البهرة إحدى الفرق الشيعية التي تفرعت من شجرة التشيع الإسماعيلي، والتي سرعان ما تمكنت من فرض حضورها في كل اليمن والسواحل الهندية الغربية. نلقي الضوء في هذا المقال على تاريخ فرقة البهرة، كما نستعرض أهم ما يميزها اليوم في عالمنا المعاصر.
من هم البهرة؟
تذكر المصادر التاريخية الإسلامية أن الخلاف دب بين أبناء الخليفة الفاطمي المستنصر بالله عقب وفاته في سنة 487ه. تمكن الابن الأصغر أحمد -والمُلقب بالمستعلي بالله- من الوصول للحكم بمساعدة من الوزير القوي الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي بعدما تغلب على أخيه الأكبر نزار. انقسمت الشيعة الإسماعيلية في هذا الوقت بين المستعلية، مؤيدي المستعلي بالله، الذين انتشروا في كل من مصر واليمن والحجاز، والنزارية، مؤيدي أخيه نزار، الذين انتشروا في كل من العراق وإيران.
دب الانقسام مرة أخرى داخل الطائفة المستعلية عقب وفاة الإمام الآمر بأحكام الله بن أحمد المستعلي بالله سنة 524ه. بايع البعض الحافظ لدين الله -ابن عم الخليفة- فعرفوا بالحافظية. أما البعض الآخر فبايع الطيب أبا القاسم بن الآمر والذي كان طفلاً رضيعاً في ذلك الوقت. وعُرف هؤلاء باسم الطيبية. تولى الحافظ الخلافة في مصر. أما الطيب فنقله بعض أتباعه لليمن عند الملكة الحرة أروى الصليحية. يذكر البهرة أن الملكة أخفت الطيب عن الأنظار. وجعلت نفسها نائبة عنه في تولي شؤون الدعوة الإسماعيلية، كما اتخذت لنفسها لقب "كفيلة الإمام المستور: الطيب بن الآمر"، واختارت الذؤيب بن موسى الوادعي ليصبح أول الدعاة المُطْلَقين للإمام المستور.
توفيت الملكة أروى سنة 533ه. وبوفاتها سقطت الدولة الصليحية. وابتعد الطيبيون عن السياسة والحكم واهتموا بالتجارة. يؤمن البهرة أن الإمام الطيب تزوج وأنجب. وأن الإمامة انتقلت إلى أبنائه وأحفاده في الخفاء والستر. من جهة أخرى، تولى الدعاة المطلقون مسؤولية الاهتمام بالدعوة الطيبية ونشرها واحداً بعد آخر في العلن. يتحدث الأديب والمؤرخ المعروف محمد كامل حسين في كتابه "طائفة الإسماعيلية" عن الظروف التي تزامنت مع تشكل فرقة البهرة، فيقول: "هيأت التجارة التقليدية بين اليمن والهند فرصة لنشر الدعوة الإسماعيلية الطيبية في الهند، ولا سيما في ولاية جوجرات جنوب بومبي، وأقبل جماعة من الهندوس على اعتناق هذه الدعوة حتى كثر عددهم هناك، وعُرفت الدعوة بينهم باسم البهرة، وهي كلمة هندية قديمة معناها التاجر".
وقع حدث مهم للغاية في سنة 999هـ. توفي داود بن عجب شاه، الداعي المطلق السادس والعشرون في سلسلة الدعاة الطيبيين. ووقع الخلاف بين البهرة حول تحديد خليفته. اختار بهرة جوجرات داود برهان الدين بن قطب شاه وعُرف أتباعه بـالداودية. أما بهرة اليمن فاختاروا سليمان بن الحسن الهندي. فعُرفوا بالبهرة السليمانية. بقي اسم البهرة لصيقاً بالبهرة الداودية على وجه الخصوص. أما البهرة السليمانية فقد اشتهروا باسم المكارمة.
البهرة حاليا
يتمركز البهرة في شبه القارة الهندية. وتحديداً في مدينة مومباي التاريخية. سلطان البهرة حالياً هو مفضل سيف الدين، وهو الداعي المطلق الثالث والخمسون في سلسلة الدعاة المُعترف بهم عند البهرة الداودية. تولى منصبه عقب وفاة أبيه محمد برهان الدين سنة 2014م، فيما يشغل طاهر فخر الدين بن المفضل منصب ولاية عهد الدعوة.
