شابات من الأقلية الشركسية  في الأردن يؤدين رقصة فولكلورية في المسرح الجنوبي خلال مهرجان جرش.
شابات من الأقلية الشركسية في الأردن يؤدين رقصة فولكلورية في المسرح الجنوبي خلال مهرجان جرش.

خاض الشركس، بين عامي 1763 و1864، حربا طويلة ضد جيوش روسيا القيصرية. انتهت الحرب بهزيمتهم، فتم تهجير نحو 1.5 مليون شركسي إلى مناطق سيطرة الدولة العثمانية.

والشّركس، أو الأديغة، أحد الشعوب القوقازية، تعود أصوله إلى منطقة شمال القوقاز، بين روسيا وتركيا وإيران.

بعد الهزيمة أمام روسيا وفي طريقهم إلى بلاد اللجوء، غرق الكثير من الشركس في البحر، وتعرض بعضهم لحملات النهب والسلب. و بعد رحلة طويلة، وصلوا إلى تركيا، كما استقر قسم منهم في بعض الدول العربية.

نلقي الضوء في هذا المقال على تاريخ الشركس في البلاد العربية، لنتعرف أكثر على تلك الأقلية الإثنية.

 

العراق

 

يعيش في العراق عشرات الآلاف من المواطنين من ذوي الأصول الشركسية، ولكن لا توجد تقديرات دقيقة لأعدادهم إلا أنهم ينتشرون في عدد كبير من المدن ويتمركزون أكثر في كركوك والسليمانية وأربيل، كما يتحدث الكثير منهم اللغة الأديغية.

في القرن السابق، تمكن العديد من الشراكسة العراقيين من الوصول لمراتب سامية في الدولة العراقية. على سبيل المثال، تولى حكمت سليمان منصب رئاسة الوزراء لفترة قصيرة أثناء الحكم الملكي للعراق، وكذلك اشتهر القائد غازي الداغستاني، والذي كان أحد قادة الجيش العراقي في حرب عام 1948.

تبدل الحال بعد وصول النظام البعثي إلى السلطة، إذ لم يسمح البعثيون بظهور الاختلافات الدينية والإثنية فقاموا بتهميش الكثير من الأقليات، وكان الشركس بينها.

عانى الشركس آنذاك من غياب التمثيل السياسي الخاص بهم في الدوائر البرلمانية والمؤسساتية. ولم تُخصص لهم حصة في البرلمان أو الحكومة على غرار باقي الأقليات الإثنية والدينية.

في سبتمبر 2021، خاض شركس العراق غمار العمل السياسي للمرة الأولى منذ 2003، فرشحوا السياسي المستقل أحمد كتاو، لخوض الانتخابات النيابية عن مدينة كركوك.

وعد كتاو في حملته الانتخابية بـ"ضمان التمثيل السياسي والثقافي للشركس ولمختلف المكونات العراقية دون إقصاء أحد"، لكنه لم يفز في الانتخابات. ولا يزال الشركس يبحثون لأنفسهم عن مكان داخل أسوار البرلمان العراقي.

 

الأردن

 

يعيش في الأردن أكثر من 100 ألف مواطن من ذوي الأصول الشركسية، ويقطنون في العديد من مناطق العاصمة عمّان ومدينة الزرقاء.

اشتهر العديد منهم في مجالات عدة. فكان الشيخ عمر لطفي أول من تولى منصب المفتي العام في الأردن في عشرينيات القرن الماضي، والقاضي عمر حكمت جانخوت، أول وزير للعدلية في الأردن، وسعيد المفتي الذي شغل منصب رئيس وزراء الأردن أكثر من مرة، فضلاً عن المخرج والروائي المعروف محيي الدين قندور.

تبدو أوضاع الشركس في الأردن جيدة إلى حد بعيد، وأُسندت إلى الكثير منهم مهمة حراسة القصور الملكية، وخُصصت لهم ثلاثة مقاعد في مجلس النواب الأردني بموجب نظام الكوتا، كما درج العرف السياسي الأردني على إسناد حقيبة وزارية لشخصية شركسية في كل حكومة يجري تشكيلها.

"الأقلية الأكثر علمانية".. كيف عاش الإسماعيليون الثورة السورية؟
الإسماعيلية هي الجماعة الشيعية الأكبر بعد الاثني عشرية، ويمتد وجودها إلى أكثر من 25 دولة، كما يقدر أتباعها بحوالي 12 مليونا، ينتشرون في آسيا الوسطى وجنوب آسيا والصين وإيران وكينيا وسوريا واليمن، وبعض دول القارة الأوروبية، كما يوجدون في أميركا أيضا.

