أجاز البرلمان العراقي قانوناً يفرض عقوبة سجن تتراوح بين 10 و15 سنة لمن يثبت اتهامه بإقامة علاقة جنسية مثلية. وهي الخطوة التي انتقدتها الولايات المتحدة، ودول أخرى، معتبرة أنها تمثل "تمييزا يضرُّ بالنمو التجاري في البلاد"، فيما وصف ديفيد كاميرون وزير الخارجية البريطاني القانون بأنه "خطير ومثير للقلق".
لا يُعدُّ القانون العراقي الجديد غريباً على المنطقة العربية التي تُجرّم أغلب دولها المثلية الجنسية وتمارس أجهزتها الأمنية قيودا على المثليين.

وبحسب دراسة "العلاقات المثلية في قوانين العقوبات: دراسة عامة عن قوانين الدول العربية" لوحيد الفرشيشي ونزار صاغية، فإن القوانين العربية في مواقفها المعادية للمثليين كثيراً ما عبّرت عنهم بألفاظ أكثر قسوة لتبرير عقابهم، فوصفت بنود القوانين أفعال المثليين بـ"اللواط" و"السحاق" بشكلٍ يُظهر الشكل المتحيّز الذي اتخذته هذه القوانين منهم.
تجريم صريح
بحسب المادة 230 من القانون التونسي فإن ممارسة "اللواط أو المساحقة" تستحقٌّ عقوبة قدرها "السجن ثلاثة أعوام" حتى لو تمت بالتراضي.
وفي يوليو 2020 عاقبت محكمة تونسية رجلين مثليين بالسجن سنتين، أيضأ في سبتمبر 2015 عُوقب 6 طلاب بالسجن 3 شهور لذات التهمة.
أما الجزائر فتنصُّ المادة 388 من قانون عقوباتها لسنة 1966 على أن أي شخص يرتكب "فعلاً من أفعال الشذوذ الجنسي على شخص من نـفـس جنسه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة".
وخلال السنوات الفائتة نفذت أجهزة الأمن حملات منتظمة لاعتقال المثليين. وتعددت تصريحات وزراء عن ضرورة عدم السماح للمثليين بـ"التغلغل داخل المجتمع"
وأعلنت وزارة التجارة العام الماضي تنظيم حملة لمصادرة جميع السلع التي تحمل شعارات مثلية من الأسواق.
أما الكويت، فقد جرّمت المادة 193 من قانونها المثلية الجنسية بين الرجال والنساء ويُعاقب مرتكبها بالسجن مدة تصل إلى 3 سنوات.
وفي 2022، خففت الكويت بعض قيودها بعدما ألغت المحكمة الدستورية المادة 198 التي كانت تجرّم التشبه بالجنس الآخر، والتي استخدمها رجال الأمن لملاحقة المثليين والعابرين جنسياً.
أما في المغرب، فقد نصّت المادة 489 على العقاب بـ"الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وغرامة من 200 إلى ألف درهم" بحق كل مَن يرتكب "الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه".
"ملابس مثلية"!
في 2005، قبضت شرطة دُبي على 26 رجلاً يرتدون ملابس نسائية داخل أحد الفنادق. ورغم أن الشرطة صرحت أنهم لم يُضبطوا وهم يُمارسون فِعلا جنسياً، إلا أن المحكمة أدانتهم بتهمة الشذوذ الجنسي وعاقبتهم بالسجن 5 سنوات.
حادثة شبيهة وقعت بالشارقة كان الحُكم فيها مغايراً بعدما عُوقب 12 رجلاً بحُكم مُخفف بسبب ارتدائهم ملابس نسائية. الأمر نفسه وقع في الكويت بعدما ضُبط شاب لنفس السبب إلا أن المحكمة الكويتية برّأته في 2009 بعدما اعتبر القاضي أن هذه الحادثة لا تنطبق عليها شروط المادة 193.
في يوليو 2022، سحبت الإمارات أحد أعداد مجلة "ماجد" للأطفال بتهمة الترويج للمثلية الجنسية.
وفي 2021، أقدمت السعودية على خطوة مماثلة حينما أعلنت وزارة التجارة حملة لضبط المنتجات "المخالفة للفِطرة".
"التجارة" تراقب وتضبط كافة السلع والمنتجات المخالفة للفطرة السليمة pic.twitter.com/fsYxTR9C9B
— وزارة التجارة | Ministry of Commerce (@MCgovSA) December 23, 2021
ورغم أن عقوبة المثلية بالقوانين السعودية قد تصل إلى الإعدام مثلما فعلت مع 3 شباب في 2002، إلا أن هذه العقوبة لم تعد تُنفذ في السنوات الأخيرة.
ففي 2012 عوقب شاب أدين بالمثلية بالسجن لمدة سنة والجلد 60 مرة.
وفي 2017، اكتفت محكمة سعودية بعقاب مدوّن يمني دافع عن حقوق المثليين بسجنه 10 أشهر مع دفع غرامة 10 آلاف ريال سعودي.
لبنان وسوريا وقطر: "مخالفة الطبيعة"
تتخذ هذه الدول نظرة فضفاضة للمثلية الجنسية فلا تصفها بشكلٍ مباشر في قوانينها التي تنصُّ على تجريم "الأعمال المخالفة للطبيعة".
بحسب المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني فإن "كل مجامعة على خلاف الطبيعة يُعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة". وهي نفس المادة الواردة في القانون السوري مع تغليظ العقوبة حتى "ثلاث سنوات".
سار القانون القطري الصادر عام 1971، هو الآخر، على نفس النهج. ونصت المادتان 200 و201 على عقوبة سجن تبدأ من 5 سنوات وقد تصل إلى 14 سنة لكل مَن "واقع جنسيًا شخصًا خلاف الطبيعة".

وخلال تنظيم كأس العالم 2022 بقطر طمأنت الدوحة المخاوف الأوروبية حول المثليين بعدما أعلنت ترحيبها بـ"الجميع"، رغم التقارير الحقوقية العديدة التي أشارت إلى تعرض المثليين لمضايقات عديدة بقطر تضمنت سجنهم لأسابيع دون محاكمة.
ورغم أن الكثير من رجال القضاء والشرطة يعتبرون أن عبارة "ممارسات مخالفة للطبيعة" تعني تجريماً واضحا للمثلية الجنسية إلا أن استخدامها فتح الباب أمام الكثير من التأويل، وهو ما سمح لقاضٍ لبناني بألا يعتبر هذه المادة تُجرّم المثلية ويعتبرها "ممارسة لحقٍ طبيعي وليست جريمة".
مصر والأردن: لا تجريم صريح
لا يقرّ القانون المصري عقوبة صريحة ضد المثلية الجنسية مكتفياً بالعقوبات الواردة في المادة الأولى من القانون 10 لسنة 1961 التي تجرّم التحريض على "ارتكاب الفجور أو الدعارة ذكراً أو أنثى"، وتعاقب عليها بالسجن مدة تصل إلى 3 سنوات.
بسبب هذه القوانين يُلاحق المثليون في مصر حتى لو لم يتورطوا في ممارسة علاقات جنسية مثلية. ففي سبتمبر 2017 رفع 7 شباب علم المثلية الجنسية ذا الألوان الثمانية خلال حضورهم حفلا موسيقيا لفرقة "مشروع ليلى" أقيم بالقاهرة، فقُبض عليهم بتهمة "التحريض على الفسق".
في العام نفسه نشر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حظراً على نشر قضايا المثليين إلا إذا كانت للتعبير عن "خطأ السلوك وإعلان التوبة عنه". وبحسب تحقيق لـ"بي بي سي" نشرته نهاية العام الماضي، فإن عدداً من رجال الشرطة يجرون حملات منتظمة لملاحقة المثليين عبر استخدام تطبيقات المواعدة عبر الإنترنت.
وفي الأردن، يتابع المثليون قضائيا فإنهم بموجب مواد تُعاقب بالسجن 10 سنوات ضد "الإخلال بالأخلاق العامة".
وبسبب ما جرى بحفل "مشروع ليلى" بمصر مُنعت الفرقة من إقامة حفلٍ بعمّان، كما حُجب موقع مجلة "ماي كالي" (My.Kali) التي اعتنت بتغطية أخبار المثليين في الأردن.
وفي 2020، لاحق الأمن الأردني فتاتين مثليتين جرى تصويرهما خلال حفل زواجٍ لهما أقيم بالأردن. وفي العام التالي، أعلنت دار الإفتاء الأردنية رفضها لأي محاولة "شرعنة" وجود المثليين بالمجتمع.
وقبل إقرار القانون الأخير، كان الوضع في العراق مشابها لما يجري في مصر والأردن.
فوفقاً لما ذكره سلام مؤيد في دراسته "المثلية الجنسية في نطاق القانون الجنائي"، فإنه قديماً عالَج المٌشرِّع العراقي قضية المثلية ضمن الفصل الأول من الباب التاسع الخاص بالجرائم المخلة بالأخلاف والآداب العامة بعدما وضعها بجانب الاغتصاب وهتك العرض.
رغم ذلك، فإن مواد القانون لم تجرّم المثلية الجنسية بشكلٍ واضح وإنما حرّمت فقط الممارسة الجنسية "القسرية".
يقول مؤيد: "لم يجرم المشرع العراقي السلوك الجنسي، ولم يعد بالمثلية الجنسية الطوعية للبالغين جريمة في حد ذاتها، كما تجاهل تجريم المثلية بين الإناث، مما جعل العراق من مصاف الدول التي لا تناهض تشريعاتها المثلية الجنسية مثلها مثل القانون المصري"، وهو الوضع الذي تغيّر مع إقرار القانون الأخير، وبات السجن طويل الأمد ينتظر المثليين بالعراق.