صورة تعبيرية من كنيسة للمسيحيين السريان في مدينة أربيل بكردستان العراق
صورة تعبيرية من كنيسة للمسيحيين السريان في مدينة أربيل بكردستان العراق

مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والسكنية يمتلكها مسيحيّو العراق من بينها أراض تابعة للكنائس، تم الاستيلاء عليها من قبل آخرين، بعضهم متنفذون، في غالبية البلدات والقرى المسيحية داخل إقليم كردستان العراق، وينتظر أصحابها استردادها منذ عقود.

المسألة أثيرت حديثاً، بعدما أعلنت وزارة الداخلية في حكومة كردستان، الاثنين الماضي، عن بدء لجنة التحقيق أعمالها بخصوص التحديّات والمشاكل التي يعانيها المسيحيون في الإقليم، بتوصية من الزعيم الكردي مسعود بارزاني.

وقال رئيس اللجنة عبد الرحمن بيلاف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع عدد من الشخصيات المسيحية، إن حل مشاكل المسيحيين بحسب قانون حماية حقوق المكونات في كردستان (رقم 5 لسنة 2015) الصادر عن برلمان كردستان، يعدّ من أولويات المنهاج الوزاري للكابينة التاسعة لحكومة الإقليم.

وأضاف أن العمل متواصل، بتوجيه وإشراف مباشر من رئيس وزراء كردستان مسرور بارزاني، من أجل إيجاد حلول لمشاكل المسيحيين بعد الاستماع لجميع الشكاوى حتى الشخصية منها، والتحقيق فيها بمشاركة الادعاء العام وهيئة النزاهة في الإقليم.

بحسب بيلاف، فإن المشاكل التي يواجهها المكون في الغالب تتعلق بالأراضي، السكنية والزراعية منها، لافتاً إلى أنها تقع في ثلاث خانات، الأولى تم التوصّل فيها إلى حل، وأخرى قيد المعالجة، وثالثة في مراحل المعالجة الأخيرة.

في المؤتمر نفسه، دعا بيلاف المسيحيين إلى تقديم مطالبهم لمؤسسات الحكومة للبت فيها ومعالجتها.

وتؤكد اللجنة الحكومية الخاصة بمشاكل المسيحيين في الإقليم أن مشكلة الأراضي ومن ضمنها أراضي المسيحيين واحدة من المشاكل المتبقية منذ عام 1958 و"السلطات العراقية المتعاقبة هي التي أحدثتها، مثل قرارات النظام البعثي السابق التي كانت لها تأثيرات على نشوء واقع آخر في العراق" وفق تعبيرها.

"ارفع صوتك" التقى ببعض الناشطين المسيحيين، بينهم روني بنيامين يلدا، مدير منظمة "نالا" للتنمية والإغاثة، الذي يعمل منذ سنوات على ملف استرداد أراضي وعقارات المسيحيين.

يوضح يلدا: "هناك تجاوزات على أراضينا وقرارات قضائية لا تُطبق ولا تُنفذ، بعضها صادر عن محكمة تمييز إقليم كردستان بعائدية هذه الأراضي لسكان القرى المسيحيين ومضى على ذلك حوالي سنتين، إلا أن هذه القرارات لم تُنفذ حتى الآن، ومازال المتجاوزون يمتنعون عن إعادتها، كما لا يوجد أي إجراء ضدهم لأنهم أناس متنفذون من الصعب التعامل معهم".

تقع غالبية المساحات المتجاوز عليها في محافظة دهوك بالمرتبة الأولى ثم محافظة أربيل، ومن بين هذه الأراضي التي يذكرها يلدا، أراض وكنائس عائدة لوقف الكنيسة، إضافة لمقابر تعرضت للتجريف وأقيمت فوقها مبانٍ، عدا عن وجود حالات فرز أراضي الوقف المسيحي وبيعها.

يتساءل يلدا عن كيفية تمكن هؤلاء الأشخاص من بيع الأراضي التي استولوا عليها، رغم صعوبة آلية البيع قانونياً، مردفاً "حتى سيدنا المطران لا يستطيع بيعها دون موافقة المحكمة".

