نازحة أيزيدية في مخيم شاريا قرب دهوك شمال العراق- تعبيرية
نازحة أيزيدية في مخيم شاريا قرب دهوك شمال العراق- تعبيرية

غادرت 200 عائلة أيزيدية، أمس الجمعة، مخيمات النازحين في كردستان العراق باتجاه سنجار، خوفا من "خطابات كراهية" أطلقها متطرفون مسلمون على خلفية حديث مصور لقائد قوات سنجار قاسم ششو، فُسّر لاحقاً على أنه إساءة للرسول المسلم محمد.

وشهدت صفحات التواصل الاجتماعي انتشار "خطابات كراهية" ضد الأيزيديين شملت تهديدات بشن هجمات عليهم والثأر منهم عقب خطاب ششو الذي ألقاه في سنجار، بتاريخ الثالث من أغسطس الجاري، الموافق إحياء الذكرى العاشرة للإبادة الجماعية التي تعرضت لها الأقلية الدينية في شمال العراق على يد تنظيم داعش الإرهابي.

ورغم استباب الأوضاع الأمنية في مدن إقليم كردستان التي تحتضن 15 مخيما للنازحين الأيزيديين، إلا أن الأيزيديين عاشوا خلال اليومين الماضيين حالة من الخوف والهلع والارتباك، إثر التهديدات وخطابات الكراهية التي تعرضوا لها، الأمر الذي دفع بالكثيرين منهم إلى ترك المخيمات.

يقول عبد العزيز يونس، مدير جمعية "التحرير" للتنمية وهي منظمة محلية عراقية، إن "أعداداً كبيرة غادرت من مخيمات قاديا وباجد كندالا وجمشكو في محافظة دهوك وإدارة زاخو".

ويبين لـ"ارفع صوتك": "وفق التقرير الذي تلقيناه من إحدى المنظمات الميدانية الشريكة لنا، ساد مناخ من الخوف والرعب بين الناس في المخيمات إثر خطابات الكراهية التي استهدفت المجتمع الأيزيدي، وأسفرت عن فرار أكثر من 700 عائلة من المخيمات باتجاه سنجار".

لكن مسؤولا في مكتب الهجرة والمهجرين في محافظة دهوك، الذي يشرف على إدارة مخيمات النزوح، نفى هروب 700 عائلة من المخيمات وعودتها الى سنجار.

وأوضح لـ"ارفع صوتك" مفضلا عدم الكشف عن اسمه، "تركت نحو 200 عائلة ايزيدية مخيمات النازحين في دهوك وزاخو وعادت الى سنجار، هذه العائلات كانت لديها تخوف من تعرض المخيمات للهجوم من قبل المسلمين بعد انتهاء صلاة الجمعة، وهذا لم يحدث، لكن اطراف سياسية كانت تقف خلف انتشار هذه الاخبار وتأجيج الاحداث"، لافتا الى أن موجة النزوح توقفت حاليا والأوضاع في المخيمات مستقرة.

من جانبه نفى المركز المشترك لتنسيق الأزمات التابع لوزارة الداخلية في حكومة اقليم كردستان عودة النازحين من المخيمات في زاخو إلى سنجار بداعي الخوف.

وقال المركز في بيان "رداً على الشائعات والأخبار الكاذبة التي تداولها عدد من وسائل الإعلام عن عودة النازحين من مخيم في إدارة زاخو المستقلة بدعوى الخوف إلى أماكنهم في سنجار، نؤكد أن هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة".

وأضاف "نؤكد لجميع سكان المخيمات أن إقليم كردستان سيظل دائما مركزا للتعايش وقبول الآخر، وسيبقى حضنه مفتوحاً للنازحين دائماً، حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم طوعاً وبكرامة".

واتخذت القوات الأمنية في محافظة دهوك وإدارة زاخو تدابير أمنية مشددة حول مخيمات الأيزيديين، الجمعة، ونشرت العديد من الدوريات بهدف توفير حماية مضاعفة لها، تجنباً لحدوث أي هجمات مسلحة قد تطالها.

تزامنت الإجراءات الأمنية مع إجراءات حكومية أخرى عبر توجيه أئمة المساجد وخطبائها رسائل تهدئة إلى المسلمين في الإقليم والعراق، والإعلان عن تحريم التحريض بحق الأيزديين.

جلال علي بركات، نازح أيزيدي يعيش في مخيم جمشكو الواقع في إدارة زاخو، يؤكد لـ"ارفع صوتك" أن ما عاشه النازحون خلال الأيام الماضية من حالة ارتباك كان سببه "كثافة التهديدات التي تعرضوا لها".

يوضح "حاولت تهدئة جيراني في المخيم وإقناعهم بعدم العودة، لكن الخوف من تنفيذ المتطرفين لتهديداتهم كان سيد الموقف والسبب الأبرز الذي دفع عددا من النازحين إلى ترك المخيم والعودة إلى سنجار".

ويشير بركات إلى أن مخاوف الأيزيديين أساسها "خطابات الكراهية والجماعات المتطرفة التي تتحدث باسم الدين والدين منها براء" بحسب تعبيره.

ويتابع أن "الأيزيديين يعتزون ويحترمون جميع الديانات لأن شريعتهم تؤكد على احترام الإنسانية".

ويمنع الدمار ونقص الخدمات الرئيسية والصراعات السياسية والاستقرار الهش في سنجار النازحين من العودة إليها، رغم مرور نحو 9 سنوات على تحريرها من داعش، ولا يزال 60% من سكانها نازحين في إقليم كردستان.

في السياق نفسه، يرى الناشط الأيزيدي فيصل علي، الذي يعيش في أحد مخيمات زاخو، أن "الدمار ونقص الخدمات وضعف الأحوال المعيشية كانت تمنع العائلات النازحة من العودة إلى سنجار في ما مضى، لكن الخوف الذي عاشته خلال اليومين الماضيين دفعها إلى ترك المخيم واختيار العودة رغم صعوبة ظروفها".

ويستدرك "لم نشهد أي خطوات ضدنا على الأرض ولم نرَ من أهالي قضاء زاخو الذي يحتضن عددا من مخيماتنا سوى الخير والمواقف الجيدة"، مشيرا الى أن عملية العودة الاضطرارية توقفت حالياً بشكل مؤقت.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.