الحركة الحقوقية بالمغرب ترفع مطلب إصلاح المدونة منذ سنوات ـ صورة تعبيرية.
الحركة الحقوقية بالمغرب ترفع مطلب إصلاح المدونة منذ سنوات ـ صورة تعبيرية.

بعدما كانت مضامينه محل جدل متواصل منذ إقراره عام 2004، يتجه المغرب نحو إصلاح قانون الأسرة، في أعقاب توجيه العاهل المغربي، محمد السادس، الثلاثاء، الحكومة بإعادة النظر في "المدونة" التي تطالب الحركة الحقوقية، منذ سنوات، بإدخال تعديلات وتغييرات جذرية على عدد من بنودها.

ويرتقب أن تشرف كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، على هذا "الإصلاح الهام" بتعبير بيان الديوان الملكي المغربي، الذي أشار إلى أن أمام المؤسسات المذكورة أجل أقصاه ستة أشهر، من أجل رفع تصوراتها وتعديلاتها، قبل أن تقوم الحكومة بإعداد مشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان. 

مستشار وزير العدل المغربي، عبد الوهاب رفيقي، يؤكد أن المغاربة "يترقبون منذ سنوات هذه الخطوة التي لن تكون في صالح المرأة فقط، بل في خدمة المجتمع بجميع فئاته".

ويوضح رفيقي في تصريح لموقع "الحرة" أن التوجيه الملكي حدد الآلية التي سيتم العمل وفقها على إنجاز هذا الورش، وذلك من خلال تكليف مؤسسات بعينها للتشاور والعمل، بالإضافة إلى تحديد حيز زمني من أجل رفع توصياتها.

ودعا العاهل المغربي وزارة العدل والنيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى إشراك جميع الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، وهو الهيئة الرسمية المسؤولة عن إصدار الفتاوى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.

وفي هذا السياق، يكشف رفيقي أنه من المرتقب أن تتشكل لجنة مكونة من ممثلين عن وزارة العدل والمؤسستين القضائيتين المذكورتين من أجل وضع الخطوط العريضة لهذا المشروع، وذلك بتنسيق مع جميع الهيئات الأخرى.

"خطوة إيجابية"

وعبرت مجموعة من المنظمات الحقوقية عن ترحيبها بالخطوة التي "طال انتظارها"، حيث حمَلت على مدى السنوات الماضية مطلب "التغيير الجذري" لبنود المدونة بشكلها الحالي، بأهداف تعزيز دور المرأة داخل الأسرة ومنحها حقوقا جديدة، فضلا عن دعواتها لمواكبة تغيرات المجتمع والالتزامات الدولية التي صادقت عليها المملكة، إضافة إلى إخراج المرأة من "الوصاية والعنف الذكوري" نحو المساواة الفعلية مع الرجل.

في هذا الجانب، تقول رئيس جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، بشرى عبدو، إن البلاغ الملكي يمثل "لحظة مهمة" من أجل إخراج قانون أسرة جديد إلى حيز الوجود، بشكل يستجيب للحاجيات الآنية للنساء، ويتجاوز كل الاختلالات والسلبيات التي كشفت عنها التجربة السابقة لتطبيق المدونة.

من جهتها، تقول الحقوقية المغربية البارزة، فوزية العسولي، إن الخطوة الأخيرة "تبقى إيجابية" من أجل فتح نقاشات واسعة لمناقشة الإشكالات التي شابت تطبيق المدونة السابقة وأيضا الاختلالات التي حملتها في طياتها منذ إخراجها.

وتوضح الفاعلة الحقوقية في تصريح لموقع "الحرة"، أن الحركة الحقوقية بالمغرب وقفت على عدد من الإشكالات كرست التمييز وألحقت الضرر بالنساء والأطفال، ولم يعد مسموحا أن تستمر في ظل التطورات الاجتماعية والثقافية التي عرفها المجتمع المغربي.

