أقليات

"مخلب النمر" التركية تهجّر آلاف المسيحيين من قرى كردستان

دلشاد حسين
03 يوليو 2020

باتت العشرات من القرى المسيحية الواقعة على الشريط الحدودي بين العراق وتركيا ضمن قضاء زاخو في كردستان العراق خالية من سكانها الذين نزحوا تاركين خلفهم مساحات واسعة من المزارع هربا من القصف المدفعي والجوي والاشتباكات المتواصلة بين حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة والجيش التركي. 

ورغم أن مشهد الحرب والمعارك بين العمال الكردستاني والجيش التركي متواصل منذ سنوات إلا أن هذه المعارك شهدت احتداما ملحوظا منذ 17 يونيو الماضي، عندما أعلنت القوات التركية البدء بتنفيذ عمليات مخلب النمر لإنهاء تواجد مقاتلي الحزب داخل أراضي كردستان، وباشرت بشن قصف مدفعي وغارات جوية مكثفة تزامنت مع إنزال للقوات الخاصة التركية في منطقة حفتانين التابعة لمحافظة دهوك واندلاع معارك بين الجانبين مازالت مستمرة حتى الآن.

هارس جميل، مواطن مسيحي من قضاء زاخو، ينتظر توقف المعارك والقصف كي يتمكن من فتح أبواب المصيف السياحي الذي يمتلكه في قريته دشتي تخ، فالمعارك والقصف الذي تتعرض له أطراف القرية القريبة من الحدود التركية والواقعة على بعد بضع كيلومترات من ساحة المعركة في بلدة سناط الحدودية بقضاء زاخو، تمنع السياح من الإقبال على المصيف الذي كان يستقبل يومياً المئات من السياح المحليين.

وقال جميل لـ"ارفع صوتك": "توقف العمل في المصيف منذ أكثر من أسبوعين بسبب القصف التركي والمعارك، السياح لا يستطيعون القدوم إلى المنتجع خوفاً من القصف وبسبب إغلاق الطرق من قبل القوات الأمنية لأن المنطقة حالياً أصبحت محرمة من الناحية العسكرية".

كما اضطر جميل مع بداية حلول فصل الصيف هذا العام، إلى الاعتماد على السياح الداخليين من محافظة دهوك، لأن انتشار فيروس كورونا وإجراءات الوقاية التي اتخذتها الحكومتان الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان تمنع السياح القادمين من محافظات العراق الأخرى من دخول الإقليم وكذلك منعت التنقل بين المحافظات.

يقول "لم أكن أتوقع أن يؤثر القصف بهذا الشكل على عملنا ويوقفه، فرغم استمرار الصراع العسكري منذ سنوات إلا أنه لم يكن مكثفا وفي العمق مثلما يحدث هذا العام، أتمنى أن تنتهي المعارك ويعود الاستقرار  إلى المنطقة مجددا لنستقبل السياح".

ويؤكد جميل أنه يجني سنوياً أكثر من 80 ألف دولار منذ بداية موسم السياحة وحتى يوليو لكن هذا العام كان نصيبه حتى الآن قليلا جدا واضطر  إلى خفض أعداد العمال في المصيف من 20 عاملا إلى 8 عمال فقط، لافتا إلى أن استمرار الأوضاع بالتدهور، سيلحق به خسائر أكبر خاصة أنه صرف أكثر من ٤٠٠ ألف دولار على مشروعه وإعداده حتى الآن.

قرية بيرسفي ذات الغالبية المسيحية التي تقع على بعد نحو 16 كيلومترا شمال قضاء زاخو، ورغم تعرضها هي الأخرى للقصف إلا أنها أصبحت الملاذ الآمن للنازحين المسيحيين الذين ينتظرون استقرار الأوضاع للعودة إلى قراهم وممارسة حياتهم.

فريد عبدالأحد نازح مسيحي من قرية دشتي تخ، يعيش حاليا في بيرسفي، يقول لـ"ارفع صوتك" إنه لا يستطيع  العودة بسبب استمرار القصف حاليا.

ويضيف "أخشى أن تستمر المعارك ويمتد القصف نحو العمق وتشمل عددا أكبر من قرانا، نحن أهالي بلدة سناط وقرية دشتي تخ الموجودين في بيرسفي عددنا أكثر من 60 عائلة.

