذه المرة الرابعة والسبعون التي يتعرض فيها الأيزيديون لحملات الإبادة الجماعية بسبب الفكر المتطرف الذي ينوي  إنهاء الأزيديين من الوجود".

يرى صابر أنّ مسألة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والأيزيديين مسألة فكر وليست متعلّقة بالتنظيمات الإرهابية فحسب. ويقول "ربما ينتهي داعش غداً، لكن من المحتمل جداً أن يأتي داعش آخر. مستقبل الأيزيديين بصورة عامّة يتّجه نحو المجهول، خاصّةً إذا لم تتوفر لهم حماية دولية أو ملاذ آمن هنا في العراق".

توفير الحماية الدولية

تعرّضت المدن والبلدات ذات الغالبية الأيزيدية في سهل نينوى وغرب الموصل في بداية آب/أغسطس من العام الماضي 2014 إلى حملة إبادة جماعية من قبل تنظيم داعش، الذي قتل الآلاف من الرجال والشباب الإيزيديين وسبى نساءهم وفتياتهم وأطفالهم.

وعرض التنظيم النساء والفتيات الأيزيديات للبيع في أسواق النخاسة التي افتتحها لهذا الغرض في مدينة الرقة، معقله الرئيسي، وفي دير الزور في سورية وفي الموصل والفلوجة في العراق والمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرته.

وبحسب شهادات الناجيات من داعش، مارس التنظيم أبشع الجرائم ضدهن، ولا تزال آلاف الأيزيديات يقبعن في سجون ومنازل مسلحي داعش الأجانب والعرب.

ويشدّد الصحافي الأيزيدي، طلال هسكاني، في حديث لموقع (إرفع صوتك) أنّ "الأحداث التي حدثت مؤخراً ولّدت لدى المواطن الأيزيدي الشك وانعدام الثقة بأيّ جهة وبأيّ منطقة يمكن أن يسكن فيها".

ويضيف طلال "من غير المعقول أن يكون الأيزيدي في دولة وألّا يملك فيها أيّ حقوق ولا قيمة ولا حلّ ولا من يستمع إليه. الأيزيدي أُصيب بالفوبيا من البقاء هنا، وفقد الثقة بأن يحميه أحد في العراق، وأصبح المطلب الرئيسي للأيزيديين توفير الحماية الدولية لهم".

الأيزيديون يرغبون في الرحيل

أمّا الناشط المدني الأيزيدي، ميسر الآداني، فيقول لموقع (إرفع صوتك) إنّ "مستقبل الأيزيديين يتّجه نحو الهاوية. لا زال الآلاف من نسائنا وشبابنا تحت قبضة داعش الإرهابي، وأراضينا كلها تحت سيطرة داعش، ولم  يُحرّر منها  إلّا الجزء القليل. الكثير من الأيزيديين يرغبون بالرحيل ولو كانت حالتهم المادية جيدة، لترك أغلبهم هذا الوطن. الوطن الذي جعلنا كفاراً، الوطن الذي يبيعنا ويشترينا، الوطن الذي يجعلنا نكره الوطن، نكره العَلم، نكره الشعب".

ويضيف ميسر "يتجه وجودنا كأيزيديين نحو الهاوية ونعيش في ظلّ الصرعات المجحفة بحق هذه الديانة، التي يعيش رعاياها تحت الخيم في القرن الواحد والعشرين".

*الصورة: "يتجه وجود الأيزيديين نحو الهاوية ونعيش في ظلّ الصرعات المجحفة بحق هذه الديانة" /وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.