بقلم جنى فواز الحسن:

حين نعدّد البرامج التلفزيونية الاجتماعية البارزة في لبنان خلال العقدين الماضيين، يطالعنا اسم زافين قيومجيان ببرنامجه السابق "سيرة وانفتحت" الذي عالج مواضيع شائكة في صلب المجتمع اللّبناني والعربي وبرنامجه الحالي "بلا طول سيرة".

من خلف الشاشة، يبدو زافين هادئاً يحاور ضيوفه بعيداً عن المشاحنات والتوتر، محاولاً أن يدفعهم للتعبير عمّا خلف الصورة أيّ خلف الإطار العام للمشاكل الاجتماعية والخوض في صلبها. أثار زافين الفضول من خلال اسمه أيضاً الذي يشير إلى أصوله الأرمنية وهو ما لم يعتده الجمهور في العالم العربي، أن يكون محاوراً من الطراز الرفيع من ضمن ما يمكن وصفه بالأقليّة العددية في العالم العربي وتحديداً لبنان.

لكنّنا كذلك لا نتذكّر زافين أو لا نفكّر به كأرمنيّ، بل هو بالنسبة لجمهوره ومشاهديه محاور ناجح ومهنيّ. في الخامس عشر من أيّار/مايو عام 1970، وُلد زافين قيومجيان من أمّ عربية لبنانية وأب أرمني لبناني، وهو بحسب ما يقول لموقع (إرفع صوتك) ما "أضاف تنوّعاً لشخصيتي".

أوّل مذيع أرمني

لم يعش زافين حياة منعزلة بعيداً عن باقي مكوّنات المجتمع، بل ترعرع في منطقة "رأس بيروت"، عاش هناك طوال فترة الحرب الأهلية اللبنانية وارتاد المدرسة الإنجيلية الأرمنية. يقول زافين "لم أتعرّف إلى منطقة برج حمّود، حيث يتمركز غالبية الأرمن اللبنانيون حتّى عام 1992".

بعد انتهاء الحرب اللبنانية التي يفخر زافين أنّ "الأرمن لم يشاركوا بها" وتخرّجه من الجامعة اللبنانية الأميركية بعد أن تخصّص في الإعلام المرئي والمسموع، بدأ زافين حياته المهنية في محطة "تلفزيون لبنان" الرسمية ليكون أوّل مذيع أرمني في تاريخ التلفزيون اللبناني ويكسر بذلك الصورة المعمّمة عن الأرمن والتي تفيد بأنّهم لا يتكلّمون العربية جيّداً.

ورقة عبور

عاش زافين في منطقة بأغلبية مسلمة تمّ تهجير المسيحيين منها خلال الحرب، "وطوال ذلك الوقت لم أكن أشعر أنّي أنتمي لأقلية طائفية، لكنّ النظام اللبناني السائد دفعني إلى هذا الشعور بعد تخرّجي وتقدّمي للحصول على العمل في التلفزيون".

يروي زافين أنّ القائم على التوظيف في المحطة عندها أخبره أنّ مؤهلاته جيّدة، لكنّه يحتاج إلى تزكية من مرجعية أرمنية سياسية أو روحية وهكذا كان. أحضر زافين الورقة المطلوبة والتي كانت بمثابة "ورقة عبور ضرورية" على الرغم من انفصالها عن مؤهلاته المهنية.

يصف زافين تلك المرحلة قائلاً "تلك الورقة ذكّرتني أنّه لا يمكنني دخول النظام اللبناني إلّا كأرمني، وإن أردت خوض ميدان العمل في موقع أو مؤسسة مرموقة فأنا بحاجة إلى هذه الورقة سواء كنت متفوّقاً في الدراسة أو الأخير في دفعتي. هذه الورقة بمثابة تذكرة عبور لكنّها ليست محطة إقامة أيّ أنّها لا تضمن لك الاستمرارية من دون كفاءة".

"الغريب"

يعتبر زافين أنّ أرمنيته آنذاك كان لها دور بارز في استعماله كوجه تلفزيوني جديد، فالمحطة التي يصفها بأنّها كانت "جريحة من الحرب كانت بحاجة إلى وجه محايد نوعا ماً – لا مسيحي ولا مسلم – خاصّة أنّ المجتمع اللبناني كان قد خرج للتو من المعارك وكان بحاجة إلى مكوّن ثالث لم يشارك في الدمّ".

