وردت كلمة "كوتا" في العديد من القوانين والدساتير المعمول بها حول العالم. وترجع أصول تلك الكلمة إلى اللغة اللاتينية القديمة، وتعني النصيب أو الحصة. وهي وتشير إلى تخصيص نسبة أو عدد محدد من مقاعد الهيئات المنتخبة مثل: المجالس النيابية والمجالس البلدية وذلك لضمان وصول بعض الفئات إلى مواقع التشريع وصنع القرار.
تنقسم الآراء حول نظام الكوتا. ففيما يرى مؤيدوه أنه يسهم بشكل فعال في تسريع عجلة المشاركة للفئات المُهمشة، يذهب المنتقدون إلى اعتباره نظاماً غير عادل، ومخلا بعامل الجدارة والاستحقاق.
كيف يختلف نظام الكوتا في الدول العربية؟ وما هي أبرز الفئات التي استفادت من تطبيق هذا النظام في العقود الأخيرة؟
العراق
عرف العراق نظام الكوتا في فترة الحكم الانتقالي التي أعقبت سقوط صدام حسين في سنة 2003، حيث اُعتمد النظام وسيلة لإدماج الأقليات الدينية والطائفية التي تم تهميشها في العقود السابقة، والتي لم تُتح لها فرصة التمثيل السياسي بسبب الطابع الحزبي أو العشائري للانتخابات البرلمانية العراقية.
في سياق اعتماد نظام الكوتا البرلمانية، نصت المادة رقم 9 من قانون رقم (4) لسنة 2023 أن عدد النواب البرلمانيين 329 نائباً، منهم 9 نواب تابعين لنظام الكوتا، ويتم توزيعهم في شكل 5 مقاعد مسيحية توزع على محافظات بغداد ونينوى وكركوك ودهوك وأربيل، ومقعد إيزيدي واحد في محافظة نينوى، ومقعد واحد للصابئة المندائيين في محافظة بغداد، ومقعد واحد لطائفة الشبك في محافظة نينوى، فضلاً عن مقعد واحد للكرد الفيليين في محافظة واسط.
من جهة أخرى، تطرقت المادة نفسها لموضوع الكوتا النسائية فأكدت أنه يجب ألا تقل نسبة النساء المرشحات عن نسبة 25 بالمئة من القائمة الانتخابية، واشترطت عند تقديم القائمة أن يُراعى تسلسل النساء بنسبة امرأة بعد كل ثلاثة رجال، كما نصت على أن نسبة تمثيل النساء لا يمكن أن تقل عن خمسة وعشرين من المائة من عدد أعضاء مجلس النواب.
حقق هذا النظام فائدة كبيرة للنساء وتمكن من إدماجهن بالعمل البرلماني في السنوات السابقة.
على سبيل المثال، في أكتوبر 2021، حصلت النساء العراقيات على 97 مقعداً في البرلمان من أصل 329 مقعداً بنسبة 29.4 بالمئة، وهي أعلى نسبة حققتها المرأة العراقية في تاريخها.
من جهة أخرى، نادت بعض الأقليات العراقية بتعديل النظام، كونه لا يحقق معايير العدالة والمساواة، فاعترض بعض النواب الإيزيديين على شكل الكوتا المعمول بها، وذكروا أن تخصيص مقعد واحد للمكون الأيزيدي لا يتناسب وحجم التعداد السكاني للمكون في البلاد والذي يتجاوز 600 ألف نسمة.
ترتدي فائق البالغة 43 عاماً والمعروفة بصراحتها، باستمرار الأزياء
في كردستان، عُرف نظام الكوتا منذ تسعينات القرن الماضي، حيث جرت العادة أن يتم تخصيص 5 مقاعد للمسيحيين، و5 مقاعد للتركمان، بالإضافة إلى مقعد واحد للأرمن.
ظل هذا العرف القانوني متبعاً حتى يناير 2024، عندما أصدرت المحكمة الاتحادية العراقية قراراً بتقليص عدد مقاعد برلمان كردستان العراق من 111 مقعدا إلى 100 مقعد، بعد أن قضت بعدم دستورية عدد مقاعد "الكوتا". وهو القرار الذي لاقى اعتراضاً من قِبل العديد من الأقليات الموجودة في كردستان العراق.
لبنان
لا تعرف لبنان نظام الكوتا بمفهومه الاعتيادي المستخدم في باقي الدول العربية. يقوم النظام الانتخابي في لبنان على توزيع الحصص والمناصب بين 18 طائفة دينية مُعترف بها، وتنقسم إلى مجموعات مسيحية وإسلامية وأقلية يهودية.
و بموجب ذلك نظام المحاصصة، يحصل الموارنة المسيحيون على منصب رئاسة الجمهورية، ويحصل الشيعة على رئاسة المجلس النيابي، أما السنّة فيحصلون على رئاسة مجلس الوزراء.
وفيما يخص الانتخابات البرلمانية، يعتمد لبنان نظام الاقتراع النسبي والذي يقوم على الكوتا المذهبية في توزيع مقاعد البرلمان مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين.
وعلى الرغم من اعتماد هذا النظام -منذ فترة طويلة- لخلق حالة من التوازن الطائفي في لبنان، فإن المنظمات والمؤسسات اللبنانية النسوية لم تنجح حتى الآن في تخصيص كوتا للنساء في البرلمان.
منذ استقلال لبنان في سنة 1943م وحتى انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في سنة 1992م، تمكنت امرأة واحدة من الدخول لمجلس النواب.
