In this Saturday, July 7, 2019, photo, Iranians take selfie around of the Persian Gulf Martyrs lake, west of Tehran, Iran.  A…

كثيرون ينتقدون فرنسا لأنها تمنع لبس الحجاب في المؤسسات وأماكن العمل التابعة للدولة، لكنهم بالكاد يتذكرون أن إيران تفرض الحجاب قسرا وبصورة إلزامية على جميع النساء منذ عقود.

مع الفارق أنه في حالة فرنسا فالمنع يطال فئات معينة من النساء وليس جميع النساء كما أنه محصور في مؤسسات الدولة فقط وليس في الفضاء العام، بالتالي فالأمر يحتمل النقاش، بينما في إيران يتعين على جميع النساء أن يلبسن الحجاب في أي مكان خارج المنزل، ومن لا تفعل تتعرض للعقاب وربما ما هو أسوأ من ذلك على أيدي عصابات شرطة الأخلاق والموتورين ومن شابههم من أجهزة ومؤسسات قمعية.

بالطبع هناك إيرانيات مقتنعات بلبس الحجاب وهناك أيضا إيرانيات لا يعارضن لبسه، لسبب أو لآخر، لكن يوجد كذلك إيرانيات لا يردن هذا الحجاب، بل ويعتبرنه شيئا بغيضا ولا يفهمن كيف يمكن للسلطات الإيرانية أن تبرر فرضه في هذا العصر الذي نعيش فيه.

ولذلك ينتهزن كل مناسبة تتاح لهن لتذكير هذه السلطات وتذكير العالم أيضا بأنه ليس جميع الإيرانيين يتفقون مع التوجهات الدينية للسلطة، وإنه حين يتعلق الأمر بالنساء فإن يتعين احترام إرادتهن ومنحهن حرية الاختيار بصورة تحفظ الكرامة والإنسانية.

في 12 يوليو الماضي استجابت العديد من الإيرانيات لنداء نشطاء وجمعيات حقوقية تحث النساء في جميع أنحاء البلاد على نشر مقاطع فيديو لأنفسهن يخلعون الحجاب في الأماكن العامة بالتزامن مع ما يعرف في إيران بـ"يوم الحجاب والعفة".

وبالفعل قامت عشرات النساء ورغم خطر الاعتقال بتسجيل مقاطع فيديو في الحدائق وشوارع المدن وحتى على الشاطئ يظهرن فيها دون حجاب وبعضهن يرتدي قمصاناً صيفية وسراويلاً قصيرة.

هذه الوقفة الاحتجاجية لم تكن ضد الحجاب نفسه، ولكنها كانت ضد جعل ارتدائه إجباريا من قبل السلطات الإيرانية. وهذا فارق جوهري. فالأصل أن الحجاب أو أي لباس آخر هو حرية شخصية، ولا يجوز التعلل بالنصوص الدينية أو غير الدينية لفرضه. والحرية هنا هي ليست في لبسه فقط ولكن في عدم لبسه أيضا.

وهذا يعني عدم فرضه على الطفلات والمراهقات وترك حرية الخيار في لبس الحجاب من عدمه لهن بمجرد أن يبلغن السن القانونية. لأن فرضه في تلك السن الصغيرة هو بمثابة مصادرة لخيار الفتاة وسلب حريتها في الاختيار لاحقا. والقول بأن ذلك قد تم بإرادتهن هو أمر لا يمكن الاعتداد به، لأن الطفل لا يملك نظاما دفاعيا يمكّنه من التمييز أو الرفض أو إقناع الكبار بعدم فرض ما يرونه هم صحيحا بالنسبة لهم.

والواقع أن المشكلة المتجذرة في مجتمعاتنا لا تتعلق فقط بالحجاب وإنما في النظر إلى المرأة على أنها جزء من ممتلكات الرجل، أو العائلة أو القبيلة أو المجتمع وبالتالي يتصور أن من حقه أن يفرض عليها الطريقة التي يتعين عليها أن تسلكها ونوع اللباس الذي ترتديه والتوقعات التي ينتظرها منها.. الخ.

ولذلك تكثر التعليمات والقيود والفتاوى والأحكام الدينية المتعلقة بالمرأة، وبما لا نجد ما يماثله بالنسبة للرجل.

ولهذا لم يكن مستغربا أن يتحفنا مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية مؤخرا بفتوى غريبة تحدد 5 محظورات قال إنه يجب تجنبها خلال الاحتفالات بعيد الأضحى الأخير.

وأوضح المركز، في بيان (7/7/2022)، على فيسبوك، هذه المحظورات كالتالي: "تناول المحرمات ليلة العيد من المحظورات، خروج الشباب والفتيات إلى المتنزهات غير ملتزمين ضوابط وأوامر الإسلام، خروج المرأة متزينة غير ملتزمة بالحجاب، مواصلة قطيعة أحد الأقارب أو الأصدقاء، وتُكرَه زيارة القبور في يوم العيد؛ لأنه يوم بهجة وسرور".

والسؤال هو لماذا يتدخل الأزهر في حريات الناس الشخصية على هذا النحو وهل الذين يتوجه إليهم بفتاواه هم مواطنون أم رعية؟

إذا كانوا مواطنين فهم مسؤولون أمام الدولة وحدها التي تضع القوانين والتعليمات في مثل هذه المناسبات إذا وجدت حاجة لذلك، أما إذا كنا نتحدث عن رعية ودولة دينية وخليفة وما شابه، فالأمر يختلف حينها.

المؤسف أن مجتمعاتنا والمعتقدات السائدة فيها لا تكتفي فقط بالتصرف تجاه النساء على النحو الذي يجعلهن غير قادرات على التعامل كمواطنات متساويات في الحقوق والواجبات، لكنه يربط شرف وسمعة ومصير الرجال بما تفعله أو لا تفعله المرأة، الأمر الذي يجعلها دائما تحت المراقبة والتقييم والمساءلة.. وأبرز علامة على ذلك هي فرض اللباس عليها كدليل على انضوائها وخضوعها لهذا النظام الذكوري.. بالضبط كما كان الحال قبل أكثر من ألف عام، حيث كان اللباس هو الذي يميز بين الحرّة والأَمَة!

===============================================

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.