يمثل الهزارة ثاني أكبر أقلية في أفغانستان بعد الطاجيط
يمثل الهزارة ثاني أكبر أقلية في أفغانستان بعد الطاجيط

لم تمر سوى ساعات قليلة على الهجوم الانتحاري، الذي استهدف الأربعاء مزارا شيعيا وسط العاصمة الأفغانية كابل، حتى أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه.

استهدف الهجوم زوارا من أقلية الهزارة الشيعية كانوا يحتفلون بعيد النوروز.

ورغم أن الهجوم كان داميا (26 قتيلا)، إلا أنه مجرد حلقة في مسلسل الاضطهاد الذي يعيشه الهزارة.

تاريخيا، يحتل الهزارة الشيعة الدرجة الدنيا في النسيج العرقي لأفغانستان؛ أمام قبائل البشتون السنة، حكام البلاد التـاريخيين.

في حين يسيطر البشتون على الجنوب والشرق المحاذيين لباكستان، يقبع الهزارة في مرتفعات المنطقة الوسطى المعروفة باسم هزاراجات.

مدينة باميان هي عاصمتهم التقليدية، لكنهم يوجدون أيضا في العاصمة كابل، (يعيش فيها أكثر من مليون منهم)، وخارج أفغانستان في مدينة كويته الباكتسانية، عاصمة إقليم بلوشستان، حيث يسيطر البشتون أيضا.

يحتل الهزارة الشيعة الدرجة الدنيا في النسيج العرقي لأفغانستان. وعلى مدى قرون، كانوا خدما وطهاة وسائقين

​​​​يمثل الهزارة ثاني أكبر أقلية في أفغانستان، بعد الطاجيك. تترواح نسبتهم -حسب اختلاف المصادر- بين 9 و20 في المئة من مجموع سكان البلاد البالغ عددهم 36 مليونا.

ملامحهم المغولية، ولهجتهم الفارسية، ومذهبهم الشيعي الاثني عشري، تجعلهم مميزين عن باقي الإثنيات، خاصة البشتون بلغتهم الخاصة (البشتو) ومذهبهم الحنفي.

على مدى قرون، شكل الهزارة فئة الخدم والطهاة والسائقين. عاصمتهم باميان، من أكثر مناطق أفغانستان فقرا.

لا يختلف حالهم في العاصمة كابل. ففي تموز/يوليو 2016، قتل داعش 80 منهم، خلال مظاهرة خرجوا يحتجون فيها على استثناء مناطقهم من مشروع خط توتر عال.

أيتام جنكيز خان

يعتقد الهزارة على نطاق واسع أنهم أحفاد جنكيز خان، القائد المغولي الذي اجتاح جنوده أفغانستان في القرن 13.

وعلى ما يبدو، لم يرثوا من سطوة المغول شيئا. فطيلة القرون الماضية تحصنوا بجبال هازارجات، تحت ضغط قبائل البشتون القادمين من الجنوب والغرب، والتركمان والأوزبك والطاجيك شمالا.

في نهاية القرن 19، كاد يقضى عليهم على يد الأمير البشتوني عبد الرحمن خان، الذي أعلن الجهاد ضدهم مسلحا بفتاوى تكفرهم.

قتل قرابة ثلثيهم حينها.

في القرن التالي لم تتحسن أحوالهم، سواء في العهد الملكي أو تحت سيطرة الشيوعيين. وعندما اجتاح الاتحاد السوفيتي أفغانستان سنة 1979، وتكونت المقاومة السنية المدعومة من باكستان، أدار الهزارة وجههم نحو إيران.

صورة تعود إلى بداية الثمانينيات للمجموعات الأولى التي شكلها "المجاهدون الأفغان" (انتماؤهم غير معروف)

​​

دعمت إيران، يحدوها طموح تصدير الثورة، الفصائل الشيعية بالتدريب والمال واحتضنت قياداتها. وشكل الشيعة تحالف "طهران 8" المكون من ثمانية أحزاب شيعية، أغلبها من الهزارة، لمواجهة تحالف "بيشاور 7" المشكل من سبعة تنظيمات سنية مدعومة من باكستان.