أبرز المطالب

وطوال سنوات تطبيق "المدونة" التي تم تبنيها في أولى سنوات حكم الملك محمد السادس، رفعت المنظمات الحقوقية المغربية مجموعة من المذكرات المطلبية إلى السلطات الحكومية المعنية، لدعوتها للتحرك من أجل تجاوز نصوص تصفها بـ"التمييزية والمكرسة للتراتبية في العلاقة بين الزوجين والحيف والعنف ضد النساء والفتيات".

وتدفع مجموعة من الأصوات الحقوقية بأن المدونة في صيغتها الحالية، تنتهك مجموعة من الحقوق الأساسية للنساء، وتسهم في تفقيرهن، وتطالب بمراجعة عدد من المقتضيات المتعلقة بالزواج والطلاق، وتزويج الفتيات الصغيرات والطلاق والولاية الشرعية على الأبناء،  وصولا إلى الحضانة المشتركة، وإثبات النسب وتعدد الزوجات والإرث.

وفيما يتعلق بأبرز المطالب التي تنادي بها جمعية التحدي والمساواة في التعديلات المرتقبة، تشدد الناشطة الحقوقية، بشرى عبدو، على ضرورة "مراجعة لغة المدونة وحذف المصطلحات والعبارات التي من شأنها أن تكرس الصور النمطية لمهام وأدوار الرجال والنساء"، بالإضافة إلى "إلغاء جميع حالات الاستثناء التي تسمح بتزويج الطفلات، وبتعدد الزوجات".

ومن بين مطالبات الجمعية، بحسب المتحدثة ذاتها، إثبات النسب، مع النص على اعتماد الخبرة الجينية كأداة لإثباته، وحضانة الأبناء مع إعطاء الحق في الزواج للأم الحاضنة، والمساواة في الولاية القانونية على الأبناء، وإعادة النظر في النفقة في حالة حل ميثاق الزوجية، فضلا على تقسيم الممتلكات مع جعل وثيقة اقتسام الممتلكات من الوثائق الضرورية لاستكمال ملف الزواج وشرط منصوص عليه في عقد الزواج.

وتتقاطع المذكرة المطلبية لجمعية التحدي والمساواة في عدد من النقاط مع نظيرتها التي تحملها عدة هيئات حقوقية مغربية أخرى، مثل فيدرالية رابطة حقوق النساء، الائتلاف الحقوقي الذي يجمع عشرات الجمعيات الفاعلة في مجال الدفاع عن حقوق النساء بالمغرب.

وتدعو الفيدرالية من جانبها، إلى "ضرورة توحيد القوانين المطبقة وطنيا، بشأن قضايا الأسرة وإغلاق الباب أمام الأعراف التي تكرس الدونية وتشرعن الحيف في حق المرأة والقاصرات"، وفق ما كشفته، الفاعلة الحقوقية، نجية تزروت.

وتطالب الفيدرالية أيضا، بحسبما كشفته تزروت في حديثها لموقع "الحرة"، بإلغاء جميع المقتضيات التي تحرم المرأة من حقها في الولاية القانونية على أبنائها القاصرين، إضافة إلى النص على أن الولاية على الأبناء أثناء قيام العلاقة الزوجية تكون للزوجين معا، وفي حالة تواجد نزاع، اللجوء إلى القضاء الاستعجالي لتحقيق المصلحة الفضلى للطفل. وجعل الولاية حقا للحاضن سواء كان زوجا أو زوجة، بعد انفصال العلاقة الزوجية.

جدل الإرث

وتتمسك الفيدرالية الحقوقية بمطلب مراجعة نظام الميراث "بما يفتح الباب أمام الاجتهاد الخلاق وينسجم مع روح الدستور ومقتضياته وخاصة حظر التمييز على أساس الجنس أو الدين في احترام تام لمبدأ المساواة بين النساء والرجال، والمساواة بين الأطفال".

وتشكل مسألة اقتسام الإرث بين الرجال والنساء بشكل متساو نقطة جدلية حساسة في نقاش تعديل مدونة الأسرة بالمغرب، وسط مواقف متباينة بين رافضي القوانين "التي لا تحقق المساواة"، ومعارضي كل نقاش يتداول في مسألة واردة بنصوص مقدسة، كما هو الشأن بالنسبة لنظام الإرث.

