أقليات

تخوّف من حرب جديدة.. ماذا تفعل الصواريخ الإيرانية على جبل سنجار؟

دلشاد حسين
20 فبراير 2021

لم تنفض مدينة سنجار بعد، غبار الحرب والدمار الذي خلفه تنظيم داعش، حتى أضحت على موعد مع حرب جديدة تدق طبولها، أطرافها: المليشيات الموالية لإيران وحزب العمال الكردستاني والجيش التركي.

وتشهد سنجار منذ أيام تحركات عسكرية مكثفة لعدد من المليشيات الموالية لإيران التي نقلت آلاف المسلحين والأسلحة إلى داخل سنجار وأطرافها ونظمت استعراضا عسكريا. 

وبالنسبة للمواطن عماد إلياس، بات العيش في سنجار والتنقل فيها ب"صعباً جداً" بسبب تواجد المليشيات والسلاح المنفلت، وكل مليشيا تسيطر على جزء من المدينة وتفرض قوانينها على الأهالي، حسب وصفه.

ويقول لـ"ارفع صوتك": "نحن متخوفون وقلقون جداً بسبب وجود هذه القوات المتنوعة في مناطقنا، وتزداد مخاوفنا من مواجهات وصراعات قد تحدث فجأة بين القوات المتواجدة هنا، وكذلك من التعرض للقصف من قبل الطيران الحربي التركي إثر تواجد حزب العمال الكردستاني في سنجار".

ويناشد عماد من أجل توفير الحماية الدولية لسنجار وأهلها كي وبدء عمليات الإعمار، كي تعود الحياة إلى سابق عهدها.

ويعرب عن انزعاجه الشديد من تواجد المليشيات الموالية لإيران بقوله "لسنا متفائلين بمستقبلنا وبالعيش في المدينة بسبب هذه القوات، التي حرمتنا من كل شيء حتى أننا لا نستطيع أن نمارس أعمالنا وحياتنا اليومية براحة".

 

"استعراض عسكري للحشد"

يقول توفيق حجي من سنجار، لـ "ارفع صوتك"، إن قوات "كبيرة من الحشد الشعبي نظمت استعراضاً عسكرياً داخل سنجار، وتجولت داخل المدينة واتجهت نحو الحدود".

ويشير إلى أن مسلحين من المليشيات قالوا لبعض السكان إنهم "متواجدون في سنجار لصد أي هجوم عسكري تقوم به القوات التركية".

وحالت الأوضاع الأمنية غير المستقرة ونقص الخدمات الرئيسية والدمار من عودة النازحين الأيزيديين إلى سنجار حتى الآن، رغم مرور أكثر من خمس سنوات على تحريرها من تنظيم داعش.

وتشير إحصائيات قائم مقامية سنجار، إلى أن 18 ألف نازح أيزيدي عادوا فقط إليها حتى الآن، فيما لا يزال إقليم كردستان يحتضن 50 ألف عائلة أيزيدية نازحة موزعة على 14 مخيما للنازحين، تقع غالبيتها في محافظة دهوك، فيما يسكن عدد آخر من النازحين في العشوائيات وداخل مدن الإقليم.

ومرّت خمس شهور على توقيع الحكومة الاتحاديّة وحكومة الإقليم، اتفاقية سنجار لتطبيع الأوضاع في القضاء وإدارتها بشكل مشترك، إلا أن بنودها لم تطبق حتى الآن بسبب معارضتها من قبل المليشيات الموالية لإيران ومسلحي حزب العمال الكردستاني.

في هذا السياق، يكشف المتحدث باسم العشائر العربية في المناطق المتنازع عليها، مزاحم الحويت، أن المليشيات "نقلت العديد من قطعاتها العسكرية من محافظة الأنبار ومحافظات جنوب العراق إلى سنجار خلال الأيام الماضية".

ويؤكد الحويت لـ"ارفع صوتك" أن في سنجار الآن "6  ألوية تابعة لمليشيات حزب الله والنجباء وعصائب أهل الحق وبدر وكتائب الإمام علي وفرقة العباس القتالية وكتائب سيد الشهداء وأنصار الحجة، وفصيل من الحرس الثوري الإيراني يشرف عليه ضابط إيراني رفيع المستوى".

ويقول إن تواجد المليشيات ومسلحي "العمّال" في المدينة "ليس للدفاع عن العراق بل لربط سنجار بالطريق البري الممتد من طهران إلى البحر المتوسط".

ويشير الحويت إلى "الأهمية الإستراتيجية" لموقع المدينة، موضحاً أن "إيران تسعىللسي طرة على جبل سنجار المطل على المنطقة واستخدامه كقاعدة للصواريخ، مثلما فعل نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الذي استخدمه لشن هجمات صاروخية على إسرائيل".

ويتابع "المليشيات وبالتعاون مع العمال الكردستاني نقلت خلال الفترة الماضية عدداً كبيراً من الصواريخ الإيرانية إلى سنجار".

 

اتفاقية سنجار

من أبرز بنود اتفاقية سنجار المبرمة بين بغداد وأربيل، تشكيل إدارة مشتركة بالتعاون بين الحكومتين الاتحادية والإقليم وإلغاء الترتيبات التي وضعت بعد عام 2017، وتكليف الشرطة الاتحادية بتولي مهام الأمن في المنطقة بالتعاون مع إقليم كردستان، وتعاون الطرفين لإعادة إعمار المدينة المتضررة بواقع 80% بسبب الحرب على داعش.

بدوره، يقول قائم مقام قضاء سنجار محما خليل، لموقع "ارفع صوتك"، إن المدينة تشهد "تحركات استفزازية" من قبل مسلحي الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، هدفها "خلق الذعر والخوف لدى الأهالي وكأن سنجار في أجواء حرب، بينما نحن في غنى عن هذه الأجواء لأن هناك اتفاقية دستورية قانونية كان من المفترض أن تطبق".

"ولم تطبق هذه الاتفاقية حتى الآن بسبب ضعف الحكومة العراقية وعدم أخذها بجديّة، ما أدى لازدياد عدد مسلحي العمال الكردستاني والحشد الشعبي في سنجار" يضيف خليل.

ويؤكد أن الهدف من زيادة أعداد عناصر المليشيات ومسلحي حزب العمّال في سنجار، مؤخراً، هو "السيطرة على الطريق البري الإستراتيجي الرابط بينها وسوريا، وتفريغ هذه المنطقة من سكانها الأصليين".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.