اشترط الفقهاء المسلمون القدامى اعتناق الإسلام للوصول لتولي منصب رئاسة الدولة (منصب الخليفة حينها). واعتمدوا في ذلك على عدد كبير من النصوص المتواترة والآثار المرفوعة إلى النبي والصحابة. في العصر الحديث، اختلف الوضع كثيرا بعد أن تم تأسيس الدول الوطنية الحديثة، وبعد أن تم اعتماد مبدأ المواطنة. نظمت دساتير تلك الدول الإجراءات الواجب اتباعها للترشح لمنصب رئيس الجمهورية. رغم ذلك، بقي شرط الإسلام قائماً في العديد من الدساتير المعمول بها في الدول العربية.
العراق
يشهد العراق تنوعاً دينياً كبيراً على أرضه. تعيش في بلاد الرافدين أغلبية مسلمة، شيعة وسنة- بالإضافة إلى أقليات مثل المسيحيين بكافة طوائفهم، والمندائيين، والأيزيديين، والبهائيين، وغيرهم.
عمل العراقيون بعد سقوط نظام صدام حسين في سنة 2003م على تقسيم السلطة في بلاد الرافدين بشكل يسمح بتمثيل كل مكون من المكونات الثلاثة الكبرى، وهي الأكراد، والسنة، والشيعة على الترتيب. بناء على ذلك، نص العرف السياسي المتبع منذ إجراء أول انتخابات برلمانية في 2005 على أن منصب رئاسة الجمهورية من حصة المكون الكردي بالبلاد، ورئاسة البرلمان من حصة السنة، ورئاسة الحكومة من حصة الشيعة.
لم يحدد الدستور العراقي ديناً معيناً للمرشحين للمنصب الرئاسي، بينما نصت المادة 68 من الدستور على بعض الشروط الإجرائية المُتعارف عليها مثل الحصول على الجنسية العراقية، وبلوغ 40 سنة، وأن يكون المُرشح معروفاً بالسمعة الحسنة. بناء على ذلك، فلا يوجد أي مانع قانوني لترشيح أي شخص يعتنق دينا غير الدين الإسلامي. الأمر الذي قد يتم تنفيذه على أرض الواقع إذا ما حصل أي كردي أيزيدي أو زرادشتي أو مسيحي على دعم مستقبلي للترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
سوريا
تتعدد المكونات الدينية والمذهبية في المجتمع السوري. ويمكن تقسيمها إلى مكونين رئيسين وهما المكون الإسلامي، مثل السنة والعلويين والدروز والإسماعيليين والشيعة الاثني عشرية والمرشيديين، والمكون المسيحي الذي يتوزع على إحدى عشرة كنيسة مختلفة، فضلاً عن بعض المكونات الفرعية مثل اليهود والأيزيديين.
على الصعيد القانوني، نصت المادة الثالثة من الدستور السوري الصادر سنة 2012م على أن "دين رئيس الجمهورية الإسلام". في المقابل، تجاهل المُشرّع السوري شرط اعتناق الإسلام بشكل كامل في نص قانون الانتخابات العامة لسنة 2014م. والذي جاء فيه في المادة 30 أن المرشح لرئاسة الجمهورية يجب أن يكون في "الأربعين من عمره في بداية العام الذي يجري فيه الانتخاب، ومتمتعاً بالجنسية السورية بالولادة من أبوين متمتعين بتلك الجنسية بالولادة، وألا يحمل جنسية أخرى أو يكون متزوجاً من غير سورية، وكذلك مقيماً لمدة عشر سنوات متواصلة في البلاد".
في مايو سنة 2014م، أعلن محمد جهاد اللحام، رئيس مجلس الشعب السوري، عن تلقي المجلس إشعاراً من المحكمة الدستورية العليا بتقديم سميح ميخائيل موسى طلباً للترشح لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في يونيو من السنة نفسها. وبذلك أضحى موسى أول مرشح مسيحي في الانتخابات الرئاسية السورية.
مصر
تعيش في مصر أغلبية مسلمة بالإضافة إلى أقلية مسيحية كبيرة، وعدد قليل من البهائيين واليهود. بشكل عام، أكدت المادة الثانية من الدستور المصري الصادر في سنة 2014م على أهمية البعد الديني الإسلامي للدولة. جاء فيها: "الإسلام دين الدولة... ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". على الرغم من ذلك، لم ينص الدستور على دين المُرشح لمنصب رئيس الجمهورية. الأمر الذي سمح -نظرياً على الأقل- بترشح بعض الشخصيات القبطية.