يعتبر زافين أنّ هويته الأرمنية ساعدته أيضا ليحقّق انتشاراً عربياً ويفوز بقبول فئات مختلفة كونه كان بشكل أو بآخر غريباً يطرح مواضيع شائكة ومحرجة "وهذه الأسئلة نتقبلها من الغريب أكثر".

نال زافين جوائز تقدير عدة خلال مسيرته المهنية، كما استمر برنامجه متصدرا لوائح أكثر البرامج مشاهدة في العالم العربي لعدة سنوات. عام 2005 اختارته مجلة "نيوزويك" الأميركية واحداً من بين الشخصيات الأربعين الأكثر تأثيراً في العالم العربي. لكن لم يقتصر نجاح زافين على التلفزيون، ففي العام 2003، أصدر كتابه الأول "لبنان فلبنان"، الذي لا يزال وبطبعته الثالثة من الكتب الأكثر مبيعاً في المكتبات اللبنانية. وعام 2012 أصدر كتابه الثاني "شاهد على المجتمع"، وأصدر مؤخّراً كتابه «"أسعد الله مساءكم" والذي يوثّق فيه مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان ويحفظ ورقياً ذاكرة الشاشة.

تزوجت أرمنية..

ما يميّز زافين هو أنّه لم يعرّف نفسه كأقلية أيّ أنّه شقّ طريقه كوجه تلفزيوني ومحاور وليس كناشط في قضيته، فهو لم يتكلّم عن المجازر والإبادة التي ارتكبت بحق الأرمن خلال مسيرته التلفزيونية التي تعود إلى أكثر من عشرين عاماً سوى في هذا العام الذي تزامن مع الذكرى المئوية لإبادة الأرمن.

يعترف زافين بجميع الأحوال أنّ "أرمنيتي ظهرت في مسيرتي الإعلامية من خلال استضافتي للأرمن الناجحين في مختلف المجالات لأسلّط الضوء على إنجازاتهم".

ويقول "لديّ شعور أنّي أرغب بدعم أيّ أرمني ناجح وهنا تظهر جذوري. أظنّ أنّها ظهرت أيضاً حين قرّرت أن أتزوّج فاخترت أرمنية. أحببتها طبعاً وشعرت أنّه لا يمكنني العيش من دونها، لكن كان لي صديقات أخريات قبلها ومشاعر تجاه بعضهن، فربّما مجتمعي ما دفعني للزواج بامرأة من طائفتي ولو عن غير وعي. حين كنت في المدرسة، كان البعض من الزملاء الأرمن يقولون عنّي أمّه عربية كما لو أنّه أمر معيب أو غير مستحب.. في الواقع، ربما يعتقد الأرمن أنّ الزواج من مسلمة مثلاً هو خيانة للقضية، أنا أعتقد أنّ هذا أمر متخلّف وبالتالي لم أتزوّج من أرمنية كي لا أخون. أحببتها طبعاً ولأنّي أؤمن بالمجتمع المدني، كان زواجي مدنياً وليس كنسياً".

صلة وصل

يشير زافين إلى أنّ "الأرمن في لبنان يعتبرونني بمثابة جسر أو صلة وصل بينهم وبين العرب". ويعود ذلك إلى تمكّنه من كسر صورة الأرمني النمطي. حتّى الآن، حين يتحدّث عن المخاوف من الوضع القائم، يقول إنّ "خوفي على المسيحيين أكثر ممّا هو على الأرمن فقط".

يعتبر أيضا أنّنا "كلنا في هذا الشرق أقليات وتحديداً لبنان، ما يختلف هو العدد". ويقول "في لبنان، يمكننا أن نتحدّث عن أقليات مسلمة شيعية أو سنّية أو أقليات مسيحية. جميعنا أقليات لأنّ النظام لا يعرّفنا بلبنانيّتنا بل هويّاتنا الطائفية والمذهبية وما يختلف هو الميّزات الممنوحة لكلّ أقليّة مع اختلاف عددها وكثافتها. طائفتي الأرمنية سقفها محدود فهل تسمح لي المحاصصة في لبنان مثلاً أن أصبح مديراً للتلفزيون، أيّ محطّة كانت. الإجابة: طبعاً لا".

*الصورة عن صفحة الفايسبوك لزافين قيومجيان.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.