أقليات

أقليات دينية عراقية: "طريق السبايا مخطط إيراني للقضاء علينا"

دلشاد حسين
23 يناير 2021

يثير مشروع "طريق السبايا"، الذي تواصل العتبة الحسينية وديوان الوقف الشيعي تطبيقه في محافظة نينوى شمال العراق، مخاوف الأقليات الدينية والعرقية من عمليات تغيير ديمغرافي تسعى لتنفيذها المليشيات والأحزاب الموالية لإيران على أراضيها.

وقالت العتبة الحسينية في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، إن "اللجنة العلمية التي شكلتها بالتعاون مع جامعة الموصل لتقصي آثار مسير سبايا اهل البيت أعلنت عن دخولها بالمرحلة الثانية وذلك بعد تحديد وتشخيص العديد من الأماكن في محافظة نينوى".

ونقل البيان عن معاون رئيس قسم النشاطات العامة في العتبة الحسينية، ورئيس اللجنة، الشيخ علي القرعاوي قوله إن "العتبة الحسينية تواصل العمل في مشروع توثيق طريق سبايا أهل البيت نحو الشام"، مبينا أن البحث والتقصي انطلق من منطقة "آسكي موصل".

وضمن متابعته للمشروع، حصل موقع "ارفع صوتك" على معلومات من مصادر عدة وشهود عيان داخل محافظة نينوى، كشفت عن بدء لجنة مشتركة من رجال دين تابعين للعتبة الحسينية وديوان الوقف الشيعي، بحماية مليشيات "كتائب حزب الله"  و"عصائب أهل الحق" و"حشد الشبك" و"كتائب الإمام علي" و"سرايا السلام"، بمسح وتقص ميداني منذ نوفمبر الماضي، انطلق غرب محافظة نينوى على طول أكثر من 90 كيلومترا.

ويبدأ من منطقة "آسكي موصل" مرورا بـ"حاوي الكنيسة" ثم قضاءي تلعفر وسنجار وناحيتي سنونة وربيعة، ليشمل عدة بلدات وقرى، وصولا إلى الحدود العراقية السورية، وتخضع مساحة كبيرة منها لسيطرة مليشيات الحشد الشعبي.

وحسب خريطة منشورة على صفحات التواصل الاجتماعي، يبدأ "طريق السبايا" من مدينة الكوفة التابعة لمحافظة النجف جنوب العراق، التي شهدت معركة الطف سنة 61 هجرية وقتل فيها الحسين بن علي وأتباعه على يد جيش الدولة الأموية،  وينتهي في العاصمة السورية دمشق، حيث تم نقل "السبايا" من النساء والأطفال إليها بعد تلك المعركة.

 

"استيلاء وتهميش وإقصاء"

ويعتبر كامل زوزو، الناشط المسيحي في مجال حقوق الإنسان والأقليات، المشروع "مخططا إيرانيا لاستقطاع جزء من التاريخ وأراضي المسيحيين والأقليات الأخرى، بحجة أن عائلة الإمام حسين سلكت هذا الطريق قبل ما يزيد من ألف عام متوجهة الى سوريا".

ويتابع زوزو لموقع "ارفع صوتك": "إذا سلمنا لهذا الأمر يجب أن نسلم أيضا إلى أنه من قبل سنة 612 قبل الميلاد كانت هذه المنطقة برمتها آشورية، فإذا هم أخرجوا آثار مرور السبايا، قد تفتح هناك أيضاً آثار آشورية".

ويصف المشروع بأنه "مغالطة تاريخية" مضيفاً  "يهدف (طريق السبايا) إلى ضرب نسيج التآخي الموجود بين الناس في هذه المناطق، فهذه الأجندة الإيرانية همها الوصول إلى البحر المتوسط، عبر الهلال الشيعي المرسوم من قبل النظام في طهران، الذي يرى أن امتداده يكون بإنهاء وجود المسيحيين والأيزيديين والتركمان من هذه المناطق".

وطالما أشار قادة الحرس الثوري والنظام الإيراني والمليشيات الموالية له في العراق، إلى هدفهم بالوصول للبحر المتوسط من خلال السيطرة على الطريق البري الرابط بين إيران والعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان".

ولا يخفي زوزو مخاوف المسيحيين من المشروع الجديد، وعمليات التغيير الديمغرافي الذي تواصل إيران ومليشياتها تنفيذها في منطقة سهل نينوى شرق الموصل.

ويقول "المال السياسي الإيراني وعبر السفارة الإيرانية في العراق كان حاضرا دائما وما زال؛ لدعم عمليات التغيير الديمغرافي في سهل نينوى".

"مثلما كان الرئيس الأسبق صدام حسين يمنح قطع أراض من مناطقنا في سهل نينوى الشمالي والجنوبي لأتباعه من المدن الأخرى، يحدث نفس الشيء الآن، فالسلطة العراقية تمنح مسلحي الحشد الشعبي أراض في مناطقنا ثمن مشاركتهم في عمليات تحرير نينوى من داعش" يضيف زوزو.

ويتابع أن "عمليات التغيير الديمغرافي لا تتوقف عن الاستيلاء على هذه المناطق، بل تتعداها إلى إهمال وتهميشها وتهميش سكانها المسيحيين، وعدم إتاحة الفرصة لهم للمشاركة السياسية وللتمتع بحقوقهم كمواطنين، الأمر الذي يتسبب باستمرار نزيف الهجرة".

 

"تغيير طبيعة أرضنا"

في نفس السياق، يؤكد حسام عبدالله، وهو المدير التنفيذي للمنظمة الأيزيدية للتوثيق، على مخاوف الأيزيديين أيضاً من "طريق السبايا"، حيث  يشمل مساحات واسعة من أراضيهم.

ويوضح "هذا المشروع سيغير من طبيعة الأرض وهي أرضنا وأرض أجدادنا وأراضي المكونات الأخرى التي تعيش فيها، لذا نحن خائفون، فهذه رغبة واضحة للتغيير الديمغرافي".

ويشير  عبدالله إلى أن منظمته رصدت خلال السنوات الماضية العديد من حالات بيع وشراء العقارات والأراضي في سنجار وغيرها من المناطق، التي تشهد تغييرا ديمغرافيا واضحا لطبيعة هذه الأراضي، والأمر مستمر لغاية الآن.

ويحذر من "فقدان الأقليات التي تعيش في هذه المناطق ، لأراضيها، بعد نحو 10 سنوات، إذا ما استمرت عمليات التغيير الديمغرافي" مؤكداً "هناك من يجلب المال والسلاح ولديه القوة والسلطة ويفرض أجندته".

ويتفق رجب عاصي كاكيي رئيس منظمة ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية، مع المسيحيين والأيزيديين حول خطورة مشروع "طريق السبايا" على وجود الأقليات.

ويوضح كاكيي لموقع "ارفع صوتك": "سيحول هذا المشروع المنطقة إلى ساحة اعتراك وصراعات طائفية لا تحمد عقباها، وتتسبب بانصهار الشعوب الأصيلة داخل الشعوب المستعمِرة بعناوين دينية وطائفية".

يجدر الذكر، أن موقع "ارفع صوتك" اتصل بإعلام العتبة الحسينية عدة مرات؛ للحصول على تصريح توضيحي، والإجابة على تساؤلات الأقليات، إلا أنه لم يتلق أي جواب.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.