أثار إعلان ألمانيا اعتقال زوجين عراقيين بتهمة استعباد طفلتين أيزيدتين والاعتداء عليهما جنسياً، استهجاناً للتهمة نفسها التي تبدو غريبة عن القرن الحادي والعشرين، مع ظنّ الكثيرين بأن العبودية انتهت في العالم.
بمعزل عن تعريفات العبودية الحديثة التي تشمل "العمالة القسرية والزواج القسري وعبودية الدين والاستغلال الجنسي التجاري القسري وتهريب البشر والممارسات الأشبه بالعبودية وبيع واستغلال الاطفال"، فإن التهمة الموجهة إلى الزوجين الذين يشتبه بانتمائهما لتنظيم داعش، تصبّ في المفهوم التقليدي للعبودية الذي كان جزءاً من أدبيات التنظيم الإرهابي وطبّقه خلال احتلاله أجزاء واسعة من سوريا والعراق.
العام الماضي وفي السياق نفسه، أصدرت محكمة في ميونيخ حكماً بالسجن لـ14 عاماً على امرأة ألمانية انتمت إلى داعش بتهمة استعبادها طفلة أيزيدية عُمرها خمس سنوات وتركها تموت عطشاً.
وقبلها حكمت محكمة ألمانية بالسجن تسع سنوات وثلاثة أشهر على عضوة أخرى في داعش، ومن بين التهم الموجهة إليها استعباد امرأة أيزيدية تبلغ من العمر 22 عاماً.
وفي عام 2019 تحدثت امرأة أيزيدية لوكالة أسوشيتد بريس كيف تحملت خمس سنوات من الأسر من قبل مسلحي داعش.
وروت "ضربوني وباعوني وفعلوا بي كل شيء"، واغتصبها قرابة عشرة ممن استعبدوها على مدى سنوات من اختطافها، وكانت "مملوكة"، كما قالت لزعيم داعش أبو بكر البغدادي لعدة أشهر قبل أن "يهديها" إلى أحد مساعديه. وتم إطلاق سراحها في عملية أمنية قادتها الولايات المتحدة في مايو 2019.
"شرعنة" العبودية
يفرد الباحث فؤاد جرجس مساحة من كتابه "داعش إلى أين؟ جهاديو ما بعد القاعدة"، للإضاءة على استعباد التنظيم الإرهابي للنساء الأيزديات.
ويبين أن التنظيم أخضع آلاف النساء الأيزيديات بالقوة لاستعباد جنسي. وأن الفتيات والنساء اللواتي المختطفات، أُدخلن كجزء من "التجارة الجنسية، حيث كان يتم بيعهن وشراؤهن وفق إرادة قسم الغنائم الحربية وبتوقيع محاكم إسلامية"، بحسب وثائق عُثر عليها بعد غارة للقوات الأميركية الخاصة على قاعدة لداعش قُتل فيها مسؤوله المالي المدعو "أبو سيّاف".
ويضيف جرجس أن الأيزديين بحسب أيديولوجية داعش "لا يؤمنون بإله واحد وأسوأ من ذلك، هم من عبدة الشيطان، بالتالي لا يستحقون أن يُعاملوا كما يُعامل أهل الكتاب، من المسيحيين واليهود، الذين في وسعهم الاستغفار عن آثامهم وتركهم أحراراً وإجبارهم على دفع الجزية".
من هنا يبرر التنظيم، كما يقول جرجس، قتل الأيزيديين أو تحويلهم بالقوة عن دينهم واستعباد نسائهم، بالتالي فإن "تورط داعش في تجارة الجنس واستعباد الفتيات والنساء من الجماعة الأيزيدية الصغيرة، ليس بدافع ممارسة السلطة أو الهيمنة الذكورية فحسب، بل بادعاء الحمية الدينية، عبر الزعم بأنهم يطبقون تكليفاً شرعياً في محاولة لإظهار نقائهم الديني وأصوليتهم".