وفي هذا الجانب، تشدد الحقوقية، فوزية العسولي، على ضرورة أن يكون تعديل نظام التوريث الذي تراه "مجحفا" في حق النساء، مدخلا أساسيا في الإصلاح المرتقب.

وأوضحت إذا كان للمقتضيات السابقة ما يبررها في السابق، إلا أن واقع الأسر المغربية، اليوم، الذي تقوم فيه النساء بنفس أدوار الرجل في إعالة أسرهن ومساعدتهن في بناء الثروة، يستدعي استفادتهن من كامل حقوقهن، شأنهن شأن الذكور. 

وفيما يتعلق بطبيعة الإصلاحات التي ستباشرها وزارة العدل، يوضح عبد الوهاب رفيقي، أن من السابق لأوانه الحديث عن التفاصيل، مشيرا إلى أن الأمر سيكون بيد اللجنة الثلاثية التي ستتكلف بتقديم توصيات الإصلاح، غير أنه يؤكد أن المهم هو بعض البنود والإشكالات المتعلقة بالولاية والحضانة وتزويج القاصرات والقضايا المتعلقة بالطلاق، ستكون أولويات.

"الإصلاح لن يكون سهلا"

وأثارت النقاشات التي فتحتها وزارة العدل خلال الأشهر الأخير بشأن تعديلاتها المرتقبة على المدونة انقسامات كبيرة بين تيار محافظ يدعو للتشبث بـ"المرجعية الإسلامية" و"خصوصيات المجتمع"، في مقابل دعوات للاستناد في التعديلات المرتقبة على القوانين الدولية التي صادقت عليها الرباط.

في هذا السياق، يؤكد مستشار وزير العدل المغربي أن الإصلاح "لن يكون سهلا في ظل التجاذبات السياسية والإيديولوجية والتنوع في الأفكار والآراء والتوجهات"، غير أنه يشير إلى أنه مجرد فتح هذا الورش يبقى "خطوة جد إيجابية"، بعد أن قطع المغرب، على حد تعبيره: "أشواطا مهمة فيما يتعلق بصيانة حقوق المرأة".

ويضيف رفيقي أن التعديلات المرتقبة "ستكون أكثر انسجاما مع المواثيق الإنسانية لحقوق الإنسان، وما صادق عليه المغرب من اتفاقيات، ومنسجمة أيضا مع دستور 2011، بالتالي كان من الطبيعي إنتاج مدونة أسرة منسجة ومحينة مع القفزة الكبيرة والنوعية التي جاء بها الدستور.

ويضيف رفيقي أنه "لا يمكن أيضا إغفال النقاشات التي يعرفها المجتمع بشأن الموضوع، وسيتم طرح والنظر في كل شيء"، قبل أن تتخذ اللجنة بتشاور مع باقي الهيئات التي أشار إليها البلاغ الملكي، للوصول إلى نموذج من قانون الأسرة يقع عليه التوافق، لأننا نتحدث عن مشروع وطني وليس إيديولوجيا أو سياسيا.

وفيما يتعلق بالمقاومة التي يرتقب أن تُقابل بها بعض التيارات المحافظة بعض الإصلاحات، يقول رفيقي إن "من الطبيعي أن يكون هناك نوع من الرفض، لأننا مجتمع متنوع يضم متحررين ومحافظين"، مشيرا إلى أن "هناك فئات ستسعى للحافظ على مصالحها.. هذه طبيعة القوانين والمجتمعات وهذا أمر صحي".

ويضيف أن النقاش والحوار  سيخلق أقصى ما يمكن من التوافق بين مختلف فئات المجتمع بشأن جميع النقط الخلافية، موضحا أن المصلحة العليا التي ستقدرها اللجنة ستكون هي الحكم في الأخير.

