عرسان جدد من البهرة في صورة جماعية مع الزعيم الروحي (الراحل) للطائفة طاهر سيف الدين
عرسان جدد من البهرة في صورة جماعية مع الزعيم الروحي (الراحل) للطائفة طاهر سيف الدين

لا يخفي حسن عبده، أحد أبناء طائفة البهرة في اليمن، خوفه من تعرضه وأفراد طائفته للمضايقات، رغم أنهم يرتبطون بعلاقات جيدة مع الغالبية السنية والزيدية.

يقول حسن، وهو أربعيني وموظف حكومي في صنعاء: "كل الطوائف تحترمنا. لكن مشكلتنا الرئيسية مع الجماعات الإرهابية".

ويضيف لموقع (ارفع صوتك) أن الجماعات المتشددة لا تتردد في استهداف البهرة بسبب انتمائهم الشيعي.

والبهرة أحد فروع الطائفة الإسماعيلية التي تنتمي إلى إسماعيل بن جعفر الصادق المنحدر من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب.

ويوصف البهرة بأنهم إسماعيلية "مستعلية" أو "طيبية"، نسبة إلى الإمام "المستعلي"، ومن بعده "الآمر" ثم ابنه "الطيب". وهم إسماعيلية الهند واليمن. تركوا السياسة، وعملوا بالتجارة، فوصلوا إلى الهند، واختلط بهم الهندوس الذين أسلموا، كما ورد في "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة".

ودخل الإمام الطيب الستر سنة 525 هـ‍. وإلى الآن لا يعرف عن الأئمة المستورين من نسله أي شيء، حتى أسماءهم، تضيف الموسوعة.

البهرة في تجمع في مومباي بالهند لدعم الزعيم الجديد للطائفة المفضل سيف الدين، سنة 2014، عقب وفاة الزعيم السابق محمد برهان الدين عن 102 سنة.

​​والبهرة من الأقليات الدينية التي لم يسمع عنها كثير من العرب على خلفية الغموض التي يكتنف حياتهم الاجتماعية، وطقوسهم.

ويقع المركز الرئيس لأبناء الطائفة في مدينة مومباي. وعربيا، ينتشر أفرادها في اليمن ومصر والإمارات، خاصة في دبي.

ولهذه الطائفة مزارات دينية وآثار تعود للدولة الفاطمية، مثل ضريح حاتم الحضرات الداعية الفاطمي المدفون في منطقة حراز غربي العاصمة اليمنية صنعاء، ومسجد الحاكم بأمر الله في العاصمة المصرية القاهرة.

ويُقدر البعض عددهم بأكثر من مليون شخص حول العالم. ولا يتجاوز عددهم 25 ألف شخص في اليمن، ينتشرون في حراز وصنعاء والحديدة وإب، وعدن التي يوجد بها سوق البهرة ومسجد علي بهاي، وفقا لحسن عبده.

ومنذ انهيار الدولة الصليحية اليمنية عام 1138م، تعرض البهرة للتضييق من قبل الحكام المتعاقبين، لتنتقل زعامة الطائفة من اليمن إلى الهند.

وتعرض أتباع ومشايخ البهرة للسجن والتنكيل خلال فترة حكم المملكة المتوكلية في اليمن (أطاحت بها ثورة 26 أيلول/سبتمبر 1962)، ليتراجع الاضطهاد بعد قيام النظام الجمهوري رغم استمرار الرقابة عليهم حتى اليوم.

ومع ذلك تنفس البهرة الصعداء منذ أكثر من ثلاثين عاما، حيث قُدمت لهم تسهيلات في حرية العبادة والتجارة.

العيش تحت التهديد

شارك "البهرة" بأنشطة مجتمعية مختلفة، إذ تبنوا حملات نظافة شوارع صنعاء عام 2015 وتكفلوا بأجور العاملين فيها، وأطلقوا في 2018 مبادرة لاستبدال أشجار القات بالبن في معقلهم الرئيس بمنطقة حراز بأمر من سلطانهم الحالي مفضل سيف الدين، وفقا لحسن عبده.

"نحن لا نتدخل في السياسة، ولا نريد نشر مذهبنا"، يقول حسن.

وطال البهرة نصيب من تداعيات الحرب المستمرة في اليمن منذ آذار/مارس 2015، والتي دفعت كثيرا من أبناء الطائفة لمغادرة البلاد.

في عام 2015، فُجرت سيارة مفخخة أمام مركز الفيض الحاتمي بصنعاء، ما أدى لوفاة ثلاثة أشخاص على الأقل، وهو المركز الذي سبق أن داهمه الحوثيون واغلقوه.