وشنت الطائرات التركية صباح الجمعة غارات جوية استهدفت جبل لينكي في ناحية ديرلوك وجبل كوره جاري في ناحية شيلادزي وجبال ناحية دركار وجميعها تابعة لمحافظة دهوك.

وقال مصدر أمني في محافظة دهوك لـ"ارفع صوتك" إن  "الغارات لم توقع أية أضرار في صفوف المدنيين لكنها أسفرت عن وقوع أضرار مادية في الحقول والمزارع والمراعي داخل المنطقة".

وتزامنت المعارك والغارات الجوية المستمرة عن حدوث حالات نهب للأشجار المعمرة في المنطقة ونقلها إلى الجانب التركي. 

وقال المواطن نجيب سليمان وهو مسيحي نازح من بلدة سناط، لموقع "ارفع صوتك" : "تعرضت أشجار الفاكهة في بساتيننا وهي أشجار معمرة للقلع من قبل سكان القرى الواقعة في الجانب التركي".

وأضاف "مواطنو هذه القرى اجتازوا الحدود واقتلعوا الأشجار ونقلوها إلى الجانب التركي وباعوها في أسواقهم" مطالبا بحماية القرى الحدودية ومنع أي تجاوز أو اعتداء عليها وتكثيف التواجد العسكري من حكومة إقليم كردستان العراق وحرس الحدود والجيش التركي على جانبي الشريط الحدودي، لمنع أي تجاوزات مستقبلية وإيقاف هذا الصراع العسكري كي تعود الحياة لهذه القرى.

خلال الحديث مع سكان القرى المهجرة إثر القصف يطغي حالة من الحزن العميق على أصواتهم وترقب دائم للعودة، فالمصاعب التي واجهوها خلال السنوات الماضية وحالة النزوح المستمرة تركت تأثيرات عدة على حياتهم.

واعتبر الأب جوني داود حنا، المدبر البطريركي لأبرشية زاخو الكلدانية، القصف التركي للقري الحدودية في كردستان العراق "مشكلة لا تنتهي خلال السنوات العشر الأخيرة".

وأوضح لـ"ارفع صوتك": "النزوح المستمر والخوف من القصف والمعارك ترك تأثيرات نفسية ومعنوية ومادية كبيرة على حياة أبناء المناطق الحدودية".

ناحية دركار الحدودية التابعة لزاخو كانت لها حصة الأسد من الدمار الذي خلفه الحرب وما زال على القرى والبلدات الحدودية بين تركيا والعراق، فأكثر من ٩ قرى من القرى التابعة لها باتت مسرحا للمعارك والقصف.

وشدد زيرفان موسى مدير ناحية دركار لـ"ارفع صوتك" على أن الاوضاع تعقدت كثيرا جراء عمليات القصف المكثفة على المنطقة بالقنابل والصواريخ والاسلحة الخفيفة التي تهدد 25 قرية في حدود الناحية بعد استمرار القصف منذ أكثر من 15 يوما.

وتابع موسى "سيطرت القوات التركية على خمس نقاط في حدود ناحية دركار وتقع اثنتان منها في سفح جبل خاتير واخرى في سياري وركى وفي كوخي مشيوليا أيضا".

وأشار إلى أن القصف تسبب بحدوث خوف وهلع وخاصة بعد سقوط احدى الصواريخ بالقرب من أحد المجمعات السكنية.

وبحسب إحصائية مدير الناحية يبلغ عدد سكانها 13 ألف نسمة، وتضم ثلاثة مخيمات تحتضن 27 ألف نازح ولاجئ، مؤكدا أن الناحية لم تشهد حتى الآن أية خسائر بالأرواح، لكنها تكبدت خسائر مادية كبيرة إثر تضرر الأراضي الزراعية للفلاحين.

وأضاف أن إدارة الناحية أصدرت مع بدء القصف تعليمات منعت بموجبها السائحين من التوجه الى المصايف والاماكن السياحية كما ومنعت الفلاحين من الذهاب الى حقولهم وبساتينهم التي تقع بالقرب من المناطق التي تشهد عمليات عسكرية حفاظا على سلامتهم.

وبين أن غالبية قرى المسيحيين تقع في حدود الناحية وعددها 11 قرية، اثنتين منها فقط تقع بمناطق امنة اما القرى التسع الأخرى فتقع ضمن المناطق التي تشهد معارك بين الجانبين.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.