In this Friday, Nov. 15, 2019 photo, a Yazidi woman who endured five years of captivity by Islamic State militants poses for a…
سيدة إيزيدية روت شهادتها حول استعبادها لخمس سنوات من قبل تنظيم "داعش" - أرشيفية 2019

أثار إعلان ألمانيا اعتقال زوجين عراقيين بتهمة استعباد طفلتين أيزيدتين والاعتداء عليهما جنسياً، استهجاناً للتهمة نفسها التي تبدو غريبة عن القرن الحادي والعشرين، مع ظنّ الكثيرين بأن العبودية انتهت في العالم.

بمعزل عن تعريفات العبودية الحديثة التي تشمل "العمالة القسرية والزواج القسري وعبودية الدين والاستغلال الجنسي التجاري القسري وتهريب البشر والممارسات الأشبه بالعبودية وبيع واستغلال الاطفال"، فإن التهمة الموجهة إلى الزوجين الذين يشتبه بانتمائهما لتنظيم داعش، تصبّ في المفهوم التقليدي للعبودية الذي كان جزءاً من أدبيات التنظيم الإرهابي وطبّقه خلال احتلاله أجزاء واسعة من سوريا والعراق.  

العام الماضي وفي السياق نفسه، أصدرت محكمة في ميونيخ حكماً بالسجن لـ14 عاماً على امرأة ألمانية انتمت إلى داعش بتهمة استعبادها طفلة أيزيدية عُمرها خمس سنوات وتركها تموت عطشاً.

وقبلها حكمت محكمة ألمانية بالسجن تسع سنوات وثلاثة أشهر على عضوة أخرى في داعش، ومن بين التهم الموجهة إليها استعباد امرأة أيزيدية تبلغ من العمر 22 عاماً.

وفي عام 2019 تحدثت امرأة أيزيدية لوكالة أسوشيتد بريس كيف تحملت خمس سنوات من الأسر من قبل مسلحي داعش.

وروت "ضربوني وباعوني وفعلوا بي كل شيء"، واغتصبها قرابة عشرة ممن استعبدوها على مدى سنوات من اختطافها، وكانت "مملوكة"، كما قالت لزعيم داعش أبو بكر البغدادي لعدة أشهر قبل أن "يهديها" إلى أحد مساعديه. وتم إطلاق سراحها في عملية أمنية قادتها الولايات المتحدة في مايو 2019.

 

"شرعنة" العبودية

يفرد الباحث فؤاد جرجس مساحة من كتابه "داعش إلى أين؟ جهاديو ما بعد القاعدة"، للإضاءة على استعباد التنظيم الإرهابي للنساء الأيزديات.

ويبين أن التنظيم أخضع آلاف النساء الأيزيديات بالقوة لاستعباد جنسي. وأن الفتيات والنساء اللواتي المختطفات، أُدخلن كجزء من "التجارة الجنسية، حيث كان يتم بيعهن وشراؤهن وفق إرادة قسم الغنائم الحربية وبتوقيع محاكم إسلامية"، بحسب وثائق عُثر عليها بعد غارة للقوات الأميركية الخاصة على قاعدة لداعش قُتل فيها مسؤوله المالي المدعو "أبو سيّاف".

ويضيف جرجس أن الأيزديين بحسب أيديولوجية داعش "لا يؤمنون بإله واحد وأسوأ من ذلك، هم من عبدة الشيطان، بالتالي لا يستحقون أن يُعاملوا كما يُعامل أهل الكتاب، من المسيحيين واليهود، الذين في وسعهم الاستغفار عن آثامهم وتركهم أحراراً وإجبارهم على دفع الجزية".

من هنا يبرر التنظيم، كما يقول جرجس، قتل الأيزيديين أو تحويلهم بالقوة عن دينهم واستعباد نسائهم، بالتالي فإن "تورط داعش في تجارة الجنس واستعباد الفتيات والنساء من الجماعة الأيزيدية الصغيرة، ليس بدافع ممارسة السلطة أو الهيمنة الذكورية فحسب، بل بادعاء الحمية الدينية، عبر الزعم بأنهم يطبقون تكليفاً شرعياً في محاولة لإظهار نقائهم الديني وأصوليتهم".

