الفنان فارس بيباني أمام إحدى جدارياته.
الفنان فارس بيباني أمام إحدى جدارياته.

يمضي فارس شمو بيباني، وهو رسام أيزيدي، يوميا ساعات طويلة في رسم لوحات فنية على جدران مباني قريته "بيبان" في ناحية القوش شمال محافظة نينوى متطوعا بهدف تزيينها وترسيخ حب الفن بين السكان المحليين.

يعمل بيباني صباغا للبيوت والمباني إلى جانب كونه رساما. بدأ الرسم منذ صغره، قبل أن يطور مهاراته الفنية خلال فترة دراسته الابتدائية في ثمانينات القرن الماضي.

ويشير إلى أنه "تلقى الدعم في هذا المجال من معلم مادة الفنية في المرحلة الابتدائية آنذاك، الذي كان يهتم بصقل مهارات التلاميذ الفنية والحرص على زرع حب الفن فيهم".

لم يتمكن بيباني من استكمال تعليمه بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي عاشها إثر الحرب والازمات خلال الثمانينات والتسعينات، واضطر إلى العمل في سن مبكر من أجل إعالة عائلته.

يقول بيباني: "خلال السنوات العشر الماضية زينت جدران أكثر من 15 مدرسة في حدود ناحية القوش بالرسوم بشكل تطوعي".

رغم ظروفه الصعبة، الا أنه لم يترك ممارسة الرسم، وأسس عام 2004 مع مجموعة من أصدقائه الفنانين فريق "آزادي للفنون" في قريته وهو فريق تطوعي يتكون من أقسام للموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية. وقرر منذ بداية العام الحالي تزيين جدران القرية بلوحات جدارية لإضفاء طابع فني جميل عليها.

يقول بيباني لموقع "ارفع صوتك": "بادرت برسم لوحات جدارية فنية واقعية على جدران المباني المحيطة بالساحة الخاصة بالاحتفالات والمراسم الدينية وسط قريتنا، لإضافة جمالية على القرية. وتبرعت مجموعة من شباب القرية الذين يعيشون خارج العراق بمصاريف شراء الأصباغ والمواد الأخرى المستخدمة في رسم اللوحات".

يسعى بيباني إلى رسم أكثر من 30 لوحة جدارية في القرية قبل منتصف مايو المقبل. "أنهيت 13 لوحة جدارية كبيرة حتى الآن وأواصل العمل من أجل الانتهاء من رسم جميع الجداريات".

يسعى بيباني إلى رسم أكثر من 30 لوحة جدارية في القرية قبل منتصف مايو المقبل.

يرسم الفنان بيباني اللوحات لوحده لذلك يستغرق في رسم اللوحات ما بين 3 إلى 6 أيام لكل لوحة، وجميعها لوحات واقعية تجسد للطبيعة والحياة في القرى الأيزيدية ومبانيها التاريخية والجبال والوديان والمراعي والخيول والتراث الأيزيدي، إلى جانب تراث مناطق سهل نينوى بكافة تفاصيله.

وتتكون القرية من 450 بيتا لكن عددا كبيرا من سكانها يعيشون خارج العراق، حيث شهدت منذ الثمانينات موجات هجرة متكررة بلغت أوجها عام 2014 عندما سيطر تنظيم داعش على محافظة نينوى شمال العراق ونفذ عملية إبادة جماعية ضد الأيزيديين في سنجار وأطرافها.

ورغم أن التنظيم لم يتمكن من احتلال ناحية القوش والقرى التابعة لها ومنها قرية بيبان، إلا أنه سيطر على ناحية تللسقف القريبة منها، وهو الأمر الذي دفع سكان القرية إلى النزوح لأكثر من 4 إشهر إلى محافظة دهوك قبل أن يعودوا إلى قريتهم بعد تحرير قوات البيشمركة وبإسناد من طائرات التحالف الدولي بقيادة  الولايات المتحدة الأميركية لناحية تللسقف.

تجسد لوحات بيباني الطبيعة والحياة في القرى الأيزيدية ومبانيها التاريخية وجبالها ووديانها ومراعيها.

يقول بيباني: "خلال السنوات العشر الماضية زينت جدران أكثر من 15 مدرسة في حدود ناحية القوش بالرسوم بشكل تطوعي. لا أتقاضى أي أموال مقابل طلاء مباني المدارس والمؤسسات التعليمية والتربوية، فضلا عن أنني أُعلم كل من يريد تعلم الرسم والخط بدون مقابل خاصة تلاميذ وطلبة المدارس والمؤسسات التعليمية".

ويخطط بيباني لتزيين كافة القرى المجاورة لقريته باللوحات الفنية فيما إذا حصل على الدعم المالي لتأمين ما يحتاجه من أصباغ ومواد يستخدمها في رسم لوحاته، التي يستخدم فيها ألواناً مائية مقاومة لظروف المناخ. وبعد الانتهاء من رسم اللوحة يطليها بمادة الورنيش التي تمنحها جمالية أكبر.

ويختتم بيباني حديثه: "أتمنى أن يهتم العالم بالفن لأنه أساس متين من أسس التعايش والسلام، فالشعوب تتقدم بالفن، وينبغي علينا جميعنا أن نعمل ونخدم مجتمعاتنا ونبين جمالها للعالم".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.