يعود تاريخ وجود الأرمن في العراق إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى بأكثر من قرنين ونصف. يشهد على ذلك مبنى كنيسة مريم العذراء للأرمن الأرثوذكس الذي يقع في محلة "كوك نزر" بمنطقة الميدان وسط العاصمة بغداد.
في الواقع، يرجع أصل هذه التسمية إلى آمر مدفعية الجيش العثماني القائد كيورك نزريتان؛ الذي لعب دورا هاما في اقتحام بغداد عام 1638؛ فوهبه السلطان العثماني مراد الرابع قطعة من الأرض.
كان هذا القائد أرمنيا، حرفت تسمية قطعة الأرض على لسان البغداديين، فصارت "كوك نزر"، وبنيت عليها أول كنيسة للأرمن بين عامي 1639 و1640.
لكن، يذهب بعض المؤرخين إلى أن وجود الأرمن في العراق يعود إلى ما قبل هذا التاريخ، حيث قدم مئات منهم من أصفهان، واستوطنوا بغداد وأقاموا فيها.
وينقسم الأرمن العراقيون إلى طائفتين رئيسيتين رسميتين: الأرمن الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس، فضلا عن بعض المذاهب والطوائف الحديثة.
وتضاعفت أعداد الأرمن في العراق إبان الحرب العالمية الأولى عقب المذابح التي تعرضوا لها على يد الدولة العثمانية سنة ١٩١٥، مما اضطرهم للنزوح إلى مختلف دول المنطقة. ودخل الأرمن حينها العراق من جنوب تركيا، واستقروا في البداية في ثلاث مناطق رئيسية: بعقوبة في محافظة ديالى وأجزاء من محافظتي نينوى وكركوك.
يقول المدير العام السابق في ديوان الوقف المسيحي في العراق الأرمني كربيت مناسكان لمنصة "ارفع صوتك" إن السلطات الإنجليزية في العراق أنشأت معسكرا خاصا في بعقوبة؛ ضم النازحين الأرمن وقليلا من الآشوريين السريان.
وبعد اتفاقية سايكس بيكو سنة ١٩١٦؛ وعد البريطانيون الأرمن بالعودة إلى ديارهم. وانطلقت فعلا سفينة من مدينة البصرة تحمل أيتام الأرمن فقط، لكنها بدل أن تحل في بلدهم الأم؛ قادتهم إلى مدينة القدس، فشعر الأرمن بالخيبة!. وألغي وعد الإنجليز لهم بالعودة، يقول كربيت مناسكان.
لا توجد أرقام دقيقة حول أعداد الأرمن في العراق، إلا أن العدد الأكبر منهم يسكن في بغداد، لا سيما في مناطق كامب سارة، وحي الغدير، وكامب الأرمن، ومنطقة زيونة، بالإضافة إلى وجودهم في البصرة والموصل وكركوك وزاخو وأربيل والسليمانية.
ويتركز وجودهم أيضا في دهوك بقرية (أفزروك)، حيث يشكلون أغلبية سكانها، ولا يشكلون أغلبية في أي قرية أو مدينة أخرى.
في السياسة والجيش والفن
لعب الأرمن أدوارا مختلفة في الحياة السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والفنية في العراق. وسقط منهم بين 70 و80 قتيلا في الحرب العراقية الإيرانية؛ وفق ما يشير المدير العام السابق في ديوان الوقف المسيحي في العراق كربيت مناسكان.
صورة مقالة في "كل شيء" البغدادية أواخر العام 1959 وتتعلق بعازفة البيانو العراقية بياتريس أوهانسيان يوم كانت تدرس وتعزف في أميركا.
