أقليات

ثلثا مسيحيي سوريا هاجروا بسبب الحرب

ارفع صوتك
19 سبتمبر 2022

موجة هجرة كبيرة شهدتها القرى المسيحية في سوريا خلال الحرب، أدت إلى تراجع نسب المسيحيين في البلد بشكل كبير.

وذكر تقرير أعدته منظمة "Open Doors" غير الحكومية، بعنوان "قائمة المراقبة العالمية لحالة الحرية الدينية للمسيحيين لعام 2022"، أن في سوريا اليوم نحو 638 ألف مسيحي، وهم يشكلون 3.3 في المئة من سكان سوريا، بعد أن كانوا يشكلون 10 في المئة من عدد السكان قبل 2011.

وقدر السفير البابوي في دمشق الكاردينال ماريو زيناري في تصريح لموقع صوت الفاتيكان في شهر آذار من العام الحالي أن أكثر من نصف المسيحيين، وربما حتى ثلثا المسيحيين، تركوا سوريا خلال سنوات الحرب، وأشار إلى أن الأقليات هي دائما الجماعات الأكثر ضعفا في مثل هذه النزاعات، واصفا رحيل المسيحيين بجرح للكنائس الشرقية وضرر خطير للمجتمع السوري.

واعتبر الكاردينال زيناري أن المسيحيين في الشرق الأوسط موجودون منذ ألفَي عام، وساهموا في تطوير بلدانهم، مشبّها الحضور المسيحي بنافذة مفتوحة على العالم، نظرا لما يتميزون به من عقلية منفتحة ومتسامحة، وأضاف أن هذه النافذة تغلَق تدريجيا مع كل عائلة مسيحية تهاجر.

 

"من هاجر لن يعود"

 

ترك إيلي الخوري، 39 عاما، مدينته حمص منذ العام 2014 قاصدا لبنان، حيث يقيم حاليا مع عائلته في مدينة جبيل، ويعمل في شركة خاصة كمهندس ميكانيك، فيما هاجر أخوه إلياس إلى كندا منذ 10 سنوات وبقي هناك، أما والداه السبعينيان ففضلا البقاء في سوريا.

يقول إيلي في حديثه لارفع صوتك: "في منطقتنا هاجر معظم الشبان والشابات، وبقيت قلة من كبار السن ومن لم تسمح ظروفه بالهجرة، تجد اليوم البيوت مهجورة ومقفلة، فالغالبية اختارت المغادرة باتجاه كندا وأستراليا والولايات المتحدة، والبعض اختار أوروبا، وقام العديد ببيع أملاكهم وبيوتهم، وباعتقادي أن من هاجر لن يعود".

ويعتبر إيلي أن أسباب هجرة المسيحيين في سوريا متعددة، فمنهم من فر من الحرب التي تسببت بنزوح جماعي كبير للمسيحيين، ومنهم من هاجر بسبب الشعور بالخوف أمام موجة التعصّب، إبان سيطرة تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتشددة، ومنهم من فر بحثا عن مستقبل أفضل له ولأبنائه. والبعض هاجر بسبب الظروف الاقتصادية السيئة والعقوبات المفروضة على سوريا، والتي جعلت الحياة شبه مستحيلة، وهذه الظاهرة ليست محصورة بالمسيحيين فقط، بل من مختلف الطوائف.

أما من بقي بحسب الخوري، فهم كبار السن الذين يتمسكون بأرضهم وبيوتهم، ويقبعون تحت سلطة الكنيسة التي تشجعهم وتدعمهم على البقاء، أو من لم يكن لديه الإمكانات المادية للمغادرة، مبينا أن غالبية من غادر يرفضون تأجير بيوتهم أو فتحها للمهجرين أو إسكان أحد بها، ويفضلون إبقائها مقفلة حتى بيعها لاحقا، بحسب الخوري.

وتلفت الطالبة ميراي عبود 21 عاما من مدينة حلب، والمقيمة في دمشق في حديثها لارفع صوتك إلى أن من بقي من المسيحيين في سوريا ليس لديه فرصة ولا المال الكافي للهجرة. "باعتقادي أن أغلب المسيحيين إذا فتح لهم باب الهجرة سيغادرون، وعن نفسي أقول ليتني غادرت من قبل حين صحت لي الفرصة، إذ لم يبق إلا العجزة والفقراء الذين لا يملكون المال للهجرة، ومن يقول غير ذلك مخطئ جدا، وتعد حلب أكبر مثال على ذلك" تقول ميراي.

أما ريتا جرجس من مدينة حلب، التي تركت سوريا بداية الحرب، وتقيم حاليا في كردستان العراق، فتقول لارفع صوتك أن عدد المسيحيين تضاءل في سوريا بسبب الصراع، وكان هناك محاولات من النظام لتجنيد المسيحيين، وتشكيل فصائل مسلحة لمواجهة الثورة، ولكن كان الخيار الأفضل عند الغالبية هو الرحيل. "مثلا الأرمن الأرثوذكس في حلب رحلوا بمجرد بدء العنف، ومن غير الواضح متى سيعودون، إذا عادوا من الأساس، بينما في الحسكة مثلا تعرض المسيحيون للاضطهاد من المتطرفين أو الاعتداء على الأماكن الدينية فغادروا".