وفي مايو 2022، فازت 8 نساء فقط بعضوية البرلمان اللبناني من أصل 115 مرشحة، كل ذلك دفع الناشطات النسويات اللبنانيات للمطالبة بتخصيص كوتا للنساء في البرلمان، حيث دعت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية إلى "رفع نسبة التمثيل النسائي إلى ما لا يقل عن 30 في المئة من المقاعد النيابية"، لكن لم تلق تلك الدعوات استجابة من الحكومات المتعاقبة حتى اللحظة.
الأردن
اعتمدت الأردن نظام الكوتا البرلمانية الذي تستفيد منه فئات مختلفة ومن بينها النساء، وبعض الأقليات العرقية والدينية.
يُعدّ المواطنون الأردنيون المنحدرون من أصول شركسية وشيشانية إحدى الفئات المستفيدة من نظام الكوتا. يزيد عدد هؤلاء المواطنين عن 100 ألف نسمة، ويقطنون في العديد من مناطق العاصمة عمّان ومدينة الزرقاء، وخصص لهم القانون كوتا تُقدر بثلاثة مقاعد برلمانية.
الفئة الثانية المستفيدة من الكوتا هم المسيحيون الذين يزيد عددهم على ربع مليون نسمة وخصص لهم القانون 9 مقاعد برلمانية.
أما بالنسبة للنساء، فقد أقر قانون الانتخاب الاردني المساواة بين الرجال والنساء في الترشيح والتصويت للمرة الأولى في سنة 1974م. وفي سنة 1993، وصلت أول أردنية للبرلمان.
في السنوات اللاحقة، حاولت الحكومة الاردنية أن تجد حلاً لتراجع التمثيل النسوي في البرلمان، ولذلك خصصت 15 مقعداً لهن في المجلس.
مصر
عرفت مصر نظام الكوتا منذ فترة مبكرة من تاريخها البرلماني. فبعد ثورة الضباط الأحرار في سنة 1952، أقرت الحكومة كوتا للعمال والفلاحين بنسبة 50 بالمئة من مجموع مقاعد البرلمان.
اتسق هذا القرار مع التوجهات الأيديولوجية الاشتراكية للثورة في تلك المرحلة، وبقي هذا القرار سارياً حتى سنة 2013، عندما أُلغي أثناء المناقشات التي تزامنت مع وضع دستور جديد لمصر.
النساء المصريات أيضاً استفدن من نظام الكوتا، ففي سنة 1979م، تم اعتماد نظام الكوتا النسائية للمرة الأولى، عندما تم تخصيص 30 مقعداً برلمانياً للنساء.
تبدل الموقف في سنة 1986، عندما أُلغيت الكوتا النسائية وتسبب ذلك في انخفاض نسبة التواجد النسائي في البرلمان المصري. ولكن في 2009، عاد العمل بنظام الكوتا عندما أقر مجلس الشعب المصري مشروع قانون لإضافة 64 مقعداً إلى المجلس وتخصيصها للنساء.
في سنة 2014م، تم تعديل وتوسيع نطاق نظام الكوتا في البرلمان المصري بعدما أقرت الحكومة المصرية قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب، حيث نص القانون على تخصيص 21 مقعدا للنساء، و24 للمسيحيين و16 للشباب ومثلها للعمال والفلاحين، في حين تم تخصيص 8 مقاعد لذوي الاحتياجات الخاصة، ومثلهم للمصريين المقيمين في الخارج.
المغرب
تعيش في المغرب أغلبية مسلمة، إضافة إلى أقلية يهودية، وبضعة آلاف من المسيحيين من ذوي الأصول الأوروبية والمقيمين الأجانب والمهاجرين من دول أفريقيا والمغاربة المتحولين إلى المسيحية.
وفي الوقت الذي لم توظف فيه الكوتا لخدمة الأقليات الدينية فإنها اُستخدمت لزيادة تمثيل النساء والشباب.
في سنة 1963، وتزامناً مع إجراء أول انتخابات عرفها المغرب، مُنحت المرأة المغربية حقها في التصويت والترشيح للبرلمان، وفي السنوات اللاحقة لم تتمكن المغربيات من الفوز بالعديد من المقاعد البرلمانية، الأمر الذي مهد لإعطاء المرأة المغربية 30 مقعداً برلمانياً في سنة 2002.
ظل الوضع على ما هو عليه حتى اندلاع ثورات الربيع العربي في سنة 2011، وتحت تأثير تداعيات الثورات العربية أصدر المغرب دستوراً جديداً أكد في الكثير من المواضع ضرورة تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين.
ظهر هذا في الفصل 30 من الدستور, والذي جاء فيه: "ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية"، وتحقيقاً لتلك المادة، تمت زيادة عدد المقاعد المُخصصة للنساء من 30 إلى 60 مقعداً.
ونصت المادة رقم 23 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب على أنه "يجب أن تشتمل كل لائحة ترشيح مُقدمة برسم الدوائر الانتخابية الجهوية على أسماء مترشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد الواجب ملؤها في كل دائرة انتخابية جهوية. وتخصص المرتبتان الأولى والثانية في كل لائحة ترشيحاً حصرياً للنساء".
في السياق نفسه، تم النص على تخصيص 30 مقعداً برلمانياً للشباب الذين تقل أعمارهم عن الأربعين سنة. وبذلك ضمن الشباب والنساء حصة برلمانية لا تقل عن التسعين مقعداً بما لا تقل عن 22% من إجمالي مقاعد مجلس النواب التي تبلغ 395 مقعداً.