— Ali Abdulameer (@AliAbdulameer8) October 1, 2021
أما الرابط أدناه فمقالة لي تتضمن كلمة ألقيتها بالانجليزية في واشنطن- العاصمة ضمن احتفال خاص بعد فترة على رحيلها 2008. https://t.co/N2eQawthI9 pic.twitter.com/7kxMiPnWE3
وأسهم الأرمن في إثراء الساحة الفنية العراقية بعدة أسماء، من أبرزها الفنانة سيتا هاكوبيان، والممثلة ورائدة المسرح العراقي آزادوهي صاموئيل، والتي تعد من أولى الفنانات اللواتي درسن في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وحملت في البداية اسما فنيا عربيا هو زاهدة سامي، بالإضافة إلى "ملكة البيانو" في العراق العازفة بياتريس أوهانسيان، والكاتب يعقوب سركيس.
#وجـوه_مـن_بـلادي..
— أنا هاجر (@hanan__008) April 15, 2016
المطربة العراقية الجميلة سيتا هاكوبيان ولدت في محافظة البصرة عام 1950.#مفكرة_بغداد pic.twitter.com/RvQXOEUYxE
وفي مجال الرياضة، كان جير كير كيايان أول بطل عراقي في رياضة كمال الأجسام. أما في الاقتصاد فقد برز اسم فوسكان مارديكيان؛ الخبير الاقتصادي بوزارة المالية في عشرينات القرن الماضي.
وفي مجال الطب، كانت أول طبيبة عينتها وزارة الصحة العراقية هي الأرمنية آنه ستيان، وأيضا كان الدكتور موسيس دير هاكوبيان من أطباء الموصل المعروفين، فضلا عن الطبيب الأكثر شهرة في المدينة وهو الدكتور أسترجيان.
وتعد سارة إسكندريان من أشهر الشخصيات الأرمنية في بغداد. وقد عرفت في مطلع القرن العشرين في بغداد باسم "سارة خاتون"، بعدما ورثت عن أبيها مساحات شاسعة من أراضي بغداد. وإلى اليوم يطلق العراقيون اسم "كامب سارة" على الأراضي التي كانت تمتلكها تلك السيدة، على الرغم من تغيير الاسم إداريا من قبل أمانة بغداد إلى منطقة حي الرياض.
هل رأيتم مرجع او معمم او سياسي بنا بيوت للنازحين ؟
— 𝔐𝔬𝔥𝔞𝔪𝔪𝔢𝔡 𝔄𝔩𝔦 (@Mohali_Aliraqi) April 18, 2021
1️⃣سارة اوهانيس ماركوس اسكندريان ولدت عام1889 لملقبة ب(سارة خاتون)من الطائفة الارمنية وكانت من اغنياء بغداد وكان لها عدد كبير من الاراضي والاملاك في بغداد
يتبع👇🏻#العراق #كورونا #رمضان_كريم #لبنان #الأردن pic.twitter.com/YXNtHv9mOu
دينيا، تنتشر الكنائس الأرمنية في مختلف مدن ومناطق العراق، لكن أكثرها في بغداد. يقول المؤرخ العراقي سيّار الجميل: "ومن أشهر تلك الكنائس في بغداد كنيسة القديس كرابيت للأرمن الأرثوذكس في منطقة كامب سارة، وكنيسة القلب الأقدس للأرمن الكاثوليك في الكرادة الشرقية، وكنيسة القديس كريكور للأرثوذكس في الباب الشرقي، وكنيسة الأرمن في الجادرية، وكنيسة سيدة الزهور للكاثوليك في الكرادة، وكنيسة مريم العذراء للأرمن في الميدان، وتعد هذه الأخيرة من أقدم الكنائس الأرمنية ببغداد، وتوجد كنيسة قديمة لهم في الموصل، وأخريات في كل من البصرة وكركوك وزاخو".
ويضيف إليها كربيت مناسكان، المدير العام السابق في ديوان الوقف المسيحي، "كنيسة في مدينة الحبانية بالأنبار، وكنيسة في المقبرة المشتركة في خان بني سعد بديالى، وأخرى في أربيل، وأخرى في محافظة دهوك أيضا".