 

 أقلية صغيرة

 

في ذات السياق، أشار بطريرك أنطاكية للسريان الكاثوليك وسائر الشرق، أغناطيوس يوسف الثالث يونان في تصريح نشره السجل الوطني الكاثوليكي National Catholic Register في شهر شباط من العام الحالي، أنه نزوح المسيحيين من الشرق الأوسط ما يزال يشكل مصدر قلق بالغ.

وتحدث البطريرك عن زيارته لمدينتي القامشلي والحسكة، وجولته في المدن الكبرى، واصفا الوضع بالمحزن والسيء للغاية. "من المحزن جدا أن نقول إن المسيحيين قد اختزلوا الآن وأصبحوا أقلية صغيرة، بسبب القمع الذي مورس عليهم من قبل بعض المتعصبين منذ بداية الاضطرابات السورية قبل 12 عاما"، يقول.

وأشار إلى أنه قابل كاهنا يخدم في تلك المنطقة، وأخبره بأنه الكاهن الوحيد، وأنه ليس لديه أكثر من 300 عائلة في تل تمر، حيث دمرت الكنائس، وتم احتلال المنازل من قبل الأجانب".

وأكد يونان أن الوضع مأساوي في هاتين المدينتين الكبيرتين، سواء في القسم التابع لسيطرة النظام أو القسم الذي تسيطر عليه القوات الكردية، إذ يحاول بعض الناس من مختلف الطوائف الفرار، إما إلى كردستان أو العراق أو شمالا إلى تركيا، مبينا أن من يذهب إلى تركيا هم في الغالب مسلمون، بينما يحاول المسيحيون الذهاب إلى كردستان العراق.

وفي القامشلي، حيث تسيطر قوات الإدارة الذاتية على معظم المدينة، فإن الطريقة الوحيدة للسفر خارج تلك المقاطعة هي بالطائرة من مطار القامشلي الواقع تحت سيطرة الروس بحسب يونان.

"إنه لأمر محزن للغاية، يحاول المسيحيون التأقلم مع الوضع، لكن الأمر صعب جدا، لقد حاولنا إلهامهم الشجاعة والأمل، لكن الأمر ليس بهذه السهولة"، يقول.

 كما تحدث يونان عن وضع المسيحيين في أجزاء أخرى من سوريا، مثل دمشق وحلب وحمص، وهي مناطق تخضع لسيطرة للحكومة.

يقول: "لا يمكننا تجاهل أنه كان هناك نزوح كبير للمسيحيين من سوريا بسبب الحرب وبسبب العقوبات، وقانون قيصر، وبسبب المصالح الجيوسياسية للدول القوية. الناس يعانون ندرة في الغذاء والدواء والكهرباء والوقود للتدفئة، وهذا ما أثر بشكل استثنائي على الشباب الذين أصبحوا يائسين".

وقال إنه يشعر بخيبة أمل كبيرة من تعامل الدول الغربية مع الوضع على مدى السنوات ال 12 الماضية.

 

"الوضع أسوأ من أيام الحرب"

 

في حديث لموقع الفاتيكان نيوز، قال المطران عبدو يوحنا عربش رئيس أساقفة حمص للروم الملكيين الكاثوليك، أن مدينة حمص دمرت تمامًا مع بداية الحرب، ودمرت جميع المنازل ولم يتبق سوى 20 مسيحيًا في المدينة بأكملها.

ويضيف أنه عاد إلى حمص بعد انتهاء العمليات العسكرية في المدينة عام 2014، وبدأت عملية إعادة إعمار المنازل المدمرة وبناء مقر إقامة الأسقفية ولاحقا الكاتدرائية، وهذا ما سمح لعدد من العائلات المسيحية من مختلف الطوائف بالعودة والاستقرار في المدينة.

ويستدرك المطران بالقول، إن الوضع اليوم هو أسوأ مما كان عليه خلال الحرب. "خلال الحرب كانت الأمور أسهل، إذ كانت الحدود مفتوحة مع الأردن ولبنان، ولكن بعدها وبسبب الحصار وعقوبات قيصر، غادرت الشركات الأجنبية سوريا وبقي السوريون يعانون، بسبب الأزمة الاقتصادية والفقر المدقع ونقص الخدمات الصحية وانقطاع الكهرباء، إذ لا يمكن للشباب أن يتخيلوا مستقبلا في بلدهم، وكثير منهم يعانون من الاكتئاب والقلق"، يقول.

واعتبر المطران أن هذا الوضع لا يشجع المسيحيين على العودة، والأسوأ من ذلك أنه ينتهي بإخافة أولئك الذين بقوا حتى الآن، مؤكدا أنه وفي الآونة الأخيرة باعت عشر عائلات كل شيء للذهاب إلى بيلاروسيا.

 

ارفع صوتك

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.