A Mandaean Sabian reads a religious scripture on the banks of the Tigris river in Baghdad, Iraq, Monday, Nov. 5, 2007…
هناك مناطق عدّة في العراق يفتقر فيها المندائيّون إلى مكان يمارسون فيه طقوسهم ويؤدّون شعائرهم- أرشيفية

يُعدّ ملف الحريات الدينية واحداً من أهم الملفات التي اهتمت بها كافة الدساتير الحديثة. في سنة 1948م صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ونصّت المادة 18  على أن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حريته في تغير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، ومراعاتها، سواء كان ذلك سراً أم علانيةً". رغم ذلك، لا تزال العديد من الأقليات الدينية الموجودة في البلدان العربية تعاني من صعوبة إقامة دور العبادة الخاصة بها. ما هي أسباب تلك المعاناة؟ وكيف أعاقت النصوص القانونية في الكثير من الدول العربية حق الأقليات في إقامة دور العبادة؟ وما هي أبرز الدول العربية التي تمكنت من تجاوز تلك المشكلة؟

 

العراق

يشهد العراق تنوعاً دينياً كبيراً على أرضه. تعيش في بلاد الرافدين أغلبية مسلمة -تنقسم بين الشيعة والسنة- بالإضافة إلى أقليات مثل المسيحيين بكافة طوائفهم، والمندائيين، والإيزيديين، والبهائيين، فيما تعرّضت الأقلية اليهودية للتهجير من العراق خلال القرن الماضي.

عانت تلك الأقليات كثيراً في زمن حكم النظام البعثي في الفترة الممتدة بين سبعينيات القرن العشرين وحتى السنوات الأولى من الألفية الجديدة. تغير الوضع بشكل كبير عقب سقوط نظام صدام حسين في سنة 2003م. في نوفمبر من تلك السنة، تم الإعلان عن تأسيس ديوان أوقاف الديانات المسيحية والأيزيدية والصابئة المندائية، ليجاور كل من ديوان الوقف السني، وديوان الوقف الشيعي. وبذلك تم الاعتراف بشكل رسمي بحق الأقليات الدينية العراقية في بناء دور العبادة الخاصة بهم. وتم التأكيد على ذلك في المادة الثانية من دستور سنة 2005م. والتي جاء فيها "ضمان الدستور لكامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزديين والصابئة المندائيين".

رغم ذلك، عانت الأقليات الدينية العراقية كثيراً في السنوات السابقة. قامت عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بهدم العديد من الكنائس ودور العبادة الإيزيدية والمندائية أثناء سيطرتها على منطقة الموصل في الفترة من 2014- 2016م. من جهة أخرى اشتكى أصحاب تلك الأقليات من معاملة تمييزية فيما يخص مسألة بناء دور العبادة. على سبيل المثال قالت المديرة العامة للأوقاف المندائية في سنة 2016م: "يشكو المندائيّون من وجود معاملة تفضيليّة تعكس تمييزاً بالنّسبة إلى بناء دور العبادة، ففي حين يمكن بسهولة تشييد جامع أو حسينيّة للمسلمين، يتطلّب بناء دور عبادة للمندائيّين إجراءات إداريّة والاستحصال على موافقات مرهقة. هناك مناطق عدّة يفتقر فيها المندائيّون إلى مكان يمارسون فيه طقوسهم ويؤدّون شعائرهم، وخصوصاً في قضاء القرنة بالبصرة، وفي الكوت - مركز مدينة واسط، وقضاء الصويرة بمحافظة واسط أيضاً، فلا يوجد مندي -دار العبادة المندائية- للمندائيّين في كلّ تلك المناطق، رغم وجود عدد كبير من العائلات المندائيّة هناك والحاجة الماسة إليه لممارسة طقوسهم الدينيّة".

على الجانب الأخر، تعاني بعض الأقليات الدينية في العراق من عدم الاعتراف القانوني بهم. تُعدّ الأقلية البهائية واحدة من تلك الأقليات. تم حظر الديانة البهائية في العراق في سنة 1970م بقرار من النظام البعثي. بعدها بخمس سنوات، تم إصدار القرار رقم 358. والذي قضى بتجميد قيد البهائيين في سجلات الأحوال المدنية. وصادر الكثير من ممتلكاتهم. كما زج بالعديد منهم في السجون. منذ ذلك التاريخ أُغلقت دور العبادة البهائية في العراق بشكل كامل. ليضطر أتباع ذلك الدين إلى ممارسة طقوسهم التعبدية بشكل سري في بعض البيوت.