ولإضفاء صبغة شرعية على هذه الأعمال، عمم داعش مدونة حملت عنوان "قواعد الخالق حول أسر السجناء والاستعباد"، يدعو فيها إلى "معاملتهم باللين والحزم معاً"، ومن هذه القواعد "عدم فصل النساء عن أطفالهن". لكن المدونة تسمح أيضاً لمقاتلي التنظيم بممارسة الجنس مع "الإناث المستعبدات" كما يوضح جرجس.
ويتطرق داعش إلى استعباده النساء في مقالات ظهرت في مجلته "دابق" وفي أفلامه الدعائية. ففي مقال بعنوان "إحياء الاستعباد قبل قيام الساعة"، يزعم التنظيم أنه "يمكن استعباد النساء الأيزيديات بخلاف نساء المرتدين (الشيعة) حيث يفتي غالب العلماء أنه بالإمكان منحهن فرصة التوبة فإذا أبين فدونهن السيف".
ويكمل المقال "بعد الأسر تقسّم النساء والأطفال الأيزيديين وفق الشرع بين مقاتلي الدولة الإسلامية الذين شاركوا في عمليات سنجار ويرسل خمس العبيد إلى سلطات الدولة الإسلامية".
وحصل على جائزة أفضل مخرج لفيلم وثائقي في مهرجان صاندانس السينمائي. كما
"تسعير النساء"
ينقل جرجس في كتابه عن مستشارة الأزمات في منظمة العفو الدولية دوناتيلا روفيرا، قولها إن "أهوال العنف الجنسي والاستعباد الجنسي دمرت حياة مئات النساء والفتيات الإيزيديات".
كما ينقل عن زينب بنجورا، مبعوثة الأمم المتحدة التي حققت في حالات العنف الجنسي والاستعباد الجنسي، أن هناك فعلاً "لائحة أسعار حدد داعش فيها أسعار بيع النساء، كما لو كنّ براميل بترول" بحسب تعبيرها.
وتشرح مثلاً، أن "سعر طفل أو طفلة ما بين سنة واحدة وتسع سنوات حدد بـ165 دولاراً أميركياً، والفتيات تحت سنّ العشرين بـ124 دولاراً، وأقلّ من ذلك لمن هنّ فوق العشرين من العمر".
في كتابها "زوجات عبدات وعرائس: النساء تحت حكم داعش"، تتحدث الباحثة والصحافية الهولندية جوديت نوريك عن تفاصيل عمليات بيع النساء من قبل داعش "كعبدات"، حيث "أبقى الخجل تفاصيل تلك العملية مخفية عن العالم الخارجي لفترة طويلة. ولم يتم الكشف عن إجبار الشابات على خلع ملابسهن ثم فحصهن مهبليًا إلا بعد حوالي عشرة أشهر من عمليات الاختطاف، عندما أخبر ممثل للأمم المتحدة موقع ميدل إيست آي عن هذا النوع من الفحوصات".
تقول إن "داعش أراد أن يحدد من خلال هذا الفحص ما إذا كانت الفتيات ما زلن عذراوات، وهو ما سيحدد سعرهن في سوق العبيد".
وتستشهد نوريك برواية ناجية أيزيدية تدعى غزالة (اسم مستعار) عُمرها 28 عامًا لراديو "ليبرتي" حول كيفية قيام مقاتلي داعش باختيار "عبيدهم"، بأنهم كانوا "في كل ساعة يأتون؛ اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة من مقاتلي داعش، ومعهم عصيّ كبيرة يأمروننا بالوقوف، ومن ترفض التجاوب تتعرض للضرب".
وتضيف الناجية: "عندما يقع الاختيار على فتاة منّا يقوم المقاتل بسحبها إلى الحمام لفحصها قبل أن يدفع ثمنها. بحيث يجردونها من ملابسها، وإذا أعجبتهم، يشترونها".