صورة أرشيفية لإحدى جلسات البرلمان في كردستان العراق، أربيل- ا ف ب
صورة أرشيفية لإحدى جلسات البرلمان في كردستان العراق، أربيل- ا ف ب

أثارت قرارات المحكمة الاتحادية العراقية بعدم دستورية بعض من مواد قانون انتخابات برلمان كردستان الجدل؛ كونها ألغت 11 مقعداً من مقاعد كوتا الأقليات وقسمت الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية، الأمر الذي اعتبره ممثلو الأقليات "غمطاً" لحقوقهم.

وكانت المحكمة أصدرت عدة قرارات، الأربعاء الماضي، بشأن قانون انتخابات إقليم كردستان، تضمنت أن تحل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات محل الهيئة العليا لانتخابات برلمان كردستان من أجل الإشراف على الجولة السادسة لانتخابات البرلمان وإدارتها.

وشملت القرارات تقسيم إقليم كردستان إلى أربع دوائر انتخابية، وتقليص عدد مقاعد برلمانه من 111 مقعدا إلى 100 مقعد، بعد أن قضت بعدم دستورية عدد مقاعد الكوتا.

هل يحل قرار المحكمة الاتحادية أزمة رواتب موظفي كردستان؟
أثار قرار المحكمة الاتحادية بشأن توطين رواتب موظفي إقليم كردستان العراق ردود فعل متباينة، ففي الوقت الذي ترى الحكومة أنه "انتهاك" لحقوقها الدستورية، يرى مختصون أن من شأن القرار تحقيق المساواة بين موظفي الدولة العراقية بالكامل وإنعاش اقتصاد الإقليم.

يقول أستاذ القانون الدستوري في كلية القانون بجامعة بغداد مصدق عادل إن جميع قرارات المحكمة الاتحادية باستثناء فقرة واحدة وهي المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية "من اختصاص برلمان إقليم كردستان"، على اعتبار أن مجلس النواب العراقي قام بتقسيم دوائره الانتخابية بموجب قانون من المجلس، وينطبق الأمر ذاته على انتخابات الإقليم.

ويضيف لـ"ارفع صوتك" أن المحكمة عندما قامت بهذا التقسيم "كان هدفها التداول السلمي للسلطة وكفالة حق الانتخابات بهذا القرار، وهو وإن كان يحمل جانبا سياسية ولكنه ينسجم مع روح الدستور".

وأجرى إقليم كردستان خمس دورات انتخابية للبرلمان (1992- 2005- 2009- 2013- 2018)، وتم تمديد الأخيرة لمدة عام واحد، إلا أن المحكمة الاتحادية حكمت بعدم دستورية ذلك.

 

"تراجع في الشراكة الوطنية"

من جهته، يقول رئيس حزب "ائتلاف الرافدين" يونادم كنا أن قرارات المحكمة تشكل "غمطاً لحقوق مكون أصيل وأساسي من مكونات العراق".

ويضيف "يبدو أن القرار جاء بعد إخفاء بعض المعلومات والحقائق بشكل متعمد عن المحكمة الاتحادية لتذهب باتجاه تعديل القانون بهذه الطريقة"، على حدّ تعبيره.

ويوضح كنا لـ"ارفع صوتك" أن نظام الانتخابات في إقليم كردستان تم وضعه عام 1992 بحكم سلطة الأمر الواقع التي كانت فيها القيادة بيد الجبهة الكردستانية. وفي البداية خلا من مقاعد الكوتا وقبل التوقيع تمت إضافة هذا الأمر كملحق والتصويت على 105 مقاعد من ضمنها خمسة مقاعد لكوتا المسيحيين في نيسان 1992.

يشار إلى أن قانون انتخابات إقليم كردستان تم تعديله مرات عدة منها عام 2009 حين أضيفت خمسة مقاعد للتركمان ومقعد للأرمن، ليرتفع العدد من 105 مقاعد إلى 111 مقعداً.

"المحكمة الاتحادية ليس لديها أي موقف ضد الأقليات العراقية، لذلك سنسعى لمعالجة الأمر في الأيام القادمة لاستعادة هذا الحق الدستوري الذي مارسناه طوال 33 عاماً"، يتابع كنا.

وحول الخطوات التي سيقوم بها ممثلو الأقليات في هذا الشأن، يقول كنا إنها ستتضمن "التشاور مع المحكمة الاتحادية لعلاج الإرباك الذي حصل دون قصد، وإيضاح المعلومات التي تم إخفاؤها لإعادة العمل بنظام الدائرة الواحدة ومقاعد الأقليات" .

ويشير إلى أن مجتمعات الأقليات "متشظية في مناطق الإقليم واعتماد الدائرة الانتخابية الواحدة يخدم الأقليات أكثر من الدوائر المتعددة".

ويعتقد كنا أن تنفيذ هذه القرارات سيُعدّ "تراجعاً كبيراً في الشراكة الوطنية وفي مفهوم الديمقراطية"، وهذا أمر "لن نقبل به" كما يقول.

 

القرارات "قاطعة"

عطفاً على حديث كنا، يقول الخبير القانوني علي التميمي" "لا توجد إمكانية لتعديل قرارات المحكمة الاتحادية، وأي دعوى قضائية لا يتم البت بها إلا بعد توفر شرط وجود مصلحة وسبب دستوري مقنع للقضية، ما يعني أن المحكمة تعاطت مع الطلبات وفق القانون".

ويضيف التميمي لـ"ارفع صوتك"،  أن المحكمة الاتحادية "لم تتعدّ الشروط الدستورية، لأن من مهامها وفق المادة 93 من الدستور العراقي تفسير مدى دستورية القوانين والأنظمة، وإذا ما وجدت أن هناك قوانين مثل الانتخابات تخالف الدستور فإن من حقها إبطالها".

ويشرح أن المحكمة تعمل وفق قانون (رقم 30 لسنة 2005) ووفق نظام داخلي، ويتم التصويت على القوانين من قبل تسعة أعضاء اثنان منهم من إقليم كردستان، إما بالإجماع أو الأغلبية.

"ولهذا، فالأحاديث السياسية تمثل وجهات نظر السياسيين وليس المحكمة"، يتابع التميمي.

وحول إمكانية استئناف أو إعادة رفع قضية من جديد من قبل أبناء المكونات العراقية التي تعتبر نفسها متضررة من القرار، يقول التميمي إن قرارات المحكمة الاتحادية "قاطعة وباتة وغير قابلة للطعن أو التمييز والاستئناف وواجبة التطبيق في إقليم كردستان والعراق ككل. وفي حال رفع قضية جديدة فإن المحكمة ستردها لأنه لا يحق تقديم الدعوى مرتين".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.