سوريا

يعدد المفكر السوري الراحل إحسان عباس في ورقته البحثية المعنونة بـ "إدارة التنوع في سوريا" المكونات الدينية والمذهبية في المجتمع السوري. فيقسمها إلى المكون الإسلامي، مثل السنّة والعلويون والدروز والإسماعيليون والشيعة والمرشيديون، والمكون المسيحي الذي يتوزع على إحدى عشر كنيسة مختلفة، فضلاً عن المكونين اليهودي والإيزيدي.

من الناحية القانونية، نص الدستور السوري على احترام كافة المكونات الدينية والطائفية في العديد من مواده. جاء في المادة الثالثة "تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يخل ذلك بالنظام العام...". عملياً، حُرمت بعض من تلك الأقليات من حقها في إقامة دور العبادة. على سبيل المثال حاول بعض الإيزيديين في سنة 2002م، إنشاء البيت الإيزيدي في سوريا ليكون بمثابة دار للشعب الأيزيدي لممارسة شعائره وطقوسه الدينية إلا أنه تم رفض الطلب من قِبل السلطات السورية دون تعليل الأسباب، وذلك بحسب ما ورد في تقرير "الايزيديون في سوريا: عقود من الإنكار والتهميش" الصادر في سبتمبر سنة 2022، عن عدد من المنظمات غير الحكومية. من جهة أخرى، تعرضت الكثير من دور العبادة التابعة للأقليات للاستهداف خلال الأحداث الدامية التي عاشتها سوريا في السنوات السابقة. في يوليو 2022م تم الاعتداء على كنيسة آيا صوفيا في ريف حماة من قِبل إحدى الجماعات الإرهابية. في السياق ذاته، تعرضت دور العبادة الأيزيدية في شمالي سوريا للاستهداف من قِبل عناصر تنظيم داعش. كما تم إجبار الدروز في الكثير من قرى محافظة أدلب على التخلي عن خلواتهم -الخلوة هي دار العبادة المعروفة عند الدروز- لتتحول إلى مساجد على يد عناصر تنظيمي داعش وجبهة النصرة.

مصر

تعيش في مصر أغلبية مسلمة بالإضافة إلى أقلية مسيحية كبيرة، وعدد قليل من البهائيين واليهود. أكد الدستور المصري الصادر في سنة 2014م على أن حرية الاعتقاد مطلقة ومكفولة لجميع المصريين. وفرّق الدستور بين الحق في الاعتقاد من جهة، والحق في إقامة الشعائر الدينية من جهة أخرى. جاء في المادة 64 من الدستور "حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون".

على مدار العقود السابقة، تعالت أصوات الأقباط المصريون للمناداة بحقهم في إقامة الكنائس بنفس الطريقة التي يقيم بها المسلمون مساجدهم. كان من المعتاد أن يتم تحويل طلبات إقامة الكنائس لرئيس الجمهورية لينظر فيها ويوافق عليها قُبيل العمل في بنائها. تغير هذا الوضع بدءاً من أغسطس سنة 2016م عندما أُصدر القانون المعروف بقانون بناء الكنائس. نصت المادة الثانية من هذا القانون على مراعاة "أن تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها وملحق الكنيسة على نحو يتناسب مع عدد وحاجة مواطني الطائفة المسيحية فى المنطقة، التي تقام بها، مع مراعاة معدلات النمو السكاني". كما وجه القانون بتقديم طلبات بناء الكنائس إلى المحافظ الذي يدير شؤون المحافظة التي ستبنى فيها الكنيسة. وألزمت المادة الرابعة من القانون المحافظ بالبت في الطلب المُقدم له "فى مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ تقديمه". مثل هذا القانون حراكاً مهماً في قضية بناء الكنائس في مصر. مع ذلك، لم ينص القانون على الإجراء المُتبع عند رفض الطلب. أو في حالة عدم استجابة المحافظ في غضون الإطار الزمني المطلوب.