ويختم رفيقي حديثه بالتأكيد على أن هدف هذا التطور الإصلاحي الأسمى يتمثل في تحقيق الأنفع والأصلح للمجتمع، مع مراعاة السياقات وموقع المغرب ضمن المنظومة الدولية، وأيضا للهوية والمرجعية الأساسية والثوابت المتفق عليها بين كل فئات المجتمع.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) اختيار الشاعرة العراقية نازك الملائكة رمزاً للثقافة العربية في 2023.
أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) اختيار الشاعرة العراقية نازك الملائكة رمزاً للثقافة العربية في 2023.

عُرفت بغداد باعتبارها واحدة من أهم عواصم المعرفة والعلم في العالم العربي. اشتهرت مقولة "القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ" لتعبر عن حالة الزخم الثقافي التي شهدتها بلاد الرافدين في القرن العشرين.

في هذا السياق، ظهرت العديد من الشاعرات العراقيات الرائدات، واللاتي انتشرت قصائدهن في شتى أنحاء المنطقة العربية. من هن أبرز الشاعرات العراقيات المعاصرات؟ وما هي أبرز الجوائز التي حصلن عليها؟ وكيف عبّرت أشعارهن عن الأوجاع والمآسي التي مرت ببلاد الرافدين عبر العقود؟

 

نازك الملائكة

 

وُلدت نازك الملائكة في 23 أغسطس 1923م، في محلة العاقولية في بغداد. اسم عائلتها هو آل الجبلي، غير أن الأسرة عُرفت باسم الملائكة.

تميزت أسرة نازك الملائكة بوجود العديد من الشعراء. الأمر الذي شجع نازك منذ صغرها على كتابة الشعر. في المرحلة الجامعية، درست اللغة العربية، وتخرجت من دار المعلمين العالية سنة 1944م؛ ثم التحقت بمعهد الفنون الجميلة، وتخرجت منه سنة 1949م. سافرت بعدها إلى الولايات المتحدة لمتابعة الدراسات العليا. وبعد عشرة سنوات حصلت على شهادة الماجيستير في تخصص الأدب المقارن.

بعد عودتها إلى العراق عملت نازك الملائكة كأستاذ محاضر في جامعات بغداد والبصرة والكويت. في سنة 1990م، سافرت نازك الملائكة إلى مصر بالتزامن مع اندلاع حرب الخليج الثانية. واستقرت بالقاهرة حتى توفيت عام 2007م عن عمر يناهز 83 عاماً. ودُفنت في مقبرة خاصة بالعائلة غربي القاهرة.

يرى الكثير من النقاد أن نازك الملائكة كانت من القلائل الذين تمكنوا من خلق حالة تجديدية حقيقية في ميدان الشعر العربي. فكانت أول من كتبت الشعر الحر غير المقيد بالقافية في قصيدتها المسماة الكوليرا. فضلاً عن ذلك نشرت نازك العديد من الدواوين الشعرية المتميزة، ومنها "عاشقة الليل" في 1947م، و"شظايا ورماد" في 1949م، و"شجرة القمر" في 1968م، و"مأساة الحياة وأغنية الإنسان" في 1977م، و"الصلاة والثورة" في 1978م. وأصدرت في 1962م كتابها "قضايا الشعر الحديث".

 تحدث بعض النقاد عن أثر نازك الملائكة على الوسط الشعري العراقي والعربي فقال: "نازك الملائكة لم تعد رمزاً من رموز الأدب والشعرية العراقية فحسب، بل أصبحت رائدة للشعر العربي بما طرحته مع السياب من قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر، بل هي المرأة التي شقّت طريقها وسط الصعاب والمجتمع، لتكون الشاعرة المؤثّرة في الوسطين الأدبي والنسوي".

نالت نازك الملائكة العديد من الجوائز التكريمية في حياتها وبعد وفاتها. وفي مارس الماضي، أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" اختيار نازك الملائكة رمزاً للثقافة العربية في 2023م. وذلك بالتزامن مع الاحتفال بمرور مئة عام على ميلادها.

