حافظ الكثير من دروز الجولان على روابط وثيقة مع دمشق
حافظ الكثير من دروز الجولان على روابط وثيقة مع دمشق

بعد مرور نحو أربعة عقود منذ ضمّ إسرائيل لمرتفعات الجولان، حافظ السكان الدروز على هوياتهم وأساليب عيشهم السورية، ورفضوا الاندماج في إسرائيل، وأبقوا على روابط قوية بدمشق، لكن الوضع يسير نحو التغيّر وفق تقرير صحفي إسرائيلي.

يقول تقرير صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إنه رغم محاولات جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لم تنقطع تلك الروابط.

في السنوات الأخيرة، بدأ تحول هادئ في الجولان، وفق تعبير الصحيفة، حيث ارتفع عدد الدروز الذين يتقدمون بطلبات الحصول على الجنسية الإسرائيلية.

وتظهر الأرقام الحكومية الرسمية أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، قفز عدد طلبات الجنسية التي تقدم بها سكان مرتفعات الجولان الدروز تدريجيا من 75 طلبا في 2017 إلى 239 في 2021.

ومن المرجح أن يكون العدد في سنة 2022 أعلى من ذلك، حيث عرف النصف الأول من العام الجاري، 206 طلبات.

 

الأسباب

أسباب التغير ليست واضحة، ولكن يبدو أنها مرتبطة بالحرب الأهلية السورية، حسبما تقول الصحيفة "فالحرب جعلت الروابط مع دمشق أكثر صعوبة".

اتصلت الصحيفة الإسرائيلية بعشرات الدروز من سكان الجولان للحديث عن أسباب هذا التغير لكن معظم الطلبات قوبلت بالرفض "خوفا من ضغوط مجتمعهم إذا تحدثوا علانية عن خطوتهم غير المنتظرة".

وحتى المعارضون للجنسية الإسرائيلية رفضوا إجراء مقابلات، خوفا من أن يؤدي التحدث إلى وسائل الإعلام إلى جعلهم "أهدافا" للسلطات الإسرائيلية، حسب التقرير.

كان من بين الأشخاص القلائل الذين وافقوا على التحدث شابة في أوائل العشرينات من عمرها نشأت في عائلة لم تسع مطلقا للحصول على الجنسية الإسرائيلية.

قالت  ميلا (اسم مستعار) إن الشباب الدرزي يواجه صعوبة في التعرف على سوريا، البلد الذي لم يسبق للكثيرين زيارته، وتابعت: "لم أشعر قط بأي نوع من التقارب لا مع سوريا أو حتى مع إسرائيل".

كان قرارها بطلب الجنسية، الذي أبقته سرا عن أسرتها الكبيرة، مدفوعا بالارتياح من وضع مدني معقد، وفقط.

على عكس دروز شمال إسرائيل، الذين قبلوا إلى حد كبير الحكم الإسرائيلي، استمر الدروز الذين يعيشون في مرتفعات الجولان في الحفاظ على علاقات وثيقة مع سوريا، حتى بعد أن استولت إسرائيل على المنطقة في عام 1967 وضمتها فعليا في عام 1981. 

 

روابط وثيقة

شجّع النظام السوري بشكل فعال على الحفاظ على الروابط الوثيقة مع دروز الجولان، ودعم العلاقات التجارية والسماح لسكان الجولان الدروز بالدراسة مجانًا في المؤسسات الأكاديمية السورية. 

كما حرص الدروز على إظهار ولائهم لنظام بشار الأسد، وقاموا بمظاهرات واحتجاجات منتظمة ضد سيطرة إسرائيل على الهضبة.

في عام 1982، نظم السكان إضرابا عاما لمدة ستة أشهر احتجاجا على تمرير إسرائيل لقانون بسط سيادتها على مرتفعات الجولان. 

وتقام الاحتجاجات في الذكرى السنوية لقرار الضم "على الرغم من أن عدد المشاركين عادة يقتصر على بضع مئات" تقول الصحيفة.