على الجانب الأخر، لم يحظ البهائيون المصريون بالدعم القانوني الذي حظي به الأقباط في معركتهم لإقامة دور العبادة. انتشرت البهائية بين عدد من المصريين في النصف الأول من القرن العشرين، وظلت المحافل البهائية قائمة بدون أي مشكلة حتى مطلع الستينيات. في سنة 1960م، وبالتزامن مع رواج بعض الأخبار التي تلمح لوجود علاقة بين البهائيين المصريين وإسرائيل، أصدر رئيس الجمهورية المصري الأسبق جمال عبد الناصر قراراً بحل جميع المحافل البهائية في مصر بالقانون رقم 263 لسنة 1960م، وبموجب هذا القرار توقف البهائيون المصريون عن ممارسة شعائرهم الدينية بشكل علني. ولا تزال معاناتهم قائمة حتى اللحظة.

المغرب

تعيش في المغرب أغلبية مسلمة، بالإضافة إلى أعداد من اليهود الذين لم يهاجروا، وبضعة آلاف من المسيحيين من ذوي الأصول الأوروبية والمقيمين الأجانب والمهاجرين من دول أفريقيا والمغاربة المتحولين إلى المسيحية. من الناحية القانونية، أكد الفصل الثالث من الدستور المغربي على أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية". رغم ذلك، لم يحدد الدستور الضوابط المعمول بها لإقامة دور العبادة اليهودية أو المسيحية.

بشكل عام، لا يعاني اليهود المغاربة من التضييق عليهم فيما يخص إقامة دور العبادة. توجد العديد من المعابد اليهودية في المغرب. تستوعب تلك المعابد الأعداد القليلة من اليهود. خصوصاً وأن الحكومة المغربية قامت مؤخراً بإصلاح العديد من المعابد والمؤسسات اليهودية لاستيعاب أعداد متزايدة من الزوار، خاصة بعد تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.

على الجهة المقابلة، يطالب الكثير من المسيحيين المغاربة بحقهم في إقامة الكنائس لإقامة شعائرهم الدينية. خصوصاً وأن أغلب الكنائس المجودة حالياً في المغرب هي كنائس تابعة لجهات أجنبية. في هذا السياق، سلمت التنسيقية الوطنية للمغاربة المسيحيين مذكرة رسمية لمكتب رئيس الوزراء المغربي الأسبق سعد الدين العثماني في إبريل سنة 2017م. كان مطلب إقامة الطقوس المسيحية بالكنائس الرسمية على رأس قائمة الطلبات التي تضمنتها المذكرة.

أُعيد الأمل لطلبات المسيحيين المغاربة مرة أخرى في مارس 2019م. على خلفية التصريحات التي أدلى بها الملك المغربي محمد السادس في خطابه بمناسبة الزيارة الرسمية للبابا فرانسيس للمغرب. قال الملك المغربي في تلك الخطبة: "بصفتي ملك المغرب، وأمير المؤمنين، فإنني مؤتمن على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية... فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية. وأنا المؤتمن على حماية اليهود المغاربة، والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى، الذين يعيشون في المغرب".

عادت قضية إقامة الكنائس إلى الواجهة مرة أخرى في المغرب في مارس سنة 2021م. بعدما اُتهم بعض المسيحيين بتحويل أحد البيوت السكنية إلى كنيسة لإقامة الشعائر المسيحية. طالب وقتها القس آدم الرباطي، رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة بالإسراع نحو إقامة الكنائس، وقال: "أطلب من الدولة تفعيل حرية المعتقد وتأطير المجتمع لتقبّل الآخر؛ فحرية المعتقد أمُّ الحريات، وهي الحرية الوحيدة التي تجعلك تحترم جارك ويحترمك، وإذا فَعَّلَت الدولة هذه الحرية ستكون ثَمَّة أماكن خاصة بعبادة المسيحيين، أما الآن فنحن مضطرون للجلوس في كنائس بيتية".

