نازحون أيزيديون قرب الحدود العراقية السورية/ وكالة الصحافة الفرنسية
نازحون أيزيديون قرب الحدود العراقية السورية/ وكالة الصحافة الفرنسية

كتب: علي عبد الأمير

حين نستعيد 16 أيار/مايو بوصفه "اليوم الدولي للعيش معاً في سلام" الذي أعلنته الأمم المتحدة لتعزيز السلام والتسامح والتضامن والتفاهم بما يعكس رغبة أفراد المجتمع في العيش والعمل معًاً، فنحن نستعيد النتائج القاسية للتخلي عن المعاني التي يمثلها ذلك اليوم، خلال فترات بارزة من تاريخ العراق المعاصر.

ويسمي الخبير العراقي في شؤون التنوع الديني والأقليات الدكتور سعد سلّوم، في حديث مع موقع (ارفع صوتك) حوادث بارزةً في السنوات التسعين الماضية، كانت بمثابة ضربات زعزعت التنوع الاجتماعي وأدخلت البلاد في موجات متصاعدة من العنف والكراهية.

وفيما يأتي وقفات مع تلك الحوادث ودلالاتها:

 

*استهداف الآشوريين

بعد موجة متصاعدة من رفض وصاية الدولة العراقية عليهم ومحاولتهم انشاء كيان مستقل، تعرض الآشوريون في صيف 1933 إلى عمليات تصفية وحشية طالت نحو 63 من قراهم في لواء الموصل آنذاك وعلى عهد حكومة رشيد عالي الكيلاني.

كان لهذا الحدث تأثير سيء على مكانة الدولة العراقية الناشئة وسمعتها دولياً لاسيما بعد انتخاب العراق عضوا مؤسسا في "عصبة الأمم"، بينما تم تصويره على أنه "انتصار للجيش العراقي"، فضلاً عن تعميق روح من عدم الثقة بين الآشوريين وجيرانهم من الكرد والعرب.

 

*تهجير اليهود

تعرض اليهود في العراق إلى عملية قتل ونهب للممتلكات (الفرهود)، حين قتل العديد منهم ونهبت ممتلكاتهم في العام 1941، إثر الحرب العراقية – البريطانية وانهيار الحكم وما نتج عنه من فراغ أمني وغياب لسلطة القانون.

لكن الحوادث المتصلة بقيام دولة إسرائيل عام 1948 ومواقف الحكومة العراقية حيال اليهود العراقيين، أثمرت قراراً يسمح لليهود بالهجرة شرط إسقاط الجنسية العراقية.

هاجرت غالبية الطائفة من العراق خلال عامي 1949 و1950م لينخفض عددهم من نحو 150 ألف يهودي إلى 15 ألف يهودي بقوا في البلاد حتى العام 1969 حين نفذ حكم البعث سلسلة عمليات اعدام طالت عددا من التجار معظمهم من اليهود بتهمة التجسس لإسرائيل مما أدى إلى موجة هجرة جديدة عبر مناطق كردستان العراق بعد إقرار السلام مع الحكومة المركزية في بغداد 1970.

 

*تهجير الفيليين

واصل نظام البعث سياسة عنصرية تستهدف استثمار العنف الاجتماعي، ففي العام 1970 تم تهجير آلاف العراقيين من الكرد الفيلية بذريعة كونهم من أصول إيرانية بالتزامن مع حديثه عن مؤامرة لقلب نظام الحكم بدعم من شاه إيران حينذاك.

وضمن الاستعدادات لإعلان الحرب على إيران 1980، تم إسقاط الجنسية العراقية عن نصف مليون فيلي والاستيلاء على جميع الممتلكات والبيوت، والوثائق الثبوتية وشركاتهم ومتاجرهم ومصانعهم ورميهم بلا رحمة على الحدود الإيرانية.

