يبدأ المسيحيون غدا السبت إحياء "أسبوع الآلام". تحظى أيام هذا الأسبوع بذكرى خاصة في الوجدان المسيحي بسبب ارتباطه المباشر بـ"عيد القيامة"، وهو العيد الأهم والأكثر قداسة بالنسبة للمسيحيين حول العالم.
ما هو أسبوع الآلام؟ وما علاقته بعيد القيامة؟ وما هي أبرز الطقوس المرتبطة بالأسبوع والعيد عند المسيحيين الشرقيين؟
الاختلاف حول التوقيت
يختلف توقيت أسبوع الآلام وعيد القيامة من عام إلى آخر، ويرجع ذلك للطريقة التي تعتمدها الكنائس المسيحية في تحديد الأعياد والتقاويم المقدسة.
في القرن الثاني الميلادي، ناقشت الكنائس المختلفة هذا الأمر، وخلصت الكنائس الشرقية -وعلى رأسها كنيسة الإسكندرية- إلى طريقة خاصة لتحديد أسبوع الآلام سنوياً، تتوافر فيها 3 شروط، هي: أن يوافق عيد القيامة يوم الأحد، وذلك لأنه اليوم الذي وافق قيامة المسيح من الموت بحسب التقليد المسيحي. أما الثاني بأن يكون أسبوع الآلام بعد دخول فترة الاعتدال الربيعي في الحادي والعشرين من شهر مارس، فيما يتمثل الشرط الثالث في أن يأتي أسبوع الآلام بعد عيد الفصح اليهودي.
في هذا اليوم، ذكرى قيام وبعث السيد المسيح من جديد بعد صلبه بثلاثة أيام بحسب
في سنة 325 للميلاد، عُقد مجمع نيقية برعاية الإمبراطور قسطنطين الأول، واتفقت الكنائس المسيحية جميعاً على اعتماد الشروط الثلاثة، بحيث يتم توحيد موعد الاحتفال بعيد القيامة.
ظل ذلك الاتفاق سارياً حتى العام 1582 للميلاد، حين تنبه بابا الفاتيكان جريجوري الثالث عشر لوجود خطأ في تقدير مدة السنة الشمسية بواقع عشرة أيام.
بعد تصحيح الخطأ في التقويم المُعتمد في الكنائس الغربية أصبح الاعتدال الربيعي يأتي في 11 مارس بدلاً من 21 مارس، وصار المسيحيون الغربيون يحددون ميعاد العيد بشكل فلكي ولا يرتبطون في تحديده بعيد الفصح اليهودي.
بالمقابل واصل المسيحيون الشرقيون الالتزام بالشروط الثلاثة التي تم الاتفاق عليها في مجمع نيقية، ليعود الخلاف من جديد على تحديد موعد أسبوع الآلام بين الكنائس الغربية والكنائس الشرقية.
ما هو أسبوع الآلام؟
يُعرف أسبوع الآلام باعتباره الأسبوع الذي سبق قيامة المسيح من الموت، حسب المعتقد المسيحي. ويبدأ بيوم السبت المعروف بسبت لعازر، وينتهي بسبت النور، وبعده مباشرةً يحل موعد أحد القيامة، والذي يُعتبر العيد الأهم للمسيحيين حول العالم.
توجد العديد من التسميات لهذا الأسبوع، ومن أهمها أسبوع "البصخة/ البسخة"، وهي التسمية المشتقة من كلمة البصخة اليونانية الأصل والتي تعني المرور أو الاجتياز.
وقد عُرف هذا الأسبوع بأسبوع الآلام، اشتقاقاً من النص الوارد في إنجيل متى، والذي جاء فيه: "لأن الرب يسوع قد قاسى في هذا الأسبوع آلاماً مرة في نفسه وجسده معاً".
بشكل عام، يرمز كل يوم من أيام هذا الأسبوع لذكرى معينة مهمة مرتبطة بالأيام الأخيرة في حياة المسيح.
وبحسب التقليد المسيحي، فإن يسوع قام بمعجزة إحياء العازر من الموت -بعد أربعة أيام من وفاته- في يوم السبت المعروف باسم "سبت العازر".
وفي يوم الأحد المعروف بـ"أحد الزعف" أو "الشعانين"، يستذكر المسيحيون دخول المسيح لمدينة أورشليم.
أما في يوم الاثنين، والذي يُعرف بيوم السلطان، فقام المسيح بزيارة الهيكل المقدس في أورشليم. ويحكي العهدُ الجديد عن غضبه الشديد بسبب ما شاهده من قيام التجار بالبيع والشراء في الساحة المقدسة للهيكل
وفي يوم الثلاثاء، حاور المسيح عدداً من الكهنة والفريسيين اليهود الذين حاولوا أن يثبتوا جهله، وأشهر ما قيل في تلك المجادلة، إنه عندما سئل أحد الكهنة المسيح عن حكم الجزية، وجواز إعطائها للقيصر الروماني، فإن المسيح رد عليه قائلاً: "إعط لقيصر ما لقيصر، وإعط لله ما لله".
أما في يوم الأربعاء، فاتفق يهودا الإسخريوطي -وهو أحد تلاميذ يسوع- مع زعماء اليهود على الإيقاع بالمسيح مقابل مبلغ من المال.