 

الإمارات العربية المتحدة

تمثل دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً فريداً للتسامح الديني. وذلك بما قدمته من حرية لبناء العديد من دور العبادة لمختلف الأديان التي يعيش معتنقوها على أراضيها. أكدت المادة رقم 32 من الدستور الإماراتي على أن "حرية القيام بشعائر الدين طبقاً للعادات المرعية مصونة، على ألا يخل ذلك بالنظام العام، أو ينافي الآداب العامة". سارعت الحكومة الإماراتية بتحويل المنطوق القانوني السابق إلى حقيقة واقعة. من خلال إقامة العشرات من الكنائس التي تنتمي لمختلف المذاهب والفرق المسيحية. وفي سنة 2012م، تم تأسيس معبد "جورو ناناك داربار" للسيخ في دبي. كذلك أعلنت الحكومة الإماراتية في أكتوبر سنة 2022م عن افتتاح معبد هندوسي في منطقة جبل علي في دبي.

في فبراير سنة 2023م، توجت الحكومة الإماراتية جهودها في هذا الملف عندما وقع الافتتاح الرسمي لبيت العائلة الإبراهيمية في أبو ظبي. حظي هذا المشروع باحتفاء كبير من جانب العديد من المرجعيات الدينية حول العالم. وتضمن هذا البيت كنيس موسى بن ميمون، وكنيسة القديس فرنسيس، ومسجد الإمام الطيب.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد ذوي الإعاقة في العراق فيما تشير التقديرات إلى أنهم يتجاوزون أربعة ملايين. (صورة تعبيرية)
لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد ذوي الإعاقة في العراق فيما تشير التقديرات إلى أنهم يتجاوزون أربعة ملايين. (صورة تعبيرية)

"لا شيء للمعاقين في العراق" يقول محمد الفريجي الذي يسكن محافظة البصرة الغنية بالنفط أقصى جنوبي العراق، عندما بدأ حديثه عن وضع ذوي الإعاقة في بلد النفط والحروب.

يتلقى الفريجي المصاب بعوق ولادي تشتد وطأته كلما تعذر عليه الإنفاق على العلاج. يقول لـ "ارفع صوتك": "إعانة حكومية شهرية بمبلغ 125 ألف دينار (٨٧ دولاراً أميركياً تقريباً)، لا تكفي أجور زيارة واحدة للطبيب".

ويضيف: "تتوزع هموم ذوي الإعاقة في العراق على كل المستويات، فلا بنية تحتية يمكن الاستناد عليها حين نخرج إلى الشارع لقضاء حوائجنا، أو خلال مراجعتنا الأطباء أو المؤسسات الحكومية التي تفتقر أغلبها للمنحنيات المخصصة لتسهيل التنقل بالكراسي المتحركة التي نعتمد عليها".

مثله تماماً يعاني ابن مدينة النجف كريم الغرابي، الذي يسكن في منطقة يصفها بـ "منطقة تجاوز شبه معدومة، تفتقر للخدمات التي يحتاجها الإنسان الذي لا يُعاني من أي عوق، فكيف بالمعاقين".

يعاني الغرابي وهو شاب عشريني مع شقيقيه من عوق ولادي، أفقدهم الرؤيا بشكل شبه كامل. ويقول لـ "ارفع صوتك": "كنت أرتاد المدرسة، لكنني تركتها لعدم توفر الإمكانية المادية، وبسبب تراجع بصيص النور في عيني كلما تقدمت في السن".

قبل ثلاث سنوات كما يقول: "وعدتنا الحكومة العراقية بتوزيع قطع أراض سكنية للمعاقين، وبسبب ضعف الحالة المادية، استدنت مبلغاً لإنجاز المعاملات الرسمية لدى دائرة البلدية، على أمل الحصول على سكن لائق، لكن دون نتيجة حتى اليوم، لعدم وجود تخصيص كما قيل لنا".

وفي بغداد لم يتمكن محمد الجبوري من إيجاد مدرسة مناسبة لولده المصاب بإعاقة تمنعه من المشي وتضطره للاعتماد على كرسي متحرك.

"اضطررت إلى الاكتفاء بتعليمه منزلياً، فالمدارس سواء كانت حكومية أو خاصة، غير مؤهلة للتعامل مع مثل هذه الحالات. غير قادر على الاندماج مع نظرة المجتمع له بالتعامل معه كفاقد للأهلية". يقول الجبوري.

 

لا أرقام دقيقة

 

تتضارب الأرقام الرسمية وغير الرسمية بشأن أعداد المعاقين في بلد صنفته الأمم المتحدة كواحد من الدول التي يوجد فيها "أكبر عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم".