 

*استهداف البهائيين:

بعد سقوط النظام الملكي، حُظر النشاط البهائي وتحديدا عبر قرار من وزارة الداخلية استنادا إلى قانون السلامة الوطنية لسنة 1965 (أشبه بقانون طوارئ). وبناء على ذلك، حُلّ المحفل المركزي في بغداد الذي يطلق عليه البهائيون حظيرة القدس، كما أُغلقت باقي المحافل المحلية وتمت مصادرة محتوياتها.

وفي عام 1970، صدر قانون تحريم النشاط البهائي رقم (105) الذي نصّ في مادته الأولى على أنه "يحظر على كل شخص تحبيذ أو ترويج البهائية أو الانتساب لأي محفل أو جهة تعمل على تلقين أو نشر البهائية أو الدعوة إليها بأي شكل من الأشكال".

 

*الأقوياء بعد 2003 ينكّلون بالضعفاء:

شكل الحاكمون في العراق بعد 2003 عناصر قوة الدولة، فيما شكلت المجموعات الإرهابية التي ضمت البعثيين والمجموعات الإسلامية المتطرفة عنصراً آخر من عناصر القوة التي يمثلها السلاح المنفلت وفرض الإرادات بالقوة.

الأقوياء ومن الجهتين: الحكم ومعارضوه، لم يترددوا في إظهار قوتهم على حساب الضعفاء، إلا وهم الأقليات من مسيحيين وصابئة وأيزديين.

"باتت الأحوال تسوء منذ الحرب الأهلية العراقية في 2006، حيث بدأت موجة الاعتقالات وعمليات الخطف من قبل ميليشيات مسلحة طالت المسيحيين بشكل عام، مع أنه كانت هناك محاولات لتفادي إيذاء الأرمن لأننا لم نحابي طرفاً على حساب آخر، فاضطرت الأغلبية إلى اللجوء في هولندا أو الولايات المتحدة"، قال الشاب العراقي الأرمني سيبان دهجت لموقع (إرفع صوتك)، وهو موظف في مكتبة الكونغرس في واشنطن.

ويؤكد الباحث العراقي د. سعد سلوم أن الأرمن الذين هاجروا إلى الشرق الأوسط، بعد مجازر 1915 على يد السلطات العثمانية، كانوا من أكثر الأقليات اندماجاً مع المجتمعات التي انتقلوا إليها، وحققوا نجاحات كثيرة على الصعيد الاقتصادي. كما أنهم لم يكن لهم مطالب سياسية ولم يشكلوا أحزاباً محلية كغيرهم من الطوائف كالآشوريين والسريان مثلاً سوى مطالبة البرلمانات الاعتراف بالإبادة الجماعية التي قامت بها الدولة العثمانية.

وللفترة ما بين سنوات الحرب الطائفية 2006 حتى هزيمة الجيش العراقي والقوات الأمنية الحكومية في حزيران 2014، خسر العراق مئات الالاف من مسحييه الذين هاجروا إلى خارجه، وعشرات الآلاف من الصابئة المندائيين، ومثلهم من الإيزيديين الذين نالوا من تنظيم داعش الإرهابي حصة خاصة من العنف والقهر والاذلال الوحشي، خاصة بعد مرحلة سيطرته على مدنهم.

صراع الطائفيين الكبار والأقوياء بعد 2003 في العراق كان له "خسائر جانبية"، لكنها خسائر فادحة جداً سحقت الضعفاء في البلاد وفي مقدمتهم أبناء الأقليات الدينية.

 

*الدروس البليغة

اليوم وإثر الأثمان الباهظة التي لم يدفعها أبناء الأقليات الدينية والعرقية وحسب، بل عموم العراقيين، ينهض جيل جديد بوعي نقدي قوي لجميع القوى المؤججة للصراعات ومنها الصراعات الطائفية، فضلاً عن تعب طال المشاركين في عمليات "القتل والتعذيب والاختطاف والاغتصاب وتدمير أماكن العبادة في مسعى لإنهاء التنوع الديني وفرض ثقافة موحدة".

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.