على سبيل المثال، في سنة 2009م، أعلن المحامي القبطي ممدوح رمزي عزمه على الترشح للانتخابات الرئاسية التي كان من المُفترض أن تجري في سنة 2011. وقال رمزي وقتها إن "الدستور المصري لم يمنع الأقباط من الترشح لرئاسة الجمهورية، وأنا سأترشح لهذا المنصب لتحريك الملف القبطي، والحصول على حقوقهم المشروعة، لأن حقوق الأقباط لن تأتي عبر الإضرابات والصدامات، بل عبر التفاوض".
في أكتوبر سنة 2011، وبعد اندلاع ثورة يناير، أعلن عادل فخري دانيال، وكيل مؤسسي حزب الاستقامة، أن المجلس الأعلى للحزب اختاره للترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية. وأكد دانيال وقتها أن ترشحه للرئاسة "ينبع من إحساسه بالمعاناة اليومية التي بات المواطن المصري غارقاً فيها. وأوضح أنّ برنامجه يعتمد على محورين أساسيين، هما القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، وبذل كل الجهود لتحقيق العدالة الاجتماعية". بعدها، أعلن دانيال تراجعه عن خطوة الترشح.
لبنان
تتعدد الطوائف الدينية والمذهبية في لبنان. ويمكن القول إن اللبنانيين بشكل عام مقسمون بين كتلتين رئيستين. الكتلة الأولى وهي كتلة الإسلامية، شيعة كانوا أم سنة، والكتلة الثانية، وهي الكتلة المسيحية التي يتوزع أتباعها على مجموعة من الكنائس المختلفة.
يُعدّ لبنان البلد الوحيد بين الدول العربية الذي يتولى رئاسته مسيحيون بحكم عرف دستوري غير مكتوب، منذ "الميثاق الوطني" عام 1943 الذي نظم صيغة تقاسم السلطة في البلاد. ورغم أن اتفاق الطائف، عام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، وضع إلغاء الطائفیة السیاسیة "هدفا وطنيا"، إلا أنه لم يستطع تجاوز نظام المحاصصة في تقاسم السلطة. وما تزال هذه المحاصصة تحكم البلاد إلى اليوم.
الدول المغاربية
تعتنق الأغلبية الغالبة من الشعب الجزائري الدين الإسلامي وفق المذهب السني. ينص الدستور الجزائري بوضوح على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة. وفي هذا السياق، تم التنصيص بوضوح على شرط اعتناق الدين الإسلامي لكل فرد يرغب في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية. جاء في المادة رقم 87 من الدستور أنه "لا يحقّ أن يُنتخَب لرئاسة الجمهوريّة إلاّ المترشّح الّذي: لم يتجنس بجنسية أجنبية، ويتمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية فقط...ويدين بالإسلام".
نلاحظ التوجه نفسه في ليبيا. نص الدستور الليبي الصادر في سنة 2016م على الهوية الإسلامية للدولة. وعلى أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع. اتساقاً مع ذلك نصت المادة 111 من الدستور على أن اعتناق الدين الإسلامي شرط لازم لصحة الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية. لم يكتف المشرع الليبي بذلك فحسب، بل نص كذلك على ضرورة أن يكون المُرشح مولوداً لأبوين مسلمين.
الأمر نفسه يظهر في المدونات القانونية التونسية. جاء في الفصل الثاني من الدستور التونسي الصادر سنة 2014م أن تونس دولة مدنية تقوم على أساس المواطنة. رغم ذلك أكد الفصل رقم 74 من الدستور على أن اعتناق الدين الإسلامي شرط يجب أن يتوافر في كل تونسي يريد أن يترشح لمنصب رئاسة الجمهورية.
السودان
يعتنق 96% من السودانيين الدين الإسلامي، في حين تعتنق أقلية الدين المسيحي. وتتوزع على مجموعة كبيرة من الكنائس. منها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والإثيوبية والأرمنية، فضلاً عن الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية والإنجيلية.
على الصعيد القانوني، حددت المادة رقم 53 من الدستور السوداني الصادر في سنة 2005 الشروط الواجب توافرها في أي مرشح لمنصب رئاسة الجمهورية. لم يتم النص على الدين. وتم الاكتفاء بالشروط الإجرائية المُتعارف عليها كالجنسية السودانية، والإلمام بالقراءة والكتابة، فضلاً عن بلوغ السن القانونية للترشح. بناء على ذلك، لا يوجد أي مانع قانوني لترشح غير المسلم لهذا المنصب. الأمر الذي أشار له حسن الترابي، الأمين العام السابق لحزب المؤتمر الشعبي السوداني عندما قال: "إذا كان هناك مرشح مسيحي نزيه وقادر على مقاومة التأثير الفاسد للمنصب الحكومي، وكان نزيهاً ولن يستخدم نفوذه ضد الآخرين، سأنتخبه".