أقليات

اعتراضات على "أسلمة" القاصرين من الأقليات العراقية

دلشاد حسين
12 ديسمبر 2020

تثير المادة (26) من قانون البطاقة الوطنية العراقية حفيظة الأقليات الدينية، التي تعتبرها انتهاكاً لحقوقها الدينية المكفولة في الدستور العراقي والمعايير الدولية، وتطالب بتعديلها حفاظا على التنوع والتعايش السلمي في البلاد.

وينص البند الثاني من المادة (26) من قانون البطاقة الوطنية العراقية المرقم (3) لسنة 2016 على أن "يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين"، أي على أسلمتهم قبل بلوغهم سن الرشد.

وتسعى منظمة كابني (منظمة محلية تعمل على حقوق الأقليات في العراق) لإعداد مذكرة ورفعها إلى مجلس النواب، تطالب فيها بتعديل هذه المادة، بشكل يحفظ حقوق الأقليات الدينية وخصوصيتها في العراق.

ونظمت "كابني"، أمس الخميس، مؤتمرا لمناقشة قانون أسلمة القاصرين في العراق، بمدينة أربيل، شارك فيه 40 شخصية من الأقليات الدينية والمسلمين.

بدورها، تقول سهام إيليا، مسؤولة قسم المدافعة في المنظمة لموقع "ارفع صوتك": "نظمنا هذا المؤتمر ضمن حملة المدافعة التي أطلقناها وتضمنت جلسات تحشيدية لمجتمع المسيحيين والأقليات ومجتمعات الأغلبية المساندة لحقوق الإنسان، وارتأينا العمل على المادة رقم (26) ثانيا من قانون البطاقة الوطنية، من أجل الخروج بورقة نرفعها لمجلس النواب العراقي والجهات المختصة، لصالح تعديل هذه المادة المجحفة بحق الأقليات".

وتعتبر المادة (26) من قانون البطاقة الوطنية منافية للدستور العراقي، الذي ينص في المادة (41) منه على أن العراقيين "أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون".

 

"دور إنساني"

من جهته، يؤكد الباحث في حل النزاعات وبناء السلام خضر دوملي لموقع "ارفع صوتك" على أن أهمية إثارة هذا الموضوع تكمن في جانبين، "الأول أن تكون هناك رؤيا دولية كاملة بخصوص ما يجري في العراق بخصوص الانتهاكات الخاصة بحقوق الأقليات ودور مؤسسات الدولية في مواجهة هذا الأمر ومسؤولياتها التاريخية في معالجة هذه الانتهاكات، وهذه نقطة خلافية كبيرة فالعراق يدعي أنه يحمي الأقليات ويساندها لكن ليس لديه قدرة لتعديل مادة بسيطة مكونة من جملة مؤلفة من 7 كلمات".

"أما الجانب الثاني، فيتطلب أن يكون للمؤسسات التشريعية العراقية دور  إنساني كبير قبل دورها الحقوقي، بحيث تنظر بإنسانية لأبناء الأقليات فهم بشر وأبناء هذا البلد، لكن ليس لديهم حقوق كما للأغلبية ويجب مراعاة خصوصياتهم الدينية بالدرجة الأساس وفقا للدستور العراقي وللمعايير الدولية"، يضيف دوملي.

ويلفت إلى أن هذه المادة "تسببت خلال السنوات الماضية بهجرة العديد من أبناء الأقليات من العراق لأنهم لم يتمكنوا من إصلاح المشكلة".

وترفض الأقليات الدينية مادة أسلمة القاصرين من أبنائها باعتناق أحد أبويهم الإسلام، لأنها "تنزع حرية اختيار الدين من القاصر وترغمه على اعتناق الإسلام قبل أن يبلغ سن الرشد ويقرر بحرية الدين الذي يريد اعتناقه" حسب قولهم.

 

"خرق دستوري"

في نفس السياق، يعتبر القاضي رحيم العكيلي، وهو الرئيس السابق لهيئة النزاهة في العراق، أن "أسلمة القاصرين من الأقليات تبعا لإسلام أحد الوالدين، خرق دستوري لا يتلاءم مع طبيعة الدولة الديمقراطية ولا يتفق مع الدستور الذي بموجبه يتبنى العراق حرية الدين". 

ويضيف العكيلي لموقع "ارفع صوتك" أن "هذا نوع من الإكراه الديني وفرض دين آخر على عراقيين لهم حق اختيار الدين، ولا يعطون حق العودة إلى دينهم السابق، أو تغيير الدين حتى بعد بلوغهم سن الرشد، وهو لا يتفق مع الدستور ولا مع المعايير الدينية أو الأصول الصحيحة في التعامل مع الأديان".

"فالأديان أساسها الإيمان فكيف تفرض دينا على شخص لا يؤمن به؟" يتساءل العكيلي.

ويحذر من نتائج اجتماعية "وخيمة" على حد وصفه، فيما إذا استمر العمل بهذه المادة من القانون.

ويتابع العكيلي "بقاء هذه المادة سيؤدي إلى الشعور بالغبن وعدم الإنصاف لدى الأقليات غير المسلمة، ويفرق بين المسلمين وغير المسلمين بطريقة تعزز الكراهية والنعرات الطائفية والعنصرية، كما تشعر المواطنين من الأقليات أنهم درجة ثانية، ما يؤثر على السلم الاجتماعي وعلى حقوق المواطنين في المساواة".

واعتبر  أن المادة (26) تشكل خطرا على اسم العراق دوليا وهي فضيحة دولية بالنسبة للبلاد.

 

"غير معترف" بهم أساساً

وتمثل هذه المادة مشكلة جديدة لأتباع الديانة الكاكائية (اليارسانية)، الذين يعانون في الأساس من مشكلة عدم اعتراف الحكومة العراقية بهم كديانة رغم أن تاريخ هذه الديانة يمتد لأكثر من خمسة آلاف عام.

ويوضح رئيس منظمة ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية، رجب عاصي كاكائي، أن "أتباع اليارسانية متأخرون عن هذا القانون حتى الآن لأن العراق لا يعترف بوجودها كديانة".

"نحتاج أولا أن تعترف الحكومة العراقية بوجودنا وفيما بعد سنتحدث عن هذا القانون"، يقول كاكائي، مشدداً على دعم اليارسانيين ومساندتهم لأصوات الأقليات الأخرى والعمل معها لتعديل هذا المادة في قانون البطاقة الوطنية.

من جهته، يؤكد المدير العام لشؤون الايزيديين في وزارة الأوقاف بحكومة إقليم كردستان، خيري بوزاني، على أن الأيزيديين هم "الأكثر تضررا من هذا القانون".

ويضيف لموقع "ارفع صوتك": "كأقليات دينية في العراق نعاني من هذا القانون بشكل عام، لكننا كأيزيديين نعاني بشكل كبير منه لأنهم لا يعتبروننا دينا سماويا أو كتابيا، مثلا إذا تزوجت أيزيدية من مسلم تصبح مسلمة وإذا تزوج أيزيدي من مسلمة فعليه أن يصبح مسلما حسب القانون، في كلتا الحالتين الغبن الواقع علينا أكثر من الأقليات الأخرى".

ويشير بوزاني إلى أن الحل يكمن في اللجوء إلى مبادئ حقوق الإنسان والدستور العراقي.

ويؤكد في ختام حديثه أن "قانون أسلمة القاصرين لا ينافي الدستور العراقي فحسب، بل هو مناف للقرآن أيضا الذي ينص في أحد آياته على أنه لا إكراه في الدين".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.