وفي عام 2015، هاجم الدروز سيارات إسعاف كانت تقل جرحى سوريين إلى إسرائيل لتلقي العلاج، معتقدين أنها تساعد مقاتلي المعارضة. 

وفي ذلك الوقت، كانت القرى الدرزية تتعرض لهجومات متوالية من قبل المتطرفين الذين يقاتلون الأسد.

 

"لامبالاة تجاه إسرائيل"

في ذات الوقت، أظهر دروز الجولان "لامبالاة تجاه إسرائيل" تقول الصحيفة، ففي عام 2018، صوت 272 شخصا فقط من أصل 12 ألف ساكن في الانتخابات المحلية، والتي يُنظر إليها على أنها تضفي الشرعية على الحكم الإسرائيلي.

وسمحت إسرائيل للدروز بالتقدم بطلب للحصول على الجنسية منذ أوائل الثمانينيات، بعد وقت قصير من ضمها للمنطقة، لكن حتى وقت قريب، لم يقبل العرض سوى عدد قليل من الناس.

بحسب معطيات من سلطة السكان والهجرة، حصل أربعة دروز فقط على الجنسية الإسرائيلية في عام 2010. 

وعلى مدى السنوات الثلاث اللاحقة، تراوح عدد حالات التجنيس من 14 إلى 18 في السنة. 

لكن مع اندلاع الحرب الأهلية السورية وفقدان الأسد سيطرته على مساحات شاسعة من سوريا، بدأت الأعداد في الارتفاع ببطء، لتصل إلى رقم قياسي بلغ 139 طلبا في عام 2019.

 

"التمسك بسوريا لم يعد خيارا جذابا"

على الرغم من انخفاض الأرقام في عام 2020، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى إغلاق مكاتب وزارة الداخلية، بسبب جائحة كورونا، "يبدو أن الارتفاع سيعاود مجددا".

ويتوقع يسري حزران، المؤرخ والمحاضر في كلية شاليم الإسرائيلية، والذي أجرى أبحاثًا حول الاتجاهات والتغيرات في المجتمع الدرزي في مرتفعات الجولان، أنه في غضون 20 عاما، سيحصل نصف السكان الدروز في مرتفعات الجولان على الجنسية الإسرائيلية.

وبحسب حزران، فإن الحرب الأهلية السورية "حطمت فكرة الأمة السورية" وقطعت العديد من الروابط بين الجولان الدروز ودمشق.

قال حزران، الذي يخطط لنشر بحث في الخصوص، "لا يوجد طلاب دروز تقريبًا يسافرون إلى سوريا للدراسة، على الرغم من الفوائد التي يقترحها النظام هناك، مثل القبول التلقائي لبعض التخصصات دون الخضوع لامتحان القبول والإعفاء من الرسوم الدراسية".

أشار حزران، الذي قال إنه واجه أيضا صعوبات كبيرة في جعل الناس يقابلونه من أجل بحثه، أن الاحتجاجات السياسية ضد إسرائيل قد تضاءلت في العقد الماضي. 

لكن مع ذلك، قال إن المتقدمين للحصول على الجنسية لم يفعلوا ذلك بدافع الرغبة في أن يصبحوا إسرائيليين، بل لأن التمسك بسوريا لم يعد خيارا جذابا.

وأجبر انهيار الدولة السورية، دروز الجولان، وفق ذات المتحدث "على الخيار العقلاني، وهو الاندماج في المجال الإسرائيلي" ثم تابع"يمكنني تلخيص ذلك في أربع كلمات: الاعتراف بالواقع وليس بالصهيونية".

 

"لا أعرف أي شيء سوى إسرائيل"

قالت ميلا، الشابة الدرزية، إنها تقدمت بطلب للحصول على الجنسية في عام 2021، وتم منحها إياها، لكن قرارها سيبقى سرا.

"والداي لا يحملان الجنسية الإسرائيلية، لكنهما قبلا قراري، بينما لا تعرف الأسرة الأوسع عن هذا الأمر أي شيء، وأفترض أنه إذا عرفوا ذلك، فسيقوم بعض أقاربي بقطع علاقاتهم معي حتما".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.