 

عاتكة الخزرجي

 
 

ولدت الشاعرة عاتكة الخزرجي في بغداد في سنة 1924م. وبدأت كتابة الشعر في الرابعة عشر من عمرها. في المرحلة الجامعية، درست في معهد المعلمين العالي في بغداد. وتحصلت منه على شهادة بكالوريا الفنون. وبعدها، عملت كمدرسة في بعض مدارس العاصمة العراقية. في سنة 1950م، تابعت الخزرجي دراستها عندما سافرت إلى فرنسا لتلتحق بجامعة السوربون. وهناك حصلت على شهادة الدكتوراه في تخصص الأدب العربي سنة 1955م.  بعد عودتها إلى العراق عُينت مدرسة في قسم اللغة العربية بدار المعلمين العالية، والتي تحولت فيما بعد إلى كلية التربية.

نشرت الخزرجي عشرة كتب في مجالات الشعر والمسرحية والنقد والتحقيق. من أبرز تلك الكتب ديوان شعري بعنوان "أنفاس السحر" في 1963م، وديوان "لألأ القمر" في 1975م. وتحقيق لمجموعة من قصائد الشاعر العباسي "العباس بن الأحنف" في 1977م، فضلاً عن مسرحية شعرية بعنوان "مجنون ليلى". من جهة أخرى، تميزت الخزرجي بالقصائد الصوفية، والتي حاكت فيها الأشعار التراثية المنسوبة للصوفيين القدامى.

حظيت الخزرجي بإشادة العديد من النقاد. وامتُدح شعرها لرقته وعذوبته، حتى اشتهرت بلقب "قيثارة العراق". على سبيل المثال وصفها الباحث سيار الجميل في كتابه "نسوة ورجال" فقال "إنها الحالمة عند الغسق الرائع عندما تصفو الحياة من وعثائها.. وهي صاحبة الصوت الرخيم في غناء الشعر.. وتموسقه بهدوء ورقة". توفيت عاتكة الخزرجي في التاسع من نوفمبر 1997م، عن عمر ناهز 72 سنة.

 

أميرة نور الدين

 

تُعدّ أميرة نور الدين واحدة من الشاعرات العراقيات الأوليات اللاتي ظهرن في النصف الأول من القرن العشرين. ولدت نور الدين في سنة 1925م في بغداد لأسرة تنحدر من الموصل. واجتازت دراستها الابتدائية والثانوية في بغداد، ثم سافرت إلى مصر لتلتحق بجامعة فؤاد الأول في القاهرة سنة 1943م. وبعد أربع سنوات، حصلت على "الليسانس" في اللغة العربية وآدابها، قبل أن تتحصل على شهادة الماجستير من الجامعة نفسها في سنة 1957م. عقب عودتها للعراق، عملت نور الدين كمدرسة للغة العربية في المدارس الثانوية ثم في كلية الآداب بجامعة بغداد، قبل أن تتقلد منصب عميدة معهد الفنون التطبيقية. في سنة 2020م، توفيت نور الدين عن عمر ناهز 95 سنة.

نشرت نور الدين قصائدها الشعرية في العديد من المجلات والصحف العراقية والعربية.  وتأثرت بشعراء المدرسة الرومانسية مثل علي محمود طه وإيليا أبو ماضي. وركزت قصائدها على قضايا العروبة والوطنية والثورة على الاستعمار. الأمر الذي يتوافق مع ظروف الحقبة الزمنية التي عاشت فيها.

نالت نور الدين الإشادة من قبل الكثير من النقاد المعاصرين لها. على سبيل المثال وصفها سليمان هادي الطعمة في كتابه "شاعرات العراق المعاصرات" بأنها "بلبلة العراق الغِرِّيدة"، كما تحدث إميل يعقوب في كتابه "معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة" عن شعرها فوصفه بأنه "جيد، واقعي الموضوعات، متنوعها، صورة مبتكرة جميلة".

 

لميعة عباس عمارة

 

ولدت لميعة عباس عمارة في بغداد في سنة 1929م لأسرة مندائية معروفة. عُرفت بنبوغها المبكر في تأليف الشعر.

في خمسينات القرن العشرين، زاملت لميعة بعض شعراء الحداثة الشعرية العراقية في دار المعلمين العالية في بغداد، منهم على سبيل المثال بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد. شاركت بعدها في العديد من الهيئات الأدبية العراقية، فكانت عضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد، كما شغلت عضوية الهيئة الإدارية للمجمع السرياني في بغداد.

