صورة تعبيرية لأحد معابد أتباع الزردشتية في مدينة مومباي الهندية
صورة تعبيرية لأحد معابد أتباع الزردشتية في مدينة مومباي الهندية

"الكثير من الزرادشتيين في العراق يخفون أمر ديانتهم خوفا من اعتبارهم مرتدين، لأنهم مسجلون في السجلات الرسمية كمسلمين"، يقول رئيس ممثلية الزردشتيين في بغداد حيدر عصفور لـ"ارفع صوتك".

ورغم ورود اسم الزرادشتيين في الدليل الرسمي العراقي لوزارة الداخلية الصادر سنة 1936 في العهد الملكي تحت اسم "الأقلية المجوسية"، وأعيد ذكرهم في نسخة الدليل عام 1960 في العهد الجمهوري تحت اسم "مجوس زرادشتيون"، لكن ذكر اسم هذه الديانة اختفى خلال التعداد السكاني الذي نظم عام 1977 وأصبح في ما بعد محظورا، قبل أن يقوم نظام البعث بحظرها وملاحقة أتباعها  بدءا من عام 1978.

وبدأ الزرادشتيون بالظهور مجددا على الساحة عام 2003 بعد تغيير النظام البعثي السابق، ورغم تأكيد الدستور العراقي النافذ في المادة (42) على أن "لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة"، إ‘لا أن أتباع الديانة الزرادشتية ما زالوا ينتظرون نيل الاعتراف الرسمي من الدولة، من أجل ممارسة طقوسهم بحرية، ونيل حقوقهم.

يضيف عصفور "يعيش الزرادشتيون أوضاعاً صعبة للغاية في العراق باستثناء إقليم كردستان، فعدم الاعتراف بهم جعل موضوعهم مربكاً نوعاً ما، وجعل الكثير من الأفراد يترددون في التصريح بأنهم زرادشتيون".

"صحيح أن من يعتنق الزرادشتية لا يُلاحق قانونياً، لكن هناك عقوبات شرعية لمن يغير ديانته من الإسلام باعتباره مرتداً وعقوبة المرتد معروفة" يتابع عصفور.

يتواجد الزرادشتيون في بغداد منذ عام 2018 وحصلوا على الموافقات لفتح ممثليتهم فيها وتأمين الحماية لها رسمياً عام 2022، لكنهم لا يمتلكون حتى الآن موقد نار (المعبد الزرادشتي) لتنظيم الطقوس ومراسم العبادة، لذلك كل من يعتنق الديانة يمارس طقوسه في مكانه الخاص ومنزله.

يشير عصفور إلى أن رئاسة الجمهورية بعثت إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء بكتاب لتخصيص أرض من أجل بناء "موقد نار" قرب مقر الصابئة المندائيين في بغداد، لكن الأمانة العامة لم ترد على الكتاب حتى الآن.

يؤكد رئيس ممثلية الزرادشتيين في بغداد على أنهم يعتمدون في تنظيم المراسم والمناسبات وأي تجمعات في بغداد على نفقتهم الخاصة، بينما "غالبية أتباع الديانة لا يمتلكون أي مصدر دخل، لأنهم غير مشمولين بالدرجات الوظيفية المخصصة للمكونات الأخرى في العراق، لعدم الاعتراف بهم رسميا" وفق تعبيره.

يبلغ عدد أتباع الديانة الزرادشتية في العراق من دون محافظات إقليم كردستان، أكثر من 5000 نسمة، وبحسب ممثلية الديانة في بغداد يتواجد الزرادشتيون في بغداد ومحافظات بابل والنجف ونينوى وكركوك وديالى بأعداد متفاوتة.

هذه الأعداد ستختلف وتكون أكثر مما هي عليه الآن إذا ما حصلت الديانة على الاعتراف الرسمي، كما تقول ممثليتهم.

في السياق نفسه، تقول رئيسة المجلس الزرادشتي في شبكة "تحالف الأقليات"، فائزة فؤاد، إن مخاوف أتباع الديانة في العراق واحدة وهي تتمثل في تهديدات "المتطرفين الإسلاميين" على حدّ وصفها.

وتوضح لـ"ارفع صوتك": "نحن متواجدون في كركوك ولم نواجه حتى الآن أي تهديدات من قبل أي جهة، سوى الحركات الإسلامية، خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي التي تنشط عليها".

وعلى الرغم من تواجد أتباع الديانة الزرادشتية في غالبية محافظات العراق خارج إقليم كردستان، إلا أن السلطات العراقية لم تمنح حتى الآن الموافقات لفتح ممثليات للديانة في هذه المحافظات سوى العاصمة بغداد.

في إقليم كردستان، وبحسب ممثلة الديانة الزرادشتية في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة الإقليم، اوات حسام الدين، يبلغ عدد أتباع الديانة نحو 55000 نسمة وينتشرون في مختلف مدن كردستان،

أما تواجدهم الأكبر، فهو في محافظة السليمانية ولديهم موقدا نار هناك، يمارسون فيها مراسمهم الخاصة كعقد القران، لكن طقوس العبادة في الزرادشتية تمارس غالبا في الطبيعة.

تضيف أوات : "لم يتوفر بعد الوعي اللازم في المجتمع لاستيعاب بعض الديانات، وهذه من المشاكل التي نواجها"، مستدركة "لكن رغم ذلك فإن أعداد معتنقي الزرادشتية في زيادة مستمرة، قسم منهم يعلن الأمر والبعض يخفيه".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.