يحتفل الأكراد في 15 مايو، بيوم اللغة الكردية، والذي يتزامن مع صدور أول مجلة باللغة الكردية في سوريا.

في 15 مايو 1932، أصدر الأمير جلادت بدرخان العدد الأول من مجلة "هاوار"، لتكون بذلك أول مجلة تصدر باللغة الكردية في دمشق وبموافقة الحكومة السورية آنذاك.

وتعني "هاوار" باللغة العربية "النداء" أو "الصرخة".

بعد نحو 74 عاماً جرى استحضار تاريخ صدور المجلة من قبل "المؤتمر الوطني الكردستاني" الذي عقد عام 2006، ليُعتمد يوماً للغة الكردية، في مواجهة محاولات الطمس والإلغاء والصهر التي طالت واحدة من أقدم وأعرق اللغات في منطقة الشرق الأوسط.

ورغم أنه تم استهداف اللغة الكردية على نطاق واسع في العديد من الدول، إلا أن الوضع في سوريا بلغ مستوى استثنائيا، فقد جرى استهداف ممنهج للكردية جعل تعلمها شكلاً من أشكال العمل السري.

تغيّر الوضع بحكم الأمر الواقع بعد عام 2013، حين اعتمدت اللغة الكردية في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا (كردية) لغة رسمية إلى جانب العربية والسريانية، علاوة على ظهور تسامح نسبي في مناطق سيطرة النظام السوري مع اللغة الكردية، ليبدأ بذلك "ربيع اللغة الكردية" كما يسميه الكاتب الكردي السوري، شورش درويش، في حديثه لـ"ارفع صوتك".

 

من التسامح إلى الطمس

 

يعطي صدور مجلة "هاوار" في العام 1932،  واستمرارها حتى 15 أغسطس 1943، ومن ثم إصدار الأمير جلادت بدرخان مجلة "روناهي"، أي النور، في نفس العام، مؤشرا على "تسامح" السلطات آنذاك مع اللغة الكردية.

تاريخ التساهل يحدّده درويش بفترة الانتداب الفرنسي على سوريا (1920-1946)، حيث أفسح الانتداب "ضمن مشيئته المجال أمام تطوّر الحركة الثقافية الكردية"، لكن دون أن يبلغ الأمر مصاف الموافقة على مطالبة الأكراد الأولى في عام 1928، بتدريس اللغة الكردية، وهو ما جعلهم يكتفون بالتعليم الذاتي.

تبدلت الأحوال كلياً مع جلاء الانتداب البريطاني، ونشوء الدولة السورية المستقلة، وبشكل تدريجي جرت مطاردة اللغة الكردية ومحاصرتها وصولاً إلى محاولات طمسها كلياً.

أولى تلك الممارسات تجلت في مرسوم أصدره الرئيس السوري، أديب الشيشكلي، في أعقاب الانقلاب الذي نفذه في ديسمبر 1949.

يقول درويش: "أمر الشيشكلي بإلغاء الأسماء غير العربية للمحال التجارية، وكان يستهدف بشكل مباشر الأسماء الكردية".

ما بدأ في عهد الشيشكلي تدرج ليصبح توجهاً في الدولة السورية ويطبق بشكل "أكثر قسوة خلال فترة الوحدة مع مصر (1958- 1961)"، يضيف درويش.

وترافق صعود حزب البعث إلى السلطة في سوريا عام 1963 مع ممارسات أكثر صرامة ضد اللغة الكردية.

من تلك الممارسات،  يُعدّد درويش: صدور تعليمات من المحافظين (الحكام الإداريين) بمنع منح أسماء كردية للمواليد، ومنع التحدث باللغة الكردية داخل الدوائر الرسمية والمدارس، وتعقب أجهزة الأمن لمن يكتبون باللغة الكردية وسجنهم، وصولاً إلى إحداث تغيير ديموغرافي بنقل عرب الغمر (العرب الذين تم الاستيلاء على أراضيهم عام 1966 لأغراض بناء سد الفرات) وتوطينهم في مناطق الثقل الكردي.

ويرجع درويش تلك الممارسات إلى "خوف نظام البعث من تنامي الهوية الكردية والمشاعر الوطني الكردية، خاصة في المناطق الحدودية المتاخمة للوجود الكردي في العراق وتركيا. لذلك، ختار التعامل معه بحلول شوفينية".

 

"عقارب الساعة لن تعود"

 

خلال تلك العقود "ناضل" الكرد في سوريا للحفاظ على اللغة التي تعد أبرز خصائصهم الثقافية. فظهر نموذج مدارس نحو الأمية التي وقفت خلفها الأحزاب القومية الكردية، إضافة إلى النشرات التي كانت تصدرها باللغة الكردية، كما لعب الأدب الشفاهي المتمثل بالأشعار والأغاني الكردية دوراً في الحفاظ على اللغة.  

يقول درويش: "تعلم اللغة الكردية كان شكلاً من أشكال المقاومة في مواجهة محاولات الطمس والإلغاء. وكان يتم بكثير من السرية داخل المجتمعات الكردية خوفاً من مطاردة الأجهزة الأمنية".

الظهور العلني للغة الكردية في سوريا ترافق مع تأسيس الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بحكم الأمر الواقع في العام 2013. وهو واقع يرجح درويش أن يتم تجاوزه من قبل النظام في المستقبل.

يقول: "إعادة عقارب الساعة فيما يخص اللغة الكردية في سوريا أصبح مستحيلاً"، لكن شكل "التسامح" الذي يمكن أن يقدمه النظام في دمشق مع اللغة الكردية ما يزال غامضاً، خاصة مع مطالبات الأكراد باعتماد اللغة الكردية لغة رسمية في الدستور السوري، في وقت ينص الدستور على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.