وتذكر المنظمة الأممية: "في بلد يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، يقدر أن أكثر من أربعة ملايين شخص ممن لديهم إعاقة واحدة أو أكثر، بما في ذلك تلك الناتجة عن نزاع مسلح سابق أو حديث. ومن بينهم اللاجئون والنازحون الذين هم من بين أكثر الفئات ضعفا".

"يفتقر العراق إلى إحصاء دقيق رسمي لذوي الإعاقة رغم أهميته" وفقاً لما يقوله وفق تجمع المعاقين في العراق وهي منظمة غير حكومية، موفق الخفاجي لـ"ارفع صوتك".

ويضيف: "لكننا نعتمد في إحصاءاتنا على تقديرات التحالف الدولي للإعاقة لنسب المعاقين الموجودين بشكل طبيعي في المجتمع، والتي تبلغ 10 %، أما الدول التي تشهد حروب ونزاعات، فتصل النسبة فيها ما بين 13-15 %، وهو ما يعني وجود نحو خمسة ملايين من ذوي الإعاقة في العراق".

يقول نائب رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان العراقي حسين عرب لـ "ارفع صوتك" إن "عدد المعاقين في العراق غير معروف بشكل دقيق. لم يتم إحصاء الأعداد، على اعتبار أن البعض لا يُسجل في بيانات الدولة الرسمية، كما لا توجد حتى الآن أتمتة لعمل هيئة ذوي الإعاقة، لذلك".

ويضيف أن "العدد يقدر ما بين مليون ونصف المليون، إلى مليوني معاق أو أكثر، لكن ليس لدينا رقم حقيقي لذوي الإعاقة داخل العراق".

وبحسب مؤشرات الإعاقة للعام 2016 التي نشرت على الموقع الإلكتروني لوزارة التخطيط العراقية، فإن عدد الأسر التي تضم أفراداً معاقين بلغ مليوناً و117 ألف عائلة، أكثر من 621 ألف عائلة منهم ذات مستوى معاشي ضعيف، ويعاني أكثر من 42% منهم أحد أنواع الإعاقة الحركية.

 

البنى التحتية "غير ميسرة"

 

يرى رئيس جمعية المعاقين موفق الخفاجي، أن البنى التحتية غير ميسرة للمعاقين، الذين يواجهون صعوبات في الوصول للخدمات، سواء كانت في الشوارع أو المباني، أو وسائط النقل، وفقاً لقوله.

يتحدث أيضاً عما أسماه "تجاهل" احتياجات ذوي الإعاقة، فوفقاً له، فإن "تصاميم المشاريع الحديثة غير دامجة لذوي الإعاقة، وهذا مخالف لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بهم".

ويضيف: "ما زلنا في قطاع التعليم نعتمد على صفوف التربية الخاصة، ونسعى جاهدين لترويج التعليم الدامج الذي يجعلهم متساوين مع أقرانهم".

توفر الدولة العراقية بعض المكاسب وفق التزامات قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38 لسنة 2013)، الذي يشمل نحو 250 ألفاً من شديدي العوق براتب المعين المتفرغ لخدمته بواقع 170 ألف دينار شهرياً (105 دولار أميركي تقريباً) وفقاً لأسعار الصرف في الأسواق العراقية.

كما أن هناك تخفيضات بنسبة 50‎ % ‎على تذاكر الطيران في شركة الخطوط الجوية العراقية ولمرتين في السنة، وهناك مقعد مخصص في كل قسم لذوي الإعاقة في الدراسات العليا، ويحق لمن نسبة عجزه 50‎ %‎ استيراد سيارة "محورة" معفية من الضرائب.

تذكر المنظمة الدولية للهجرة في تقرير لها بعنوان "الأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات الممثلة لهم في العراق: المعوقات والتحديات والأولويات" أن "ثمة افتقار عام بمعرفة دمج الإعاقة وفهمها، فضلا عن حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة من قبل العائلات والمجتمعات والمعلمين والعاملين في المجال الإنساني والمسؤولين الحكوميين، ونشأت عن ذلك وصمة اجتماعية وتباعد واستبعاد لهؤلاء الأشخاص".