هزيمة المنتصر

أجبر المقاتلون الأفغان القوات السوفيتية على الانسحاب في فبراير/شباط عام 1989.

ورغم أن الهزارة، خاصة حزب الوحدة الإسلامي بزعامة عبد العلي مزاري، شاركوا في حصار كابل والإطاحة بحكومة محمد نجيب الله الشيوعية، إلا أن الفصائل السنية أبعدتهم عن السلطة.

ونص اتفاق دخول كابل حينها على تعيين برهان الدين رباني رئيسا (طاجيكي)، وقلب الدين حكمتيار رئيسا للوزراء (بشتون)، وأحمد شاه مسعود وزيرا للدفاع (طاجيكي).

لم يصمد اتفاق دخول كابل، وانقسمت العاصمة إلى مناطق سيطرة متصارعة.

سيطر الهزارة على غرب المدينة، ودخلوا في معارك مع باقي الفصائل.

في 1993 كـان القتـال يدور بشكل أساسي بين ممثلهم حزب الوحدة والاتحاد الإسلامي بزعامة عبـد الرسول سياف.

استمر الوضع على هذه الحال حتـى سنة 1995، عندما استولت حركة طالبان على السلطة، فانحاز أحمد شاه مسعود وبرهان الدين رباني إلى معقلهما في الشمال (وادي بانشير) لقيادة المقاومة ضد طالبان من هناك، وهرب قلب الدين حكمتيار إلى إيران، فيما وقع زعيم الهزارة عبد العلي مزاري في قبضة طالبان في كابل. ولم تتردد الحركة في إعدامه.

في آذار/ مارس 1995 أعدمت حركة طالبان زعيم الهزارة عبد العلي مزاري

​​في بداية الشهر الحالي، قتل 12 شخصا على الأقل في كابل في تفجير انتحاري استهدف تجمعا للهزارة، وهم يحيون الذكرى السنوية لوفاة عبد العلي مزاري.

خلال فترة حكم طالبان، تعرض الهزارة لاضطهاد شديد، شكلت مجزرة مزار شريف أبرز حلقاته.

ففي 8 آب/أغسطس 1998، سيطر مقاتلو الحركة على المدينة الواقعة شمال البلاد وقتلوا أكثر من 2000 شخص من الأقلية الشيعية، حسب هيومان رايتس ووتش.

داعش والهزارة

شكل الهزارة جزءا من قوات تحالف الشمال التي انضمت إلى الولايات المتحدة الأميركية للإطاحة بطالبان سنة 2001.

ومنحهم دستور سنة 2004 حقوقا متساوية مع باقي الإثنيات، وشاركوا في حكومة الرئيس حميد كرزاي.

لكنهم مع ذلك، ظلوا مضطهدين اجتماعيا، وتحت تهديد الهجمات الانتحارية التي ينفذها مقاتلون من طالبان داعش.

شاب من الهزارة يبكي قتلى الهجوم على مسجد شيعي في كابل في تموز/يوليو 2016

​​في عام 2011، قتل أزيد من 80 شخصا من الهزارة في هجمات تزامنت مع ذكرى عاشوراء في مدينتي كابل ومزار الشريف. اعتبرت هذه الهجمات حينها الأعنف من نوعها منذ 2001.

وفي نهاية مايو/آيار العام الماضي، قتل هجوم دموي بشاحنة مفخخة أكثر من 150 من الهزارة وسط العاصمة كابل. تبنى تنظيم داعش الهجوم.

وقبله، في تموز/يوليو 2016، تسبب الهجوم على مظاهرة للهزارة في مقتل أكثر من 80 في حصيلة أولية.

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.