بقلم حسن عباس:
خمس سنوات صعبة مرّت على السوريين الدروز، حاولوا خلالها ولا زالوا يحاولون تمرير المرحلة بأقل الخسائر، خاصةً أنّ كلّ الخيارات صعبة ولا خيار بلا مخاطر.
ويقدّر عدد الدروز في سورية بنحو 700 ألف نسمة (نحو 3% من السكان)، ويعيش معظمهم في محافظة السويداء جنوب العاصمة دمشق، كما ينتشرون في مناطق أخرى كجبل السماق في إدلب وريف دمشق والقنيطرة.
أمّا باقي الدروز في المنطقة العربية فيتوزّعون بشكل أساسي في لبنان (نحو 400 ألف) وفي إسرائيل (نحو 130 ألف) وفي الأردن (بضعة آلاف).
الدروز والثورة
عام 2011، خرج بعض الدروز في تظاهرات مناوئة للنظام، لكنّ تحركاتهم بقيت خجولة وبقي الجيش السوري في محافظة السويداء. ومع تحوّل شعارات الثورة في اتجاه الأسلمة، نأى الدروز بأنفسهم عن الانخراط فيها.
يقول المعارض السوري فارس الشوفي لموقع (إرفع صوتك) إنّ "الدروز حُيّدوا عن الثورة منذ البداية فلم يكن هناك خطاب وطني قادر على استقطابهم إلى الثورة".
ويتابع أنّ "الإخوان المسلمين ظنّوا أنّهم سيستلمون البلد وراحوا يطمئنون القوى الدولية، لكنّهم لم يهتموا بطمأنة أيّ درزي أو مسيحي أو علوي. ومنذ البداية أدّى التنافس بينهم وبين السلفيين إلى أخذ الثورة في اتجاه إسلامي لا وطني".
ويضيف أنّ الإسلاميين "شبّحوا على الأراضي المحررة واختطفوا الثورة"، لافتاً إلى أنه "حتى السنّة لم يحتملوا هذا الوضع ففضلوا الخروج من البلد".
من جانبه، ينتقد المحلل السياسي السوري المقيم في الجولان المحتل سلمان فخر الدين، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك)، الطروحات المنتشرة الآن أكان ما يطرحه النظام من حلّ دموي أو ما تطرحه المجموعات السلفية التي "تحمل وجهات نظر تعود إلى القرون الوسطى".
خلاصة الأمر ظهرت منذ البداية، بحسب الشوفي، وهي أن "السويداء غير قادرة على الانخراط في الثورة فلا حاضنة ولا قيادة وطنية ولا برنامج للثورة يجذب أبناءها إليه. فكل شيء ليبرالي ديموقراطي في سورية هو جثة هامدة".
تمرير المرحلة الصعبة
مع تطوّر الأزمة السورية، شعر الدروز بالخطر فحمل بعض شبابهم السلاح وشكلوا لجاناً شعبية لحماية أرزاقهم وقراهم، وانضم آخرون إلى ميليشيا الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري.
لكنّ مؤشرات كثيرة دلّت على توتر علاقتهم بالنظام منها انتفاضات متعدّدة ضد المراكز الأمنية وأهمها تخلّف أكثر من 26 ألف شاب بعمر التجنيد عن الخدمة العسكرية.
"الناس تسلّحت ذاتياً بسبب انحلال الدولة وبسبب الخطر"، يقول الشوفي ويتابع أنّ "الناس معنية بالتصدي لانتشار الجريمة التي تولّدها ظروف الفقر الحالية. وعندما تضع الناس أمام مأزق وجودي، من الطبيعي أن تبحث عن حماية ذاتية".
وفي 11 حزيران/ يونيو الماضي، قتلت جبهة النصرة ما بين 20 و40 درزياً في قرية قلب لوزة، في محافظة إدلب، وكان ذلك ضربة كبيرة للخطاب الذي يدعوهم إلى الالتحاق بركب الثورة السورية والذي يعبّر عنه الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط.
أما أبرز الحركات الدرزية السورية المناهضة للنظام فهي ظاهرة "مشايخ الكرامة" التي أسّسها الشيخ وحيد البلعوس قبل أن يقضي مع أشخاص آخرين في تفجير استهدف موكبه في 4 أيلول/ سبتمبر الماضي. وعارضت هذه المجموعة النظام وتجاوزاته من جهة واشتبكت مع داعش والنصرة في بعض المناسبات.
ويعتبر فخر الدين أنّ "تجربة الشيخ البلعوس من دفاع ذاتي وإيواء للمظلومين وعدم القبول بظلم النظام نوع من الوسطية وموقف أخلاقي صحيح وخطابات السوريين تحتاج في هذه المرحلة إلى كمّ كبير من الأخلاق".
ماذا عن المستقبل؟
بدايةً، يشير الشوفي إلى أن "الدولة السورية تصنّعت تصنيعاً وصناعتها عبّرت عن موازين القوى بعد الحرب العالمية الأولى. وكان ينقص سورية أن تكون دولة، لكنّ ما حدث هو أن النظام السوري لعب دور منفّذ الخدمات للمجتمع الدولي ولدول إقليمية، ولم يهتم ببناء دولة ومواطنة".
ويرفض الشوفي الحل الطائفي معتبراً أن "أيّ نظام سيقوم على أساس إعطاء الطوائف حصصاً من السلطة وتأمين حماية دولية لها سيكون خاضعاً للتوازنات الموجودة لحظة تأسيسه وبالتالي ستندلع أزمات وحروب فور تغيّرها".
ويؤكّد أنّ "الدروز جزء من سورية ويهمهم بناء دولة مواطنين عادلة، دولة دستور وقوانين، وأن يتم التعامل معهم كمواطنين لا كدروز".
يفكّر الشوفي المقيم في فرنسا في مستقبل دولة شبيهة بفرنسا، أي بلامركزية إدارية، حيث كل إقليم يدير أموره وتكون السيادة الوطنية والدفاع تحت إدارة السلطة المركزية. ويرى أنّ "الدولة الحديثة لا تستطيع إدارة كل شيء والمواطنون يجب أن يديروا أمورهم لامركزياً"، لافتاً إلى أن هذا المطلب قديم، ومنتقداً "دولة البعث المركزية التي أرادت إدارة الناس بالعصا".
ويرفض الشوفي تقسيم سورية إلى دول عدّة، على اعتبار أن لا مناطق خاصة بالمسيحيين وبالتركمان والشركس فهم منتشرون في كل المناطق وكذلك الأمر بالنسبة للدروز.
ويتفق فخر الدين مع هذا التصوّر للمستقبل معتبراً أن الفدرالية "تدمير للمجتمع السوري" ويرى أنّ "المستقبل يجب أن يكون دولة علمانية تحكم بموجب دستور وقوانين حديثة وتضمن الحريات وحقوق الإنسان، دولة ديموقراطية تحفظ كرامة كل مواطن وتُتداول فيها السلطة".
ويلخّص المسألة الدرزية الشائكة بأن "انسلاخ الدروز عن البيئة المحيطة بهم هو كإخراج السمك من الماء".
الصورة: ثلاثة أجيال من الدروز/ وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659