عشقها السياب ونشر قصائدها أبو ماضي.. من تكون الشاعرة العراقية لميعة عباس؟
بحُكم زمالتهما الدراسية، ربطت لميعة علاقة صداقة ببدر شاكر السياب، وكثيراً ما كان كل واحدٍ يقرأ قصيدة الآخر. لاحقاً تطوّرت علاقتهما إلى علاقة حب، فكتب فيها السياب قصيدة "أحبيني لأن جميع مَن أحببت قبلك ما أحبوني".

نشرت لميعة العديد من الدواوين الشعرية. منها "الزاوية الخالية" في سنة 1960م، "عودة الربيع" في سنة 1963م، "أغاني عشتار" في سنة 1969م، "يسمونه الحب" في سنة 1972م، "لو أنبأني العراف" في سنة 1980م، "البعد الأخير" في سنة 1988م، و"عراقية" في سنة 1990م.

هاجرت عمارة من العراق سنة 1978م وتنقلت بين عدد من الدول. واستقرت في نهاية المطاف في الولايات المتحدة. في يونيو سنة 2021، توفيت لميعة عباس عن عمر ناهز 92 عاماً. نعاها الرئيس العراقي السابق برهم صالح بقوله: "نودّع الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة، في منفاها، ونودّع معها أكثر من خمسة عقود من صناعة الجمال، فالراحلة زرعت ذاكرتنا قصائد وإبداع أدبي ومواقف وطنية، حيث شكّلت عمارة علامة فارقة في الثقافة العراقية".

نعاها أيضا رئيس الوزراء العراقي الأسبق مصطفى الكاظمي قائلاً: "بهذا الرحيل المؤلم، تكون نخلة عراقية باسقة قد غادرت دنيانا لكنها تركت ظلالاً وارفة من بديع الشعر، وإسهاما لا ينسى في الثقافة العراقية ستذكره الأجيال المتعاقبة بفخر واعتزاز وتبجيل".

 

آمال الزهاوي

 

ولدت الشاعرة آمال الزهاوي في بغداد عام 1946م لأسرة معروفة في ميادين الأدب والسياسة. فهي حفيدة المفتي محمد فيضي، كما أنها ابنة عم للشاعرين المعروفين جميل صدقي الزهاوي وإبراهيم أدهم الزهاوي.

درست الزهاوي في كلية الآداب قسم اللغة العربية. وبعد حصولها على درجة البكالوريوس، عملت في الصحافة والتدريس. في الوقت نفسه، نشرت العديد من القصائد الشعرية المتميزة. من أشهر دواوينها "الفدائي والوحش" في 1969م، و"دائرة في الضوء ودائرة في الظلمة" في 1974م، و"أزهار اللوتس" في 1990م.

مُنحت الزهاوي العديد من الالقاب التي تشي بقدراتها الشعرية الإبداعية، ومنها "نخلة العراق"، و"إمبراطورية الشعر العربي"، كما تميز شعرها بالعديد من السمات العراقية الخالصة. في ذلك المعنى قال بعض النقاد إن "أبرز ما يميّز قصائد الزهاوي هو "أنوثة شعرها، وجمال بغداد والعراق، الذي تجلى في كل تفاصيل قصائدها، والحياة الصاخبة في بغداد الستينيات والسبعينيات، والحزن الذي بدأ يظهر شيئاً فشيئاً كلما ازدادت الحياة قسوة في بلدها". في 2015م، توفيت آمال الزهاوي عن عمر ناهز 69 عاماً بعد صراع طويل مع المرض. ودفنت في مقبرة الشهداء بمنطقة الأعظمية ببغداد.

 

أمل الجبوري

 

ولدت الشاعرة أمل الجبوري في بغداد سنة 1967م. في المرحلة الجامعية، درست الأدب الإنجليزي. وحصلت على شهادة البكالوريوس سنة 1989م. بعدها عملت الجبوري في مجالي الصحافة والإعلام لسنوات. في سنة 1998م، سافرت إلى ألمانيا. وظلت بعيدة عن العراق حتى سقوط نظام صدام حسين في 2003م.