وفي عدن، أفلت رجل أعمال من البهرة وابنه من محاولة اختطاف نفذها متطرفون إسلاميون عام 2015.

واعتقلت قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية عددا من أتباع الطائفة اليمنيين والقادمين من الهند، قبل أن تفرج عنهم.

ينقسم "البهرة" إلى "البهرة الداوودية" في الهند وباكستان، و"البهرة السليمانية" في اليمن.

​​وفي الوقت ذاته، انقطعت الاجتماعات السنوية لسلطان البهرة المفضل سيف الدين، المقيم في الهند، بأتباعه في اليمن منذ 2014. وتأتي تلك الزيارات والاجتماعات كتقليد سنوي لأتباع الطائفة حيث يأتي السلطان إلى اليمن للخطابة وتوزيع الهدايا والهبات، في مقر مركزهم بصنعاء، وزيارة أضرحة رموز البهرة في اليمن.

دعم الاقتصاد

يقول علاء الدين الشلالي، وهو صحافي يمني مهتم بطائفة البهرة، "لا يُعرف الكثير عن البهرة في الشارع العربي".

ويضيف بأن شروط اتباع الطائفة تتمثل بـ"العهد لأمير المؤمنين (علي بن أبي طالب)، والإيمان بالصحيفة السجادية العلوية، ومحبة آل بيت النبي محمد".

ويؤكد الشلالي أن البهرة يسهمون بشكل مباشر في دعم اقتصاد الدول التي تتواجد فيها مزارات ومراكز روحية لهم، حيث تبرعوا بعشرة ملايين جنيه مصري لصندوق "تحيا مصر" الذي أنشئ عام 2014 لدعم الاقتصاد المصري.

سلطان البهرة الداودية الحالي المفضل سيف الدين في لقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

​​​ويفرض البهرة تعقيدات كبيرة أمام الراغبين في الانضمام لطائفتهم، للتأكد من إيمانهم بالمذهب وليس انتماء لأي سبب آخر كتسهيل الزواج. ويحظر البهرة تزويج فتياتهم لغير المنتمين للطائفة.

وينقسم "البهرة" إلى فرقتين: "البهرة الداوودية" ويوجد أفرادها في الهند وباكستان ومركزها في بومباي، و"البهرة السليمانية" ومركزها في اليمن.

ويبدي أفراد "البهرة" استياءهم مما يشاع عن اجتماعات جنسية مختلطة للرجال والنساء في ليلة "الرفضية".

"هذه افتراءات.. عند ليلة القدر في ليلة ثلاثة وعشرين رمضان ومساجدنا مفتوحة أمام العالم نصلي إلى الصباح. الرجال في جامع والنساء في جامع مستقل دون اختلاط، وهذا الكلام لا يدخل عقل إنسان عاقل"، يقول أحمد المحلة أحد أتباع البهرة في اليمن.

ويشير المحلة في تصريحات صحافية إلى أن البهرة مسلمون يؤدون سائر العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج، وأنهم "ضد سفك الدماء ويؤمنون بالدولة ويعتبرون الخروج عنها خطأ ولا يجوز".

وأئمة البهرة غير أئمة الاثني عشرية، فأئمة البهرة واحد وعشرون إماما، وفقا لأحمد المحلة.

"كفار" باطنيون

تعج مواقع إسلامية بفتاوى تكفر طائفة "البهرة" وتحرم تزويجهم والتزوج منهم.

في موقع "الإسلام سؤال وجواب" الخاص بالفتاوى، تقول إحدى الفتاوى إن البهرة "فرقة باطنية تخالف أصول الإسلام وتهدمها".

وتصف من يستمر بزواج امرأة من البهرة بأنه "كافر ومرتد يجعل جماعه معها زنا".​

​​وتعزو الفتوى سبب التحريم بأن "البهرة كفار باطنيون" يبطنون خلاف ما يظهرون، فصلاتهم للإمام الإسماعيلي المستور من نسل الطيب بن الآمر، وحجهم إلى مكة ليس كبقية المسلمين، إذ يعتبرون الكعبة رمزا على الإمام، وفقا للفتوى.

كما تنتقد الفتوى غلو الطائفة في تقديس إمامهم سجودا وتقبيلا باليد.

لكن أحد اتباع البهرة، فضل عدم ذكر اسمه، اعتبر ما يقال عنهم "أكاذيب وأساطير والسبب الخوف من انتشارنا".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.