صورة أرشيفية لكنيسة القديس يوسف الرومانية الكاثوليكية في بلدة القناية بريف إدلب- تعبيرية
صورة أرشيفية لكنيسة القديس يوسف الرومانية الكاثوليكية في بلدة القنية بريف إدلب- تعبيرية

بعد سنوات من النزوح والتهجير القسري، بدأت بعض العائلات المسيحية في إدلب بالعودة إلى منازلها التي غادرتها قسراً، نتيجة المضايقات والانتهاكات بحقهم من قبل تنظيمات إسلامية متشددة سيطرت على مناطقها آنذاك.

ولكن هذه العودة محاطة بالحذر والقلق من تكرار ما حدث سابقاً، رغم تطمينات حكومة الإنقاذ بضمان الاستقرار والأمن لهم.

وفي تقرير لتلفيزون سوريا نُشر حديثاً، قال مصدر في حكومة الإنقاذ المعارضة للنظام السوري، إن 30 عائلة مسيحية عادت إلى منازلها في إدلب، كما تعمل السلطات على "إعادة أملاك المسيحيين المتغيبين إلى أقربائهم بعد التحقق من الأوراق الثبوتية".

وقال المصدر إن الحكومة "تتواصل باستمرار مع المسيحيين لنقل معاناتهم وحل مشاكلهم، وتعمل على تأمين الحريات والأمن لهم، مع تشجيعهم على العودة وتذليل العقبات".

من جهتها، قالت "مديرية شؤون الطوائف" في حكومة الإنقاذ، إنها عملت على "إعادة معظم أملاك المسيحيين المتغيبين والقاطنين خارج مناطق سيطرة تحرير الشام، إلى أقربائهم، بعد التأكد من كافة الأوراق الثبوتية، كما تتواصل المديرية باستمرار مع المسيحيين الموجودين في المناطق المحررة، وتقوم باجتماعات دورية لنقل معاناتهم وهمومهم ومشاكلهم إلى الجهات المعنية".

 

تفاؤل حذر

تواصل موقع إرفع صوتك مع عدد من المسيحيين العائدين، وأعربوا عن شعورهم بالأمل الممزوج بالحذر من فكرة العودة إلى الديار.

يقول عيسى (45 عاما) من قرية اليعقوبية، الذي انتقل إلى بلدة سوران شمال محافظة أربيل في إقليم كردستان شمال العراق: "رغم الصعوبات والمخاوف، قررنا العودة إلى منزلنا الذي نشتاق إليه كثيراً لأننا لا نستطيع الاستمرار في العيش كلاجئين، نشعر ببعض الأمان بعد التطمينات، لكننا نراقب الوضع بحذر، ونتمنى أن تكون هناك حماية حقيقية لنا هذه المرة".

في المقابل، هناك عائلات أخرى لا تزال مترددة في العودة بسبب مخاوفها من تكرار الانتهاكات،  تقول مريم من جسر الشغور والمقيمة في اللاذقية حالياً: "أريد العودة إلى منزلي، لكنني أخشى أن تتكرر المضايقات التي تعرضنا لها في الماضي".

وتضيف "نحتاج إلى ضمانات حقيقية لحمايتنا، فالخوف من تكرار المضايقات هو ما يمنعني من التفكير بالعودة، حيث لدي ذكريات سيئة عن تلك الفترة، وأخشى أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه".

من جهته، يقول عيسى. م (٤١ عامًا) من الغسانية، ويعيش في هولندا الآن: "أتمنى العودة، لكنني لا أستطيع أن أنسى ما عانيناه، فالكثير من أصدقائي وأقربائي تعرضوا للاعتقال والتعذيب، واليوم يسكن في منزلي نازحون رغماً عن إرادتي، كما صودرت أرضي التي ورثتها عن والدي ويزرعها ويستفيد من محاصيلها الغرباء حاليا".

هاجر عيسى. م بداية إلى لبنان ومنها لجأ لهولندا، ولا يفكر بالعودة مطلقا، أما بالنسبة لاستعادة أملاكه، يوضح أن لا أحد من أقاربه من الدرجة الأولى موجود في إدلب في هذا الوقت لإبراز الوثائق لاستعادتها، لكنه سيتواصل مع راعي الكنيسة لصالح ذلك، وبعد استردادها "سيبيعها فوراً" بحسب تعبيره.

في المقابل، يقول حنا من مدينة إدلب والمقيم اليوم في حلب، إنه "متفائل وسعيد" مردفاً "لا مكان أفضل من عودة الإنسان إلى أرضه وبيته وذكرياته وحياته السابقة".

"فكل الأسباب التي أدت لتهجيرنا كمنعنا من ممارسة الطقوس ورفع الصلوات، والاستفادة من الأرض، والسيطرة على الكنائس، زال معظمها حالياً، ولدينا وعود بإرجاع بيوتنا وإخراج من يقيم فيها"، يؤكد حنّا.

 

تفاصيل الانتهاكات

قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية، كان المسيحيون في إدلب وهم من الطائفة الأرثوذوكسية يعيشون بأمان، ويمارسون شعائرهم الدينية في كنائسهم بحرية، وكان العديد منهم يعمل في مهن متنوعة أبرزها صياغة المجوهرات، والطب، والمحاماة، والتجارة.

وكانت كنيسة القديسة مريم الأرثوذكسية التاريخية التي بنيت عام 1886 في وسط المدينة، من أبرز الكنائس التي يرتادها أبناء الطائفة لإقامة الصلوات والقداديس والاحتفالات الدينية.

مع تصاعد نفوذ بعض الجماعات المتشددة، تعرض المسيحيون لمضايقات وانتهاكات كبيرة، ما تسبب بهجرة غالبية أهالي القرى والأحياء المسيحية إلى خارج البلاد، أو نزوحهم إلى مناطق سورية أخرى، تاركين وراءهم كل ما يملكونه.

وشملت عمليات التضييق منعهم من ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية بشكل علني، ومنعهم من إظهار رموزهم الدينية، أو زيارة الكنائس للصلاة إلا نادرا، أو قرع الأجراس ورفع الصُلبان.

كما تمت مصادرة ممتلكاتهم العقارية، ومصادرة أثاث بيوتهم ومحلاتهم التجارية، والسيارات العائدة لهم، وبعضهم تعرّض للقتل أو الخطف بغرض الابتزاز المالي.

أما العدد القليل ممن بقي منهم في إدلب، غالبيتهم من كبار السن فلم تتم مصادرة منازلهم، لكن لم يُسمح لهم بزراعة أراضيهم، ولاحقاً سُمح لمن بقي من المسيحيين بزراعة قسم صغير من أرضهم، فيما أعيدت أراض لآخرين بهدف زراعتها، مع أخذ القوى المسيطرة نسبة كبيرة من المحاصيل كضريبة.

بحسب دراسة لمركز صحفيون من أجل الحقيقة والعدالة ، فإن قرابة 10 آلاف مسيحي كانوا يقطنون محافظة إدلب قبل عام 2010، يتوزعون في قرى اليعقوبية، والقنية، والجديدة، والغسانية، وحلوز، إضافة إلى تواجد عدد منهم ضمن أحياء في مدينتي جسر الشغور وإدلب مركز المحافظة.

بدأت الأعداد بالانخفاض في ريف إدلب نهاية عام 2012 ، ورحل معظم قاطني مدينة إدلب عام 2015 عقب سيطرة المعارضة المتمثلة ذلك الحين بـ"جيش الفتح"، الذي يضم عدة فصائل كانت أبرزها "جبهة النصرة" على المدينة، وفق الدراسة.

واستمرت أعداد المسيحيين بالتناقص، حتى باتت نسبتهم أقل من 1%، وبقي منهم نحو 200 شخص في عموم محافظة إدلب.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.