عُرفت الجبوري بقصائدها الشعرية التي تناولت الإشكاليات الطائفية والمذهبية في العراق. من أبرز أعمالها ديوان "خمر الجراح" في 1986م، وديوان "اعتقيني أيتها الكلمات" في 1994م، وديوان "لك هذا الجسد لا خوف علي" في 2000م. من جهة أخرى، أسست الجبوري الفرع العربي لديوان اتحاد الشرق والغرب في بغداد، كما تترأس تحرير مجلة "ديوان" الثقافية التي تصدر من برلين بالعربية والألمانية.

حصلت الجبوري على العديد من الجوائز. في سنة 2003م، فاز ديوانها الشعري "تسعة وتسعون حجاباً" بجائزة الإبداع العربي من النادي العربي اللبناني في باريس. وفي سنة 2012م، حصلت على جائزة جومسكى عن ديوانها "هاجر قبل الاحتلال، هاجر بعد الاحتلال"، والذي اُختير واحداً من أفضل خمس كتب في الولايات المتحدة في 2011م. لاقى هذا الديوان الإشادة من قِبل العديد من الشعراء والأدباء. وكتبت الشاعرة الأمريكية أليشا أوسترايكر في تقديمها للديوان: "هذا كتاب أصيل لشعر نقي لم أقرأ مثيله منذ زمن طويل. سوف تأخذ الشاعرة أمل الجبوري مكانها جنباً الى جنب مع شعراء المنفى مثل باول سيلان وبابلو نيروا... هؤلاء هم شعراء المنفى... وشعراء الحقيقة".

 

دنيا ميخائيل

 

ولدت دنيا ميخائيل في سنة 1965م في منطقة الكرادة بمدينة بغداد لأسرة كلدانية مسيحية. حصلت على درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بغداد، ثم عملت في مجالي الترجمة والصحافة لفترة قبل أن تتخذ قرارها بالهجرة إلى الولايات المتحدة سنة 1996م. وهناك أكملت دراستها العليا فحصلت على الماجستير في الآداب الشرقية. ثم عُينت في وظيفة محاضر للغة العربية وآدابها في جامعة أوكلاند.

عُرفت ميخائيل بكتابتها للشعر باللغتين العربية والإنجليزية. من أهم منشوراتها ديوان "يوميات موجة خارج البحر" في 1999م، وديوان "أحبك من هنا إلى بغداد" في 2015م، وديوان "الغريبة بتائها المربوطة" في 2019م، فضلاً عن ذلك نشرت ميخائيل روايتها الأولى "وشم الطائر" في 2020م.

حظيت أشعار ميخائيل التي تركز على المآسي التي تعاني منها الإنسانية وسط الحروب والصراعات، بإعجاب الكثير من النقاد في السنوات السابقة. على سبيل المثال وُصف عملها في ديوان "أحبك من هنا إلى بغداد" بأنه نَسَجَ من بقايا الانفجارات والتدمير عالماً إنسانيا أكثر رحمة، إذ تقف ميخائيل على مسافة من المشهد تسمح برؤيته بوضوح ثم تعيد رسمه.

في السياق نفسه، وُصف الطابع الشعري المتفرد لميخائيل بحسب التقرير الذي أعدّته اليونيسكو في 2022م بأنه "يمتاز بفارق دقيق، ويستقي الإلهام من إحساس عميق بالهوية باعتبارها لاجئة وفنانة وامرأة".

في مايو 2022م مُنحت ميخائيل -بالشراكة مع الممثلة السويدية المنحدرة من أصول سورية عراقية، هيلين الجنابي- جائزة اليونسكو-الشارقة للثقافة العربية في دورتها الثامنة عشرة. وجاء في بيان تكريمهما "تُكرّم الجائزة التزامهما الراسخ في ترويج الثقافة العربيّة في العالم، إذ تسخّر الفائزتان عملهما من أجل توجيه رسائل قويّة عن قضايا شائكة وجعلها في متناول الجميع".