غالبية الأشخاص ذوي الإعاقة كما يقول التقرير: "قد يكون لديهم قدر ضئيل من الدخل، أو عدم وجود دخل على الإطلاق، فحرموا من فرص كسب الرزق مثل التدريب المهني، والتوظيف ودعم تطوير الأعمال. هذا إلى جانب أن الكثير منهم لم يتسن له الحصول على إعانات الحماية المدنية".

ويواجه ذوو الإعاقة صعوبات الوصول إلى خدمات التعليم والأماكن العامة والمواصلات والرعاية الصحية، نظراً لكونها غير مجهزة بما يحتاجون، بالإضافة إلى ذلك فهم يواجهون صعوبات في الوصول إلى الأجهزة المساعدة ووسائل الاتصالات المجهزة، لعدم توافرها وتكلفتها المرتفعة، بحسب التقرير.

 

مطالبات

 

كل الأشخاص الذي يصنفون من ذوي الإعاقة ممن التقاهم كادر "ارفع صوتك" طالبوا بالإسراع في إقرار تعديلات قانون 38 لسنة 2013، بسبب قلة المبالغ المالية المخصصة كإعانات، والتي لا تحفظ كرامتهم، خاصة من كان منهم من ذوي الدخل المحدود، وفقاً لما قالوه.

ولأجل تحقيق التعديلات المطلوبة خرج ذوو الإعاقة لأكثر من مرة في تظاهرات سلمية، طالبوا خلالها كما يقول رئيس تجمع المعاقين موفق الخفاجي: "بتفعيل فقرات عديدة في القانون، وتعديل فقرات أخرى، بسبب وجود أخطاء لا تتفق مع اتفاقية الأمم المتحدة التي يجب أن يلتزم العراق بها".

"كثير من فقرات القانون التي تتضمن منح حقوق لذوي الإعاقة بقيت حبر على ورق". يقول الخفاجي الذي أكد "ضرورة اتخاذ تدابير جادة من أعلى سلطة في البلد وتخصيص ميزانيات كافية لدمج وتمكين وتنميه ذوي الإعاقة، والإسراع بحسم مشكلة تعطيل الحكومة لتعديل أخطاء القانون وتوظيفهم بنسبة 5% في القطاع الحكومي والخاص، وجميعها موجودة ولم تنفذ".

عرض الخاص بذوي الإعاقة للقراءة الأولى والثانية في البرلمان، وكاد أن يمر لولا سحبه من قبل الحكومة العراقية للتعديل، وفقاً للنائب حسين عرب، الذي أشار إلى أن "تعديلات جوهرية وتنظيمية في بعض بنوده، وسيُعاد مرة أخرى إلى لجنة العمل للمناقشة والتصويت".

أهم أسباب سحب القانون كانت بسبب راتب المعين المتفرغ، لأن الحكومة تريد أن تحتسب حجم الأرقام المالية التي تحتاجها للتخصيص، وفقاً لعرب.

وتنص المادة 17 من القانون 38 على منح ذوي الإعاقة إعانة نقدية شهرية تتناسب مع نسبة العجز المقدر من لجنة طبية، وفقاً لقانون شبكة الحماية الاجتماعية. فيما تنص المادة 19 لمن تحّول درجة عجزهم عن تلبية متطلباتهم حق تعيين معين متفرغ من الأقارب الدرجة الأولى أو الثانية على نفقة الحكومة، ويمنح راتباً شهرياً يعادل راتب الحد الأدنى في سلم رواتب الموظفين.

يقول النائب حسين عرب: "راتب العين المتفرغ سيرتفع من 170 ألف دينار عراقي، إلى 260-280 ألف دينار في حال أقر تعديل القانون، بالإضافة إلى العديد من المكاسب المادية والمعنوية في تعديلات القانون من ضمنها التعليم الدامج في المدارس والجامعات الحكومية والأهلية وإصدار هويات خاصة لذوي الإعاقة، وتنظيم عملية تنقلهم بشكل سلس عبر إلزام جميع الدوائر والمنشآت الحكومية والخاصة بتوفير البنية التحتية اللازمة، بالإضافة إلى منح أولوية قانونية في المحاكم العراقية، بحيث تكون قضايا ذوي الإعاقة ذات أولوية".