وبالنسبة للجنة التحقيق، لا يعوّل الناشط المسيحي عليها كثيراً، موضحاً بأنه لن يقتنع بجدواها إلا إذا شاهد فعلياً عودة الأراضي لأصحابها المسيحيين.

يتابع يلدا: "هذه المشاكل موجودة منذ 30 سنة. كانت هناك وعود ولجان أخرى، لكنها لم تُعِد شبراً من الاراضي المتجاوَز عليها، واستمرار ذلك من شأنه تهجير المسيحين خارج العراق".

من داخل إحدى كنائس العاصمة العراقية بغداد- تعبيرية
سرقة أملاك المسيحيين في العراق.. هل نجحت الحكومة في الحد منها؟
وتضيف ساهرة: "فوجئت بتغيّر المنطقة وتحولها إلى شارع تجاري مزدهر بالبنايات، ولم أتمكن من التعرف على تفاصيل المنطقة ولم أعثر على المنزل. وبعد البحث وجدت أن هناك من قام ببيع المنزل عبر تزوير هويتي الشخصية بجواز بريطاني، وتحويله إلى مبنى تجاري ضخم".

تشير إحصائيات مديرية شؤون المسيحيين التابعة لوزارة الأوقاف في حكومة كردستان إلى أن أعداد المسيحيين في الإقليم تتراوح بين 275 ألفاً و300 ألف مسيحي، موزعين على محافظات دهوك وأربيل والسليمانية.

يقول الناشط المسيحي إيفان جاني كورييل: "لدينا مجموعة من الملفات العالقة وطالبنا الحكومة بمعالجتها، وعلى هذا الأساس شُكلت العديد من اللجان في السنوات الماضية من أجل فك عقدة هذه الملفات".

"وقد توصلنا إلى مجموعة من الحلول، إلا أن جزءا آخر يتمثل بملف التجاوز على أراضي المسيحين في أربيل ودهوك، ما زال ينتظر الحل الذي يصب في الصالح العام ومصلحة إقليم كردستان شعباً وحكومة"، يتابع كورييل.

ويرى الناشط المسيحي أن الكلدان والآشوريين والسريان الآن "شركاء ومسؤولون وصناع للقرار السياسي في الإقليم، ويجب ألا يُنظر إليهم كأنهم تنظيم أو فصيل أو حزب سياسي، بل مكونات لها حقوق ثقافية وسياسية ودينية وقومية يجب النظر إليها بعين الاعتبار بغض النظر عن حجمها وعددها".

ويدعو كورييل إلى العمل على "صيانة وتطوير الحقوق السياسية وعدم زج المكونات القومية والدينية في إقليم كردستان بالصراعات السياسية".

ويحتضن الإقليم آلاف المسيحيين الذين نزحوا من بغداد ونينوى ومناطق أخرى، عقب سيطرة تنظيم داعش سنة 2014 وارتكابه جرائم بحقهم وحق أماكنهم المقدسة.

في السياق نفسه، تقول كلارا عوديشو، النائبة عن المكون الكلداني السرياني الآشوري في برلمان كردستان- الدورة الخامسة، لـ"ارفع صوتك"، إن "الرئيس مسعود بارزاني يواصل جهوده دائما لحل مشاكل المسيحيين في كردستان، خاصة مشكلة التجاوزات على أراضيهم ويشدد على المسؤولين لحلها بسرعة عبر القانون".

وحسب إحصائيات رسمية صادرة عن الكنائس في العراق، هناك تراجع مستمر في أعداد المسيحيين في عموم البلاد منذ عام 2003. إذ كان عددهم قبل ذلك حوالي مليون و300 ألف نسمة قبل عقدين، لكنه اليوم يتراوح بين 300 و250 ألف نسمة، يعيشون بين كردستان وسهل نينوى وبغداد وعدد قليل منهم في البصرة وكركوك.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.