صورة أرشيفية لأحد عناصر مليشيا "بابليون" أثناء حراسته نصباً مسيحياً دمره تنظيم داعش- تعبيرية
صورة أرشيفية لأحد عناصر مليشيا "بابليون" أثناء حراسته نصباً مسيحياً دمره تنظيم داعش- تعبيرية

دائماً ما تُلمح بعض "الأقليات" (مكونات بنسمة ديموغرافية صغيرة) المجتمعية في العراق إلى "تهميش" تتعرض له، خاصة خلال الانتخابات، وتتحدث بعضها عمن وصل إلى مقاعد "الكوتا" في الانتخابات المحلية أو التشريعية، على أنه "لا يمثلها".

هذه التلميحات أو الشعور  بـ"التهميش" خلق انقسامات داخل هذه "الأقليات"، مثل ما حدث سابقاً من خلافات كبيرة بين الوقف المسيحي وسياسيين مسيحيين، والانقسامات داخل النخبة الإيزيدية، وكذلك الشبكي أيضاً.

تمكنت بعض القِوى إن كانت في إقليم كوردستان العراق، أو مسلحة شيعية في بغداد، من كسب بعض الشخصيات في هذه المجتمعات لصالحها، ودفعت بها إلى الانتخابات التشريعية والمحلية لتكن صوتاً مضافاً إلى أصواتها.

واستحوذت "حركة بابليون" المسيحية (الجناح السياسي لكتائب بابليون المسلحة) بزعامة ريان الكلداني، على أربعة مقاعد كوتا من مجموع خمسة مخصصة للمسيحيين في انتخابات مجلس النواب العراقي عام 2021.

كذلك الحال بالنسبة للإيزيديين الذين اتهموا في أوقات سابقة بعض الأحزاب الكوردية بالاستحواذ على مقاعدهم في مجلس النواب ومجلس محافظة نينوى، والزج بإيزيديين موالين لها.

يقول الناشط المسيحي في مجال حقوق الإنسان و"الأقليات"، كامل زومايا لـ"ارفع صوتك، إن "الكوتا وسيلة تستخدمها الأحزاب والفصائل المسلحة للاستحواذ على أصوات المسيحيين والأقليات الأخرى في العراق".

ويضيف أن "الهدف من ذلك مصادرة مطالب وحقوق الشعب الكلداني السرياني الآشوري، وإحداث تغيير ديموغرافي، من خلال دعم بقاء أقلية أخرى على حساب المسيحيين".

ويرى زومايا أن "الحل لإنصاف المسيحيين يكمن في حصر التصويت لمرشحيهم فقط".

عدم وجود قوائم انتخابية موحدة لهذه "الأقليات" شتت أصواتها، وشتت ممثليها أيضاً، لذا، عادة ما تعتبر الموجودين في البرلمان أو مجالس المحافظات، لا يمثلونها.

حدد قانون الانتخابات العراقي في عامي 2013 و2018 نظام "الكوتا" لانتخاب ممثلي المكونات، في إشارة إلى "الأقليات"، ليصبح ضمن كافة التعديلات التي شهدها القانون في ما بعد.

وخصص 9 مقاعد من مجموع 329 مقعدا هي العدد الكلي لمقاعد مجلس النواب العراقي، لـ"الأقليات"، بواقع 5 مقاعد للمسيحيين و4 موزعة على الإيزيديين والصابئة المندائيين والكرد الفيليين والشبك.

وخصص القانون رقم (4 لسنة 2023)، وهو التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12 لسنة 2018)، 10 مقاعد لـ"الأقليات" من عدد المقاعد الكلي لمجالس المحافظات البالغ 285 مقعدا.

وتُوزع الـ٢٨٥ مقعداً على 15 محافظة باستثناء إقليم كردستان العراق الذي يمتلك انتخابات مستقلة.

 

يعتقد رئيس منظمة "ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية"، رجب عاصي كاكئي، أن "إنصاف الأقليات في الانتخابات القادمة لن يتحقق، إلا بتخصيص سجل لناخبيها".

ويقول لـ"ارفع صوتك" إن "الكوتا صارت بمثابة نقمة على الأقليات".

هل من الممكن حماية المكونات ومنع التطرف في العراق؟
"لقد رأيتهم يركضون هرباً عندما أطلق عليهم النار من سيارة مسرعة. لم أتمكن من معرفة ما إذا كانوا موتى أو لا. لأني حاولت الفرار أيضا ولكن سقوط أمي التي كانت برفقتي على الأرض متأثرة بإصابتها جراء الرصاص جعلني أتوقف".
يتذكر علي كاظم، صباح أحد أيام شهر يوليو/ تموز 2006، عندما كان يبلغ من العمر 25 عاما، حين اصطف مع أمه وعشرات من الأشخاص الآخرين في طابور بالقرب من مصرف حكومي في بغداد، وهم ينتظرون دورهم لاستلام رواتبهم التقاعدية، وأطلق المسلحون النار عليهم

في الشأن ذاته، يبين الباحث في حل النزاعات وشؤون الأقليات، خضر دوملي، أن "الخلل يكمن في نظام الكوتا الموجود في العراق، إذ يفسح المجال أمام الأحزاب الكبيرة والفصائل المسلحة للاستحواذ على المقاعد المخصصة للأقليات بشكل قانوني".

ويشير خلال حديثه لـ"ارفع صوتك" إلى "وجود خلل تشريعي في قانون الانتخابات الذي يفسح هو الآخر المجال أمام الأحزاب والجماعات المسلحة التي تستخدم كل الوسائل في سبيل السلطة والنفوذ، ومقاعد الأقليات واحدة من تلك الوسائل".

ويحذر دوملي من أن "يؤدي التهميش إلى تفتت المجتمعات العراقية، وفقدان الأقليات الثقة بالسلطات الثلاث، باعتبارها غير جادة في معالجة التحديات والقضايا والقوانين التي تخص حقوقها، بالتالي، فإن المزيد من الإهمال، قد يزيد هجرتها".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.