المغرب – بقلم زينون عبد العالي:
على الرغم من قلّتهم العددية في مجتمع يشكّل غالبيته مسلمون ينظرون إلى اليهودي كعدو ومغتصب للأرض العربية، تعيش الأقلية اليهودية في المغرب بسلام، حيث يتعايش اليهودي والمسلم والمسيحي جنباً إلى جنب في مجتمع واحد.
يعود الوجود اليهودي في المغرب إلى زمنٍ قديم، غير أنّ إعلان تأسيس "دولة إسرائيل" عام 1948 وتصاعد الحركة الصهيونية ساهما في تهجيرهم باتّجاه "أرض الميعاد" التي وعدوا بها، فهاجر آلاف اليهود المغاربة صوب فلسطين. ولم تبقَ إلّا فئة قليلة آثرت البقاء في بلاد الأجداد، لتلتحق بها أخرى فضلّت العودة إلى الوطن الأم بدل العيش في أرض غير مرحب بهم فيها.
أقلية متعايشة
يقول أيمن أعماليك، يهودي مغربي وناشط في جمعيات يهودية بالمغرب، في تصريح لموقع (إرفع صوتك) إنّ "اليهود المغاربة هم أوّل من استوطن المغرب قبل المسلمين، وأغلبيتهم أمازيغ من سكان الجبال، ولم يكن هناك فرق بينهم في المعاملات اليومية، إذ كان التعايش يطبع حياتهم".
ويتابع أعماليك "كان هذا في وقت حيث السياسة والإعلام لم يدخلا بعد بيوت المغاربة الذين أصبحوا فيما بعد ينظرون إلى اليهودي باعتباره صهيونياً محتلاً لأرض فلسطين العربية".
"أما اليهود المغاربة المورسكيون المرحّلون من الأندلس"، يضيف أيمن، "فكانت لهم مكانة عالية بكبريات المدن المغربية كفاس ومكناس وتطوان وطنجة".
وعن العدد الحقيقي لليهود المغاربة، يقول أيمن إنّ "الأقلية اليهودية في المغرب يتجاوز عددها 10000 بقليل. أما مغاربة العالم اليهود فيتجاوز عددهم المليون، ويتوزعون بين دول أميركا الشمالية وإسرائيل وفرنسا و بلجيكا".
بينما يشير تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الوضع الديني في العالم سنة 2014، إلى أن عدد اليهود المغاربة يقارب 4000 شخص يعيشون في المملكة.
تهجير قسري
تأسيس دولة "إسرائيل" لم يكن السبب الأول في تهجير اليهود المغاربة نحو فلسطين، بل ساهمت التنظيمات السرية التابعة للحركة الصهيونية وإغراءاتها للأسر اليهودية عبر الدعاية لتأسيس وطن قومي لليهود، بالإضافة إلى تخوّفهم من بطش المسلمين بعد الاستقلال من الاستعمار، وما إلى ذلك من أشكال الترغيب والترهيب التي مورست بحقهم، فكان أن تمّ إفراغ المغرب من يهوده الذين توجهوا بمعظمهم صوب "إسرائيل" أو أوروبا.
رحلة اليهود المغاربة إلى إسرائيل التي يعتبرها المغاربة أرض فلسطين المحتلة من طرف الإسرائيليين، وعودة بعضهم إلى المغرب تضمّنت عدة مصاعب، إذ يعاني يهود المغرب من التمييز بسبب اتهامهم بدعم الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، ودعم إسرائيل بالأموال وتشكيل اللوبيات المدافعة عنها بالمنتديات العالمية.
ليس كل يهودي صهيوني
ويشير أيمن إلى أنّ "المغاربة لا يفرقون بين اليهود كمعتنقين للديانة اليهودية، والصهاينة المؤمنين بالحركة الصهيونية العالمية، وهو ما يستدعي الشرح المفصل ونشر الوعي لدى عامة الناس، بشأن التفريق بين الطرفين"، في إشارة منه إلى أنّ بعض المغاربة يعتبرون كل يهودي مغربي هو بالضرورة مساند لإسرائيل وسياساتها.
ويضيف أيمن "الدليل على ذلك هو أن أبرز الناشطين اليهود بالمغرب ساندوا دعوات تجريم التطبيع مع إسرائيل التي تبنتها أحزاب سياسية وتنظيمات مغربية، واعتبروا أنفسهم معنيين بقانون تجريم التطبيع الذي يسعى المغاربة إلى إقراره من طرف الحكومة والبرلمان".
لا نحبذ الظهور
السريّة التي تحيط عمل اليهود في المغرب، عذّرت على موقع (إرفع صوتك) الاتصال بالتنظيمات التي ينضوون في ألويتها. ورغم جهودنا الحثيثة للاتصال بهم، ظلّت هواتفهم ترن من دون مجيب، وهو ما فسّره أيمن بالقول إنّ "يهود المغرب يفضلون العزلة، وينقسمون إلى طبقات تتوزع في بعض المدن المغربية، حيث تستوطن الطبقة البرجوازية مدينة الدار البيضاء، والباقي مشتت في باقي المدن. كما أنّ الإجراءات التنظيمية والسرية التي تحيط عملهم، تمنعهم من التواصل مع الخارج، وخاصّة الإعلام، إذ لا يحبذون الحديث إلى الصحافة المحلية أو الدولية في المغرب".
الدستور يحمينا
وعلى الرغم من أنّ السياسة الإسرائيلية في الشرق الأوسط تفرز عداء لليهود في مختلف البقاع، وخاصّة في المغرب الذي يرتبط شعبه بالدفاع عن القضية الفلسطينية، إلّا أنّ أيمن يقول إنّه "لا يوجد هناك تهديد للأقلية اليهودية بالمغرب، لأنّ الشعب المغربي بعيد عن التطرف، وأغلب اليهود المغاربة مسالمون بطبعهم ويبتعدون عن السياسة التي تسبب المشاكل".
ويضيف الناشط اليهودي أنّ "اليهود في المغرب محميون بالدستور الذي ينص على أنّ الموروث اليهودي جزء من هوية البلاد، كما أنّه مرتبط بمستقبل المغاربة ككل".
*الصورة: يهود مولودون في المغرب يحتفلون قرب ضريح الحاخام عمرم بن ديوان، أحد رجال الديانة اليهودية المعروفين في المغرب، في مدينة وزان/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659