Youths from the Druze minority weep at a makeshift memorial for 12 children and teens killed in a rocket strike on a soccer…
شابان من الأقلية الدرزية يبكيان أقرباءهما وأصدقاءهما من الأطفال الذين قتلوا نتيجة الصاروخ الذي سقط على ملعب كرة قدم

منذ أيام تعرضت قرية "مجدل شمس" الدرزية في مرتفعات الجولان إلى قصف صاروخي أودى بحياة 12 فرداً من بينهم أطفال، فضلاً عن إصابة العشرات بجروح.

"حزب الله" اللبناني الذي يخوض اشتباكات مستمرة مع إسرائيل منذ الثامن من أكتوبر 2023، نفى علاقته بالهجوم، إلا أن تل أبيب لم تقبل هذا الادعاء وأكدت أن الميليشيا الشيعية تقف وراء الهجوم وتوعّدت بالرد.

أعاد هذا الحادث إلى الواجهة النقاش حول حياة الدروز في المناطق التي تسيطر إسرائيل عليها، والعلاقة التاريخية الإشكالية بين هذه الطائفة الأقلّية ودولة إسرائيل.

في ديسمبر 2020 قدّر شوكت غرز الدين في بحثه "الموحدون الدروز في سورية من 1920 إلى 2020" إجمالي أعداد الدروز في العالم بـ1.5 مليون فرد تركز أكثر من 40% منهم في سوريا فيما توزّع الباقون على لبنان والأراضي الفلسطينية وإسرائيل والأردن.

 

"تحالف أبناء شعيب وموسى"

حينما تصاعد الصراع على فلسطين في بداية القرن العشرين اتخذ الدروز مواقف متباينة منه. بحسب بحث "الدروز الفلسطينيون" لعزالدين المناصرة فإن بعض الدروز انتصروا للعرب وشاركوا كجنود في جيش الإنقاذ الفلسطيني الذي تأسس لمواجهة العصابات الصهيونية. خاض الفيلق الدرزي معارك عديدة ضد اليهود مات فيها أكثر من 200 درزي.

في المقابل يكشف نبيه بشير في بحثه "تشكيل هوية أقليات متصهينة: الحالة الدرزية في إسرائيل" أن شطراً كبيراً من الدروز لم يشاركوا في ثورة البراق 1929 ولا ثورة 1936 بعدما اعتبروهما صراعاً دينياً بين المسلمين واليهود لا علاقة للدروز بها، ويؤكد بشير أن بعضًا من شيوخ الدروز اجتمعوا واتفقوا على الوقوف على الحياد.

بحسب بشير فإن "الدروز المحايدين" لفتوا انتباه الوكالة اليهودية في فلسطين فسعوا لدراسة حياتهم وتاريخهم أملاً في استقطابهم لصالحهم، وبالفعل بدأت قيادات صهيونية كثيرة التقرّب إلى الزعماء الدروز في هذه المرحلة المبكرة من الصراع.

عمل في الوكالة اليهودية إسحاق بن تسفي الذي سيُصبح لاحقاً ثاني رئيس لإسرائيل. إبان عمله بالوكالة أعدَّ دراسة بعنوان "القرى الدرزية في إسرائيل" اعتبر فيها الدروز أكثر أقليات منطقة الشرق الأوسط قُرباً إلى اليهود لأنهم "كاليهود لا فاصل عندهم بين القومية والدين، وايضاً عاشوا موزعين بين شعوب غريبة دون وحدة جغرافية تجمعهم أو دولة تضمهم".

وقد استندت السردية الإسرائيلية إلى بعض ما روته القصص الدينية عن زواج النبي موسى من ابنة النبي شعيب الذي يقدسه الدروز، ما اعتُبر نقطة ارتكاز قوية لتأسيس ما سيُطلقون عليه لاحقاً بـ"حلف الدم" بين الطائفتين.

على الجانب الآخر فإن عدداً من الجماعات العربية غضبت من موقف الدروز السلبي خلال ثورة 1936 فبادر عددٌ منهم إلى الهجوم على القرى الدرزية وقتل بعض قادتها، الأمر الذي أثار الرعب في نفوس بعض الشباب الدرزي فقرروا التعاون مع العصابات الصهيونية ضد الجيوش العربية، من أبرز الأمثلة على ذلك هو الشيخ حسن خنيفس الذي قتله مسلحون مسلمون عام 1939 فتعاون ابنه صلاح مع الهاجاناه وجرى انتخابه في الكنيست لدورتين متتاليتين.

بحسب كتاب "الدروز في الدولة اليهودية: تاريخ موجز" للمؤرخ الدرزي قيس فرو، فإنه خلافاً لأكثر من 750 ألف فلسطيني اضطروا لترك ديارهم خوفاً من الحرب فإن الدروز لم يخرجوا من ديارهم وقبلوا بالخضوع للسيطرة الإسرائيلية لتكون بداية عُزلتهم عن أبناء طائفتهم في لبنان وسوريا.

بحسب فرو فإن عدد الدروز حينها بلغ 13 ألف نسمة بينما يقول المناصرة في بحثه إنه في 1949 بلغ عدد سكان القرى الدرزية 26994 درزياً.

أثار علم الدروز الاهتمام بعد رفع المتكرر في تظاهرات مدينة السويداء.
بعد رفعه في تظاهرات السويداء.. ماذا تعني الألوان الخمسة في علم الدروز؟
أثار علم طائفة الموحدين الدروز، المؤلف من ألوان طولية خمسة هي الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والأبيض، والذي تصدّر الكثير من تظاهرات السويداء الأخيرة، الكثير من الجدل حول ماهيته، سواء في الداخل السوري أو على مواقع التواصل الاجتماعي.

ما بعد حرب 1948

يشير فرو إلى إن الإسرائيليين، عقب انتصارهم بالحرب، اهتموا بعزل الدروز عن محيطهم الإقليمي لتحويلهم إلى "عرب طيبين" أصدقاء لإسرائيل في مواجهة "العرب الأشرار" الذين يرفضون وجودها، لذا اهتمّت تل أبيب بهم لتظهر للعالم أن الدولة اليهودية ترحّب بجميع الأقليات داخل أراضيها.

لم تُضع إسرائيل وقتاً وبدأت سريعاً في مساعيها لجذب الدروز إليها وبعد الحرب مباشرة سمحت لهم وحدهم بحصد محاصيل حقولهم فيما مُنع بقية العرب من ذلك.

بعدها سمحت إسرائيل للدروز بالانضمام إلى "وحدة الأقليات" في جيشها كمتطوعين، بلغ قوامها، 400 درزي و100 شركسي في العام 1949، قررت إسرائيل فتح الباب لتشكيل وحدة مماثلة في الشرطة.

في 1956 -في عهد الرئيس بن تسفي- سنّت إسرائيل قانون التجنيد الإلزامي الذي نصّ على تجنيد الشباب الدرزي إجبارياً، الأمر الذي أثار احتجاجات واسعة بين الدروز واعتبروه يشكل حرجاً لهم مع باقي الدروز في سوريا ولبنان فنظّموا تظاهرات وأرسلوا إلى الدولة الإسرائيلية مئات الرسائل الاحتجاجية. وصل عدد الشباب رافضي التجنيد إلى 78% الأمر الذي دفع السلطات الإسرائيلية إلى تهديد المتخلفين بالسجن، وأصرت إسرائيل على المضي في تجنيدهم ليكونوا الأقلية العربية الوحيدة الممثلة في الجيش والقوى الأمنية الإسرائيلية حتى اليوم.

في 1957 فصلت السلطات الإسرائيلية مؤسسات الدروز الدينية عن المسلمين وأصبحت لهم قوانينهم الشرعية الخاصة بهم، وفي العام نفسه كان المنتسبون من الدروز إلى "وحدة الأقليات" في الجيش 187 فرداً فقط، وجرى تكليف بعضهم بتنفيذ مهام أمنية في غزة، بحسب بحث "تأثير التطورات السورية في الواقع الدرزي داخل الخط الأخضر"، والذي أعدّه الباحث فرو.

بمرور الوقت وقلة فرص العمل المتاحة بسبب تدهور أحوال الزراعة، تزايد إقبال الدروز على الالتحاق بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

بحسب فرو، تبنّت السُلطات الإسرائيلية نهجاً مدروساً لكسب ودِّ الدروز فدعمت الاستخبارات الإسرائيلية المتعاطفين معها من أبناء الطائفة الدرزية. كما أجريت، كما يقول فرو تعديلات في النظام التعليمي "لغرس الترابط الإسرائيلي الدرزي في عقول الأطفال عبر وضع كتب خاصة لهم أو تخصيص مدارس درزية لا يختلطون فيها بالعرب".

أيضاً أولت إسرائيل عناية كبيرة بمزار النبي شعيب المُقدّس عند الدروز وجعلت أحد أيام زيارته عيداً رسمياً.

وفي 1960 بدأت وزارة الداخلية الإسرائيلية إصدار بطاقات هوية حملت اسم "درزي" بدلاً من "عربي" تعزيزاً لخططها اعتبارهم قومية منفصلة عن محيطها الإقليمي. أيضأ استمرت سياسة تجنيد الدروز في الجيش والشرطة الإسرائيليين، وبحسب تعبير موظف حكومي إسرائيلي وقتها فإن تجنيدهم هدَف إلى جعلهم "نصل السكين الحاد لطعن الوحدة العربية في الظهر"، حسبما ذكر فرو في كتابه.

تقول هدى رزق في بحثها "الدروز: التشتّت والهوية"، إن الدروز "حوّلوا وجودهم في الجيش إلى قوة ضغط على السُلطات الإسرائيلية، وذلك بأنهم مقابل الولاء العسكري والسياسي كانوا يطالبون بعطاءات سياسية واجتماعية واقتصادية".

وضع الدروز في صفوف القتال الأولى تسبّب في إشعال الخلافات بينهم وبين المسلمين، ففي يوليو 2017 قتل شباب مسلمون جنوديين إسرائيليين كانا يتمترسان أمام المسجد الأقصى، اتضح لاحقاً أنهما الدرزيين كميل شنان وهايل ستاوي. نتيجة لهذا الحادث وقعت اشتباكات بين الطرفين في الجليل.

هذا السيناريو تكرّر في أحداث أكتوبر بعدما سقط أحد الجنود الدروز ضحية لهجمات حماس على المستوطنات بعدها شارك الدروز ضمن وحداتهم بالجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة.

 

الجولان ما قبل 1967

عاشت منطقة الجولان في سوريا أوضاعاً مضطربة منذ الانتداب الفرنسي على الشام الذي شهد إقامة دولة درزية مستقلة لعدة سنوات انتهت مع إعلان قيام الجمهورية السورية التي ضمّت إلى أراضيها الأقسام التي اقتطعتها السُلطات الفرنسية منها بدعوى تحويلها إلى دولٍ مستقلة، بحسب رزق.

فور قيام الدولة السورية وقع صدام سريع بين شكري القوتلي رئيس الجمهورية وآل الأطرش بسبب تعاظم نفوذهم بالجبل ورغبتهم في الحفاظ على استقلالهم، وقعت معارك بين الطرفين أسفرت عن إحراق عدد من القرى.

تكرر الأمر على نحوٍ أعنف في زمن الرئيس أديب الشيشكلي بعدما اتهامه الدروز بالتعاون مع الإسرائيليين وتلقي أسلحة منهم. أرسل الشيشكلي المدرعات إلى الجبل وقصف المدنيين بالطائرات، بعدها اضطر إلى التخلي عن منصبه والهجرة إلى البرازيل حيث اغتاله شاب درزي انتقاماً من عملياته العسكرية ضد قومه.

في العام 1966 دبّر الضابط الدرزي سليم حاطوم محاولة فاشلة للانقلاب على الضابطين صلاح جديد وحافظ الأسد، نتيجة إخفاق هذه المحاولة أقصي عدد كبير من الضباط الدروز من الجيش.

حافظ الكثير من دروز الجولان على روابط وثيقة مع دمشق
الواقع السوري يدفع مزيدا من دروز الجولان نحو الجنسية الإسرائيلية
بعد مرور نحو أربعة عقود منذ ضمّ إسرائيل لمرتفعات الجولان، حافظ السكان الدروز على هوياتهم وأساليب عيشهم السورية، ورفضوا الاندماج في إسرائيل، وأبقوا على روابط قوية بدمشق، لكن الوضع يسير نحو التغيّر وفق تقرير صحفي إسرائيلي.

الجنسية الإسرائيلية

بحسب بحث "السوريون في الجولان المحتل: بين الثورة والنظام والاحتلال" لمنير فخر الدين، فإن استيلاء إسرائيل على هضبة الجولان بعد حرب 1967 أحدث تحولاً ديموغرافياً في تركيبة سكانها.

فبعدما زاد عدد سكان الجولان عن 130 ألف نسمة قبل الحرب عاشوا في 135 قرية، وتنوّعت هوياتهم الاجتماعية والدينية بين عرب وتركمان وشركس وغيرهم، هرب أغلبهم ولم يبقَ إلا 20 ألف فرد أغلبهم من الدروز. بحسب تقديرات فخر الدين، يعيش نصف هؤلاء في قرية مجدل شمس، فيما يتمركز الباقون في قرى بقعاثا ومسعدة وعين قنيا.

عاش هؤلاء الدروز حتى اليوم إلى جانب آلاف الإسرائيليين ذوي الأصول الروسية الذين أقامت لهم إسرائيل قرابة 30 مستوطنة في الجولان.

بعد خضوع الجولان لها تجنّبت تل أبيب الدخول في صدام مع الدروز وسمحت للزعامات المحلية بممارسة دورها ومنحت بعضهم بعض الامتيازات مقابل الولاء للحُكم الجديد. وبعد ضمن الجولان إلى إسرائيل، ودمجها في نظام المجالس المحلية الإسرائيلية، أعطت إسرائيل للدروز الإقامة الدائمة وفتحت الباب أمامهم للتقدم لنيل الجنسية الإسرائيلية. ومع ذلك، لم يتقدم سوى 20 في المئة من سكان مجدل شمس للحصول على الجنسية الإسرائيلية حتى عام 2018.

عند اشتعال الاحتجاجات الشعبية ضد نظام بشار الأسد 2011 أعرب عدد من سكان القرى الدرزية في الجولان عن تأييد الأسد، ودعا بعضهم حكومة بنيمين نتنياهو، بما يملكونه من حظوة لديها، للتدخل ودعمه حتى لا يسقط نظامه.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.