أكثر من 670 ألف نازح في قطاع غزة يقيمون في مدارس ومبانٍ تابعة لمنظمة أونروا التي باتت مكتظة، "إنهم يعيشون في ظروف مروعة وغير صحية، مع محدودية الطعام والماء، وينامون على الأرض" داخل غرف غير مهيأة أو في العراء، وفق الأمم المتحدة.
وتقول أونروا إن "الجوع واليأس يتحول إلى غضب ضد المجتمع الدولي، وفي غزة، يُعرف المجتمع الدولي باسم الأونروا".
حين بدأت الحرب، تلقى مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين أول أوامر إسرائيلية بإخلاء منازلهم من شمال غزة خلال 24 ساعة. غالبية السكان رفضوا الأمر، في وقت كانت تتحضر الدبابات الإسرائيلية لغزو بري.
وفي حالة من التوتر والترقب، انتظر السكان الذين لم يغادورا ما قد يحل بهم، وبالفعل مرت الـ 24 ساعة، فكثف الجيش الإسرائيلي القصف لإخافة السكان وإجبارهم على النزوح للجنوب الذي لم يسلم من القصف أيضا.
من ذلك الحين، بات الدمار والجثث والنزوح، وصرخات الأطفال والنساء المشهد اليومي لقطاع غزة، فإسرائيل تصر على إخراج السكان بحجة القضاء على حماس، فيما يصر السكان على بقائهم في منازلهم رافضين تكرار سيناريو "النكبة"، في إشارة إلى تهجير الفلسطينيين عام 1948.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها: إن "التعليمات التي أصدرتها السلطات الإسرائيلية لسكان مدينة غزة بمغادرة منازلهم فورا، إلى جانب الحصار الكامل الذي يحرمهم صراحة من الغذاء والماء والكهرباء، لا تتوافق مع القانون الدولي الإنساني".
تنقل صحيفة نيويورك تايمز عن، عادل حق، خبير القانون الدولي في جامعة روتجرز، بأن أفضل طريقة لفهم المسائل القانونية المتعلقة بأوامر الإخلاء، هي من خلال النظر في الفرق بين التحذير بشأن هجوم قانوني مستقبلي، وبين تهديد المدنيين.
ويقول حق إن القانون الإنساني الدولي "يطلب من القوات المهاجمة تحذير المدنيين من الهجمات المخطط لها إن أمكن".
ويضيف بأن "التهديد مختلف تماما عن التحذير، فعندما تبلغ السكان المدنيين أنك على وشك شن هجمات غير قانونية، وهجمات عشوائية، وهجمات لا تأخذ الاحتياطات اللازمة للمدنيين، وهجمات غير متناسبة، هذا يعد تهديدا وليس تحذيرا".
وتقول، جانينا ديل، الأستاذة في جامعة أكسفورد، والمديرة المشاركة لمعهد أكسفورد لحقوق الإنسان، إن الفرق بين الإخلاء والنقل القسري للمدنيين يعتمد على ما إذا كان هذا الفعل "سيفيد بالفعل أمن المدنيين".
وتؤكد ديل أن المدنيين غير ملزمين بتنفيذ أوامر الإخلاء، إذ أن "عدم الاستجابة لهذه التحذيرات، ولأوامر الإخلاء لا يؤثر على وضعهم وحقهم في الحصانة من الهجوم والحماية على الإطلاق".
وتنقل نيويورك تايمز تصريحات لأفيخاي ماندلبليت، كبير المحامين العسكريين والمسؤول السابق في الجيش الإسرائيلي بأن الإخلاء "لن يكون قانونيا إلا إذا نفذ بشكل صحيح".
وقال ماندلبليت إن أحد المتطلبات القانونية للإخلاء القانوني هو السماح للمدنيين بالعودة بعد انتهاء الأعمال الهجومية.
وأضاف أن "من الشروط الأخرى وجود ممرات إنسانية، تخبرك بالمكان الذي يمكنك الذهاب إليه بأمان، إضافة إلى إدراج الاحتياجات الإنسانية المدنية الأساسية".
وبشأن المساعدات، شدد الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأحد، على الحاجة إلى زيادة "مهمة وفورية" في تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وذلك في اتصالين مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وفق البيت الأبيض.
وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنه ومنذ بدأت إسرائيل قصف غزة ردا على هجمات غير مسبوقة شنّتها حماس في السابع من أكتوبر، بات عدد النازحين داخل غزة يقدر بحوالى 1.4 مليون شخص.
حماية المدنيين في مناطق القتال
"هناك طريقة واحدة فقط يمكن أن يفقد بها المدني حصانته من الهجوم، هي المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية"، تقول ديل وفق ما تنقل صحيفة نيويورك تايمز.
هذا الرأي يطرح تساؤلا حول حماية المدنيين الغزيين في القانون الدولي، خاصة العدد الكبير من الأطفال والنساء الذين قتلوا بالقصف، أو الذين هجروا من منازلهم وأحيائهم قسرا، حيث أنذرهم الجيش الإسرائيلي بضرورة مغادرة بيوتهم بحجة ملاحقة عناصر حركة حماس وتدمير بنيتها العسكرية.
بوضوح، تؤكد المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني إنه يجب حماية المدنيين، ولا يجوز قانونا أن يكونوا أهدافا للعنف، أو أن يتضرروا منه بشكل غير متناسب. وتنطبق هذه الالتزامات على جميع الأطراف المشاركة في القتال، حتى لو انتهكها الطرف الآخر.
تزعم إسرائيل أن حركة حماس تستخدم المدنيين دروعا بشرية، أو أنها تخفي عناصرها وبنيتها العسكرية في الأحياء السكينة وقرب المستشفيات، وهو ما تنفيه الحركة، لذا عمدت إسرائيل إلى إنذار السكان، خاصة في شمال القطاع بضرورة الانتقال إلى الجنوب.
لكن القانون الدولي الإنساني، يؤكد أنه حتى لو عمد أحد طرفي القتال إلى تعريض المدنيين للخطر، إما بإجبارهم على البقاء قرب الأهداف العسكرية، أو وضع أهداف عسكرية في مباني المدنيين أو بجوارها، فإن هؤلاء المدنيين لا يزالون يتمتعون بحق الحصول على الحماية الكاملة، كما يقول خبراء وفق نيويورك تايمز.
ويؤكد ماندلبليت أنه حتى لو استخدمت حماس منازل المدنيين لأغراض عسكرية، أو وضعت أسلحة أو مقاتلين في أنفاق تحت المباني المدنية، فلن يكون من القانوني بالضرورة أن تهاجم إسرائيل تلك الأهداف، وفق نيويورك تايمز.