تتراوح تقديرات أعداد البهرة في العالم بين 900 ألف ومليوني نسمة. وتتركز الأغلبية الغالبة منهم في شبه القارة الهندية، بينما تعيش البقية الباقية منهم في اليمن وشرق أفريقيا والإمارات.
يشتهر البهرة بسعيهم لإقامة العديد من المشروعات الخيرية. على سبيل المثال يُعدّ "المشروع البرهاني للقرض الحسن" أحد أهم المشروعات التكافلية التي اهتم بها سلاطين البهرة في السنوات الأخيرة. يقوم هذا المشروع على رفض الربا والفوائد البنكية والالتزام بتقديم "القروض الحسنة" للمحتاجين من البهرة. كذلك اهتم البهرة بمشروع "فيض الموائد البرهانية" والذي يقدم مئات الآلاف من الوجبات للجوعى والفقراء في شتى الأماكن التي يسكن فيها البهرة حول العالم. لاقت تلك المشاريع ترحيباً كبيراً على الصعيد الدولي. على سبيل المثال، منحت الهند جائزة السلام العالمية سنة 2015م لسلطان البهرة مفضل سيف الدين اعترافاً بمساعيه القيمة وحرصه على تقدم الحريات الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
اهتم البهرة أيضاً بتاريخ أجدادهم من الفاطميين. ظهر ذلك الاهتمام في تخصيصهم مبالغ مالية طائلة للمشاركة في ترميم آثار القاهرة المعزية بمصر. في أبريل الماضي، شارك السلطان مفضل سيف الدين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الاحتفال بافتتاح مسجد الحسين بعد أعمال التجديد الشاملة به. أصدر المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية وقتها بياناً جاء فيه إن "سلطان البهرة له جهود مقدرة في ترميم وتجديد مقامات آل البيت وعدد من المساجد المصرية التاريخية، منها أضرحة السيدة نفيسة، والسيدة زينب، ومسجد الحسين، فضلاً عن الأنشطة الخيرية الأخرى المتنوعة لطائفة البهرة في مصر، بالإضافة إلى دعم صندوق "تحيا مصر".
ومع ذلك، على الصعيد الفقهي، ما زال الكثير من الفقهاء المسلمين يرفضون الاعتراف بالبهرة كإحدى الطوائف الإسلامية التي يجوز التعامل معها والزواج معها. في مصر نفسها، تقول فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية سنة 2014 إن "طائفة البهرة فرقة خارجة عن الإسلام، وحكمهم في التعاملات نفس حكم المشركين في عدم جواز أكل ذبائحهم، وعدم جواز الزواج من نسائهم".
ظهر المعنى نفسه في رد موقع الفتاوى الشهير "إسلام ويب" على سؤال عن حكم الزواج من أحد المنتمين إلى طائفة البهرة. وجاء في الرد "أنها -أي طائفة البهرة- تقوم على أمور كفرية مخرجة عن ملة الإسلام، فإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز الزواج ممن يعتقد مثل هذه العقائد، إذ لا يجوز شرعاً زواج المسلمة من كافر".
البهرة في اليمن
تتراوح أعداد البهرة في اليمن بين 12 ألفا و17 ألفا. يعيش أغلبهم في منطقة حراز والتي تبعد عن العاصمة صنعاء من جهة الغرب حوالي 90 كيلو مترا. أيضاً يتواجد البهرة في أماكن أخرى مثل منطقة همدان التابعة للعاصمة صنعاء، ومحافظات تعز ومأرب وحضرموت وغيرها.
يحتفل البهرة اليمنيون بالعديد من المناسبات والاحتفالات الدينية الخاصة بهم. من أشهر تلك المناسبات الاحتفال بمولد الداعية الثالث حاتم بن إبراهيم المتوفى عام 596هـ. والذي يُعدّ ضريحه الواقع في قرية الحطيب -والمعروف باسم حاتم الحضرات- أهم مزارات الطائفة في اليمن على الإطلاق. يصعد أعضاء الطائفة إلى الضريح المقام على ارتفاع شاهق عبر طريق مدرج في ما يُعرف محلياً بحج البهرة. كما أن سلطان البهرة يأتي بنفسه للمشاركة في الاحتفال. أيضاً يُعدّ يوم الثاني والعشرون من شهر شعبان من كل عام موعداً لتجمع الآلاف من بهرة اليمن. يجتمع هؤلاء حول مقام الملكة أروى الواقع في مدينة جبلة. ويحتفلون بذكرى تلك السيدة التي قدمت الدعم والمساعدة للإمام الطيب عقب وفاة والده.