وفي يوم الخميس، الذي يُعرف باسم "خميس العهد"، اجتمع يسوع مع تلاميذه، وغسل أرجلهم، وتناول معهم العشاء الأخير، والذي كان مكوناً من الخبز والخمر.
وحسب التقليد المسيحي المتوارث، فإن الخبز رمز للحم المسيح بينما الخمر رمز لدمه، في نهاية هذا اليوم تم إلقاء القبض على يسوع من قِبل الجنود الرومان.
أما يوم الجمعة، فيُعرف باسم "الجمعة العظيمة" و"الجمعة الحزينة"، ويعتقد المسيحيون أن هذا اليوم شهد محاكمة يسوع أمام رؤساء الكهنة اليهود. وبعدها حوكم مرة أخرى أمام الوالي الروماني بيلاطس البنطي، وتم إصدار الأمر بصلب المسيح، فاُقتيد بعدها للتعذيب ثم للصلب.
أما آخر أيام الأسبوع، فهو يوم سبت النور والذي نزل فيه يسوع إلى الجحيم ليحرر أرواح الأبرياء ويقودهم إلى الفردوس، وتنتهي كل تلك الأحداث بيوم الأحد الذي يُعرف بـ"أحد القيامة"، والذي شهد قيامة المسيح من الموت وظهوره لمريم المجدلية، وهو اليوم الذي يحتفل المسيحيون فيه بعيد القيامة.
طقوس متوارثة
يعرف المسيحيون الشرقيون العديد من التقاليد والطقوس التي تُمارس بشكل منتظم بالتزامن مع حلول أسبوع الآلام وعيد القيامة في كل سنة.
في العراق وسوريا، يقوم المسيحيون الكلدان والآشوريون والسريان بارتداء الملابس السوداء استشعاراً للحزن المرتبط بآلام المسيح في هذا الأسبوع.
وفي يوم الاحتفال بأحد الشعانين تُدق أجراس الكنائس، وترتفع أصوات المصلين بالترانيم والمزامير والصلوات، ويرتدي الأطفال الملابس الجديدة في هذا اليوم، كما يحملون في أيديهم أغصان الزيتون وسعف النخيل والشموع.
في يوم أحد القيامة، يتم الاحتفال بنهاية أسبوع الآلام من خلال صناعة الكليجة، وهي أقراص من الكعك المصنوع من الدقيق والمحشو بأنواع مختلفة من التمر أو العسل أو السكر أو دبس التمر أو المكسرات، كما يقوم الأطفال بتلوين قشر البيض، ويُعتقد أن هذا الطقس يربط بين خروج الصوص/ الكتكوت من البيضة من جهة، وقيامة يسوع من الموت من جهة أخرى. كذلك، تتبادل الأسر المسيحية الزيارات العائلية. ويتم تزيين المنازل وتنظيفها.
في مصر، يربط الأقباط بين أسبوع الآلام وعيد القيامة من ناحية، وعيد شم النسيم من ناحية أخرى.
عُرف شم النسيم في مصر القديمة قبل انتشار المسيحية بقرون طويلة، وكان -أي شم النسيم- مرتبطاً بالمقام الأول بفترة الاعتدال الربيعي.
وبعد انتشار المسيحية في مصر، في القرن الرابع الميلادي، واجه الأقباط مشكلة في الاحتفال بهذا العيد، لأن الصوم يتعارض مع تناول البيض واللحوم الحيوانية التي تميز الاحتفال بشم النسيم.
في محاولة للتغلب على المشكلة قام الأقباط بتعديل موعد شم النسيم لما بعد انتهاء فترة الصوم الكبير، وتم الاحتفال به في يوم الاثنين الذي يلي يوم أحد القيامة.
ويمارس الأقباط المصريون بعض الطقوس الخاصة خلال أسبوع الآلام، ومن ذلك حمل السعف أمام الكنائس يوم أحد الشعانين، ووضع الكحل على العيون في يوم سبت النور.
في فلسطين، يرتبط أسبوع الآلام ببعض الطقوس المثيرة للجدل والنقاش، من أهم تلك الطقوس معجزة النور المقدس أو النار المقدسة التي يُعتقد المؤمنون بها أنها تخرج من قبر المسيح يوم سبت النور في كل سنة. وحسب المعتقد السائد فإن معجزة النور المقدس لا تقع إلا في وجود بطريرك الروم الأرثوذكس!
في هذا اليوم يدخل البطريرك إلى قبر يسوع المسيح في كنيسة القيامة ومعه مجموعة من الشمعات المطفأة، ويمكث لفترة داخل القبر، وبعدها يخرج البطريرك حاملاً الشمعات المضيئة، حيث يقوم الحضور بإشعال الشمعات الخاصة بهم من شمعات البطريرك.
يعتقد المؤمنون أن نار تلك الشموع لا تحرق ولا تؤذي الجلد ولا تنتج عنها حرق أو سخونة، لأنها نور وليست نارا. ويعتقدون أن تلك المعجزة ترمز لقيامة المسيح من الموت، وأنها تعبر عن نور يسوع الذي بدد به الظلمات، ويحتفي المسيحيون الشرقيون كثيراً بذلك الطقس السنوي، ويعتبرنه معجزة إلهية، فيما يرفضها المسيحيون الغربيون ويعدّونها كذبة وخرافة لا مجال لتصديقها.