من جهة أخرى، سمحت الدولة الأردنية -منذ وقت طويل- بتأسيس مجموعة من المؤسسات المختصة بحماية مصالح الشركس الأردنيين. على سبيل المثال، في سنة 1932، تأسست "الجمعية الخيرية الشركسية في الأردن"، وهي مؤسسة غير ربحية تهدف إلى الحفاظ على تقاليد وعادات الشعب الشركسي.

كذلك تأسس "مجلس العشائر الشركسي" في ستينيات القرن العشرين. ويتكون من مجموعة من الأعضاء المُنتخبين من قِبل العشائر الشركسية المختلفة، يتم تعيينهم بمرسوم ملكي، ويهتم المجلس بالتقريب بين وجهات النظر في حال وجود خلافات بين العشائر الشركسية.

لم ينس الشركس أصولهم وهويتهم رغم اندماجهم في المجتمع الأردني، ظهر ذلك جلياً في ميادين الأدب والسياسة.

في العام 1993، نشرت الكاتبة الأردنية الشركسية الأصل زهرة عمر روايتها الشهيرة "الخروج من سوسروقة: رواية الشتات الشركسي"، التي تُعدّ إحدى أهم الروايات الأردنية التي كُتبت في حقل أدب الأقليات.

 

سوريا

استقر الشركس الذين قدموا إلى سوريا في القرن التاسع عشر الميلادي في مواضع متفرقة من الجولان ومنبج وحمص ورأس العين، وتمتعوا بحقوق المواطنة في الدولة السورية، فوصل العديد منهم إلى مراتب عالية في الجيش السوري، مثل اللواء عواد باغ نائب وزير الدفاع الأسبق، واللواء بسام فروقة وزير الداخلية الأسبق، واللواء بدر الدين رمضان قائد سلاح المدرعات في حرب أكتوبر 1973.

وتميز بعضهم في ميادين الفن والفكر، كالرسام موفق قات، والمفكّر الإسلامي جودت سعيد. حالياً، تُقدر أعدادهم بنحو 100 ألف نسمة.

شارك الشراكسة في الأحداث المهمة التي مرت بسوريا في العقود السابقة. في حرب 1948 مثلاً، شكّل الجنود الشركس كتيبة مقاتلة بقيادة ضابط معروف يُدعى جواد أنزور.

وفي حرب 1967، تغير التوزيع الديمغرافي للشركس داخل سوريا، بعدما أجبرتهم السيطرة الإسرائيلية على هضبة الجولان على الهجرة إلى دمشق وضواحيها.

في السنوات الأخيرة، عانى الشركس في مدينة منبج من الاضطهاد على يد عناصر تنظيم داعش، ما تسبب في هجرة الكثير منهم إلى خارج الأراضي السورية.

من جهة أخرى، عمل شركس سوريا على الحفاظ على هويتهم وتراثهم القديم. في سنة 1948م أسسوا "الجمعية الخيرية الشركسية"، التي لعبت دوراً مهماً في مساعدة الأسر الشركسية الفقيرة واهتمت بالحفاظ على اللغة والفولكلور المتوارث.

 

مصر

 

وجد الشركس في مصر قبل وصول موجة الهجرة الكبيرة إليها عام 1864. يذكر المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" أن السلطان المملوكي المنصور قلاوون أكثر من شراء المماليك الشركس بسبب شجاعتهم وقوتهم في الحروب، فعاش هؤلاء المماليك في أبراج قلعة صلاح الدين ليصبح اسمهم من يومها "المماليك البُرجية"، وآل إليهم حكم الدولة المملوكية في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي حين وصل أحدهم وهو الظاهر سيف الدين برقوق إلى العرش.

ظل الشركس جزءاً من الطبقة الحاكمة في مصر في العصر العثماني وزمن حكم الأسرة العلوية، واشتهر منهم العديد من الأعلام والمشاهير، مثل عثمان رفقي باشا ناظر الجهادية (وزير الحربية) في عصر الخديوي إسماعيل، والفريق عزيز باشا المصري رئيس أركان الجيش المصري أيام الملك فاروق، والملكة فريدة، وهي الزوجة الأولى للملك فاروق.

ومن أبرز الممثلين المصريين من أصول شركسية الذين اشتهروا في الساحة الفنية العربية كذلك، رشدي أباظة، وشويكار، وحسين فهمي.

بشكل عام، تفككت النخبة الشركسية بعد نجاح ثورة "الضباط الأحرار" عام 1952، واندمج الكثير منهم في المجتمع المصري، ولم يتمكنوا من الحفاظ على هويتهم الإثنية المميزة كما فعل أقرباؤهم في بقي الدول العربية.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.