ولإضفاء صبغة شرعية على هذه الأعمال، عمم داعش مدونة حملت عنوان "قواعد الخالق حول أسر السجناء والاستعباد"، يدعو فيها إلى "معاملتهم باللين والحزم معاً"، ومن هذه القواعد "عدم فصل النساء عن أطفالهن". لكن المدونة تسمح أيضاً لمقاتلي التنظيم بممارسة الجنس مع "الإناث المستعبدات" كما يوضح جرجس.

ويتطرق داعش إلى استعباده النساء في مقالات ظهرت في مجلته "دابق" وفي أفلامه الدعائية. ففي مقال بعنوان "إحياء الاستعباد قبل قيام الساعة"، يزعم التنظيم أنه "يمكن استعباد النساء الأيزيديات بخلاف نساء المرتدين (الشيعة) حيث يفتي غالب العلماء أنه بالإمكان منحهن فرصة التوبة فإذا أبين فدونهن السيف".

ويكمل المقال "بعد الأسر تقسّم النساء والأطفال الأيزيديين وفق الشرع بين مقاتلي الدولة الإسلامية الذين شاركوا في عمليات سنجار ويرسل خمس العبيد إلى سلطات الدولة الإسلامية".

 

"تسعير النساء"

ينقل جرجس في كتابه عن مستشارة الأزمات في منظمة العفو الدولية دوناتيلا روفيرا، قولها إن "أهوال العنف الجنسي والاستعباد الجنسي دمرت حياة مئات النساء والفتيات الإيزيديات".

كما ينقل عن زينب بنجورا، مبعوثة الأمم المتحدة التي حققت في حالات العنف الجنسي والاستعباد الجنسي، أن هناك فعلاً "لائحة أسعار حدد داعش فيها أسعار بيع النساء، كما لو كنّ براميل بترول" بحسب تعبيرها.

وتشرح مثلاً، أن "سعر طفل أو طفلة ما بين سنة واحدة وتسع سنوات حدد بـ165 دولاراً أميركياً، والفتيات تحت سنّ العشرين بـ124 دولاراً، وأقلّ من ذلك لمن هنّ فوق العشرين من العمر".

في كتابها "زوجات عبدات وعرائس: النساء تحت حكم داعش"، تتحدث الباحثة والصحافية الهولندية جوديت نوريك عن تفاصيل عمليات بيع النساء من قبل داعش "كعبدات"، حيث "أبقى الخجل تفاصيل تلك العملية مخفية عن العالم الخارجي لفترة طويلة. ولم يتم الكشف عن إجبار الشابات على خلع ملابسهن ثم فحصهن مهبليًا إلا بعد حوالي عشرة أشهر من عمليات الاختطاف، عندما أخبر ممثل للأمم المتحدة موقع ميدل إيست آي عن هذا النوع من الفحوصات".  

تقول إن "داعش أراد أن يحدد من خلال هذا الفحص ما إذا كانت الفتيات ما زلن عذراوات، وهو ما سيحدد سعرهن في سوق العبيد".

وتستشهد نوريك برواية ناجية أيزيدية تدعى غزالة (اسم مستعار) عُمرها 28 عامًا لراديو "ليبرتي" حول كيفية قيام مقاتلي داعش باختيار "عبيدهم"، بأنهم كانوا "في كل ساعة يأتون؛ اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة من مقاتلي داعش، ومعهم عصيّ كبيرة يأمروننا بالوقوف، ومن ترفض التجاوب تتعرض للضرب".

وتضيف الناجية: "عندما يقع الاختيار على فتاة منّا يقوم المقاتل بسحبها إلى الحمام لفحصها قبل أن يدفع ثمنها. بحيث يجردونها من ملابسها، وإذا أعجبتهم، يشترونها".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.