في محاولة للحفاظ على هويتهم يرتدي البهرة بعض الملابس الخاصة التي تميزهم إلى حد ما عن غيرهم من الفرق والطوائف. "تتكون أزياء الرجال، وإن كانوا يرتدون في العادة الزي اليمني المألوف، من الجبة وهي رداء أبيض أو رمادي مع ارتداء الكوفية البيضاء المزينة باللونين الأحمر والذهبي، فيما ترتدي النساء رداء يشبه أزياء الهنود ويتكون من قطعتين علوية تغطي الشعر وتنسدل على الكتفين حتى الساعد وأخرى سفلية طويلة تغطي الجزء الأسفل من الجسم، مع كشف الوجه، وغالباً ما تكون ملابسهم بلون موحد إما سماوي أو زهري فاتح".
عمل البهرة على ممارسة العديد من مشاريعهم الخيرية في اليمن. على سبيل المثال لعب الدعاة المطلقون أدواراً مهمة في سبيل تخليص اليمن من نبات القات. بدأت فكرة اقتلاع شجرة القات في عام 1961، عندما زار محمد برهان الدين -الداعية المطلق السابق للبهرة- اليمن للمرة الأولى. طُبقت تلك الفكرة بشكل عملي على أرض الواقع في سنتي 2008م و2010م عندما تم اقتلاع 500 ألف شجرة قات في منطقة حراز الواقعة شمالي اليمن. وتم استبدالها بأشجار البن والتفاح واللوز.
على صعيد آخر، لا يبدو أن مسألة السياسة والحكم تشغل اهتماماً كبيراً عند بهرة اليمن. في سنة 2001، رد مندوب سلطان طائفة البهرة في اليمن سلمان رشيد على سؤال حول علاقة طائفته بالحكومة اليمنية وقتها، فقال: "نحن دائماً نفكر كيف نساعد الحكومة. نعم نتلقى دعماً معنوياً من الدولة، ونحن نشكر الرئيس علي عبد الله صالح والحكومة الرشيدة، لأنها تسهل لنا إقامة مشروعات خيرية في أنحاء الجمهورية. أما الدعم المادي فنحن لا نتلقى أي دعم في هذا الجانب من أي حكومة، وما نقيمه من مشروعات فتمويلها من أبناء الطائفة أنفسهم، وهذه المشروعات ليست محصورة بأبناء الطائفة، وإنما لعباد الله". كما رد على سؤال حول المشاركة السياسية للطائفة في اليمن بقوله: "...لا دخل لنا في السياسة ومسألة الأحزاب، فنحن كمواطنين لنا الحق في انتخاب كتلة واحدة، من نشاء: مؤتمر شعبي أو إصلاح أو بعث أو أي حزب، بل نحن كطائفة بهرة لا نتكتل كتلة واحدة لنصوّت لفلان أو لعلان. كل واحد منا لديه كامل الحرية وحسب رأيه أن يشارك في الحياة السياسية في الانتخابات، أما أي شيء يتعدى أشياء أخرى في السياسة فلا نتدخل فيها".
ألقت الأوضاع السياسية المضطربة في اليمن في السنوات الأخيرة بظلالها الوخيمة على البهرة اليمنيين. انقطعت الاجتماعات السنوية لسلطان البهرة بأتباعه في اليمن منذ 2014، كما تم استهداف البهرة من قِبل بعض الجماعات الدينية المتشددة باعتبارهم كفارا غير مسلمين. على سبيل المثال أقدم عناصر من تنظيم داعش في سنة 2015م على محاولة تفجير الضريح الحاتمي في قرية الحطيب، الأمر الذي مثل تهديداً واضحاً على أرواح الآلاف ممن يزورون ذلك الضريح المقدس من أبناء الطائفة.