Palestinians wait to cross into Egypt at Rafah, Gaza Strip, on Wednesday, Nov. 1, 2023. (AP Photo/Fatima Shbair)
مواطنون ينتظرون عند معبر رفح للسماح لهم بالخروج من غزة هربا من القصف الإسرائيلي

أكثر من 670 ألف نازح في قطاع غزة يقيمون في مدارس ومبانٍ تابعة لمنظمة أونروا التي باتت مكتظة، "إنهم يعيشون في ظروف مروعة وغير صحية، مع محدودية الطعام والماء، وينامون على الأرض" داخل غرف غير مهيأة أو في العراء، وفق الأمم المتحدة.

وتقول أونروا إن "الجوع واليأس يتحول إلى غضب ضد المجتمع الدولي، وفي غزة، يُعرف المجتمع الدولي باسم الأونروا".

حين بدأت الحرب، تلقى مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين أول أوامر إسرائيلية بإخلاء منازلهم من شمال غزة خلال 24 ساعة. غالبية السكان رفضوا الأمر، في وقت كانت تتحضر الدبابات الإسرائيلية لغزو بري.

وفي حالة من التوتر والترقب، انتظر السكان الذين لم يغادورا ما قد يحل بهم، وبالفعل مرت الـ 24 ساعة، فكثف الجيش الإسرائيلي القصف لإخافة السكان وإجبارهم على النزوح للجنوب الذي لم يسلم من القصف أيضا.

النازحون في غزة يفتقرون إلى الحاجات الإساسية للبقاء على قيد الحياة

من ذلك الحين، بات الدمار والجثث والنزوح، وصرخات الأطفال والنساء المشهد اليومي لقطاع غزة، فإسرائيل تصر على إخراج السكان بحجة القضاء على حماس، فيما يصر السكان على بقائهم في منازلهم رافضين تكرار سيناريو "النكبة"، في إشارة إلى تهجير الفلسطينيين عام 1948.

وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها: إن "التعليمات التي أصدرتها السلطات الإسرائيلية لسكان مدينة غزة بمغادرة منازلهم فورا، إلى جانب الحصار الكامل الذي يحرمهم صراحة من الغذاء والماء والكهرباء، لا تتوافق مع القانون الدولي الإنساني".

تنقل صحيفة نيويورك تايمز عن، عادل حق، خبير القانون الدولي في جامعة روتجرز، بأن أفضل طريقة لفهم المسائل القانونية المتعلقة بأوامر الإخلاء، هي من خلال النظر في الفرق بين التحذير بشأن هجوم قانوني مستقبلي، وبين تهديد المدنيين.

ويقول حق إن القانون الإنساني الدولي "يطلب من القوات المهاجمة تحذير المدنيين من الهجمات المخطط لها إن أمكن". 

ويضيف بأن "التهديد مختلف تماما عن التحذير، فعندما تبلغ السكان المدنيين أنك على وشك شن هجمات غير قانونية، وهجمات عشوائية، وهجمات لا تأخذ الاحتياطات اللازمة للمدنيين، وهجمات غير متناسبة، هذا يعد تهديدا وليس تحذيرا".

نازحون فلسطينيون هربوا من القصف إلى مخيمات أقامتها منظمة أونروا في خانيونس

وتقول، جانينا ديل، الأستاذة في جامعة أكسفورد، والمديرة المشاركة لمعهد أكسفورد لحقوق الإنسان، إن الفرق بين الإخلاء والنقل القسري للمدنيين يعتمد على ما إذا كان هذا الفعل "سيفيد بالفعل أمن المدنيين".

وتؤكد ديل أن المدنيين غير ملزمين بتنفيذ أوامر الإخلاء، إذ أن "عدم الاستجابة لهذه التحذيرات، ولأوامر الإخلاء لا