اعتراضات على "أسلمة" القاصرين من الأقليات العراقية
تثير المادة (26) من قانون البطاقة الوطنية العراقية حفيظة الأقليات الدينية، التي تعتبرها انتهاكاً لحقوقها الدينية المكفولة في الدستور العراقي والمعايير الدولية، وتطالب بتعديلها حفاظا على التنوع والتعايش السلمي في البلاد.
وينص البند الثاني من المادة (26) من قانون البطاقة الوطنية العراقية المرقم (3) لسنة 2016 على أن "يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين"، أي على أسلمتهم قبل بلوغهم سن الرشد.
وتسعى منظمة كابني (منظمة محلية تعمل على حقوق الأقليات في العراق) لإعداد مذكرة ورفعها إلى مجلس النواب، تطالب فيها بتعديل هذه المادة، بشكل يحفظ حقوق الأقليات الدينية وخصوصيتها في العراق.
ونظمت "كابني"، أمس الخميس، مؤتمرا لمناقشة قانون أسلمة القاصرين في العراق، بمدينة أربيل، شارك فيه 40 شخصية من الأقليات الدينية والمسلمين.
بدورها، تقول سهام إيليا، مسؤولة قسم المدافعة في المنظمة لموقع "ارفع صوتك": "نظمنا هذا المؤتمر ضمن حملة المدافعة التي أطلقناها وتضمنت جلسات تحشيدية لمجتمع المسيحيين والأقليات ومجتمعات الأغلبية المساندة لحقوق الإنسان، وارتأينا العمل على المادة رقم (26) ثانيا من قانون البطاقة الوطنية، من أجل الخروج بورقة نرفعها لمجلس النواب العراقي والجهات المختصة، لصالح تعديل هذه المادة المجحفة بحق الأقليات".
وتعتبر المادة (26) من قانون البطاقة الوطنية منافية للدستور العراقي، الذي ينص في المادة (41) منه على أن العراقيين "أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون".
"دور إنساني"
من جهته، يؤكد الباحث في حل النزاعات وبناء السلام خضر دوملي لموقع "ارفع صوتك" على أن أهمية إثارة هذا الموضوع تكمن في جانبين، "الأول أن تكون هناك رؤيا دولية كاملة بخصوص ما يجري في العراق بخصوص الانتهاكات الخاصة بحقوق الأقليات ودور مؤسسات الدولية في مواجهة هذا الأمر ومسؤولياتها التاريخية في معالجة هذه الانتهاكات، وهذه نقطة خلافية كبيرة فالعراق يدعي أنه يحمي الأقليات ويساندها لكن ليس لديه قدرة لتعديل مادة بسيطة مكونة من جملة مؤلفة من 7 كلمات".
"أما الجانب الثاني، فيتطلب أن يكون للمؤسسات التشريعية العراقية دور إنساني كبير قبل دورها الحقوقي، بحيث تنظر بإنسانية لأبناء الأقليات فهم بشر وأبناء هذا البلد، لكن ليس لديهم حقوق كما للأغلبية ويجب مراعاة خصوصياتهم الدينية بالدرجة الأساس وفقا للدستور العراقي وللمعايير الدولية"، يضيف دوملي.
ويلفت إلى أن هذه المادة "تسببت خلال السنوات الماضية بهجرة العديد من أبناء الأقليات من العراق لأنهم لم يتمكنوا من إصلاح المشكلة".
وترفض الأقليات الدينية مادة أسلمة القاصرين من أبنائها باعتناق أحد أبويهم الإسلام، لأنها "تنزع حرية اختيار الدين من القاصر وترغمه على اعتناق الإسلام قبل أن يبلغ سن الرشد ويقرر بحرية الدين الذي يريد اعتناقه" حسب قولهم.
"خرق دستوري"
في نفس السياق، يعتبر القاضي رحيم العكيلي، وهو الرئيس السابق لهيئة النزاهة في العراق، أن "أسلمة القاصرين من الأقليات تبعا لإسلام أحد الوالدين، خرق دستوري لا يتلاءم مع طبيعة الدولة الديمقراطية ولا يتفق مع الدستور الذي بموجبه يتبنى العراق حرية الدين".
ويضيف العكيلي لموقع "ارفع صوتك" أن "هذا نوع من الإكراه الديني وفرض دين آخر على عراقيين لهم حق اختيار الدين، ولا يعطون حق العودة إلى دينهم السابق، أو تغيير الدين حتى بعد بلوغهم سن الرشد، وهو لا يتفق مع الدستور ولا مع المعايير الدينية أو الأصول الصحيحة في التعامل مع الأديان".
"فالأديان أساسها الإيمان فكيف تفرض دينا على شخص لا يؤمن به؟" يتساءل العكيلي.
ويحذر من نتائج اجتماعية "وخيمة" على حد وصفه، فيما إذا استمر العمل بهذه المادة من القانون.
ويتابع العكيلي "بقاء هذه المادة سيؤدي إلى الشعور بالغبن وعدم الإنصاف لدى الأقليات غير المسلمة، ويفرق بين المسلمين وغير المسلمين بطريقة تعزز الكراهية والنعرات الطائفية والعنصرية، كما تشعر المواطنين من الأقليات أنهم درجة ثانية، ما يؤثر على السلم الاجتماعي وعلى حقوق المواطنين في المساواة".
واعتبر أن المادة (26) تشكل خطرا على اسم العراق دوليا وهي فضيحة دولية بالنسبة للبلاد.
"غير معترف" بهم أساساً
وتمثل هذه المادة مشكلة جديدة لأتباع الديانة الكاكائية (اليارسانية)، الذين يعانون في الأساس من مشكلة عدم اعتراف الحكومة العراقية بهم كديانة رغم أن تاريخ هذه الديانة يمتد لأكثر من خمسة آلاف عام.
ويوضح رئيس منظمة ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية، رجب عاصي كاكائي، أن "أتباع اليارسانية متأخرون عن هذا القانون حتى الآن لأن العراق لا يعترف بوجودها كديانة".
"نحتاج أولا أن تعترف الحكومة العراقية بوجودنا وفيما بعد سنتحدث عن هذا القانون"، يقول كاكائي، مشدداً على دعم اليارسانيين ومساندتهم لأصوات الأقليات الأخرى والعمل معها لتعديل هذا المادة في قانون البطاقة الوطنية.
من جهته، يؤكد المدير العام لشؤون الايزيديين في وزارة الأوقاف بحكومة إقليم كردستان، خيري بوزاني، على أن الأيزيديين هم "الأكثر تضررا من هذا القانون".
ويضيف لموقع "ارفع صوتك": "كأقليات دينية في العراق نعاني من هذا القانون بشكل عام، لكننا كأيزيديين نعاني بشكل كبير منه لأنهم لا يعتبروننا دينا سماويا أو كتابيا، مثلا إذا تزوجت أيزيدية من مسلم تصبح مسلمة وإذا تزوج أيزيدي من مسلمة فعليه أن يصبح مسلما حسب القانون، في كلتا الحالتين الغبن الواقع علينا أكثر من الأقليات الأخرى".
ويشير بوزاني إلى أن الحل يكمن في اللجوء إلى مبادئ حقوق الإنسان والدستور العراقي.
ويؤكد في ختام حديثه أن "قانون أسلمة القاصرين لا ينافي الدستور العراقي فحسب، بل هو مناف للقرآن أيضا الذي ينص في أحد آياته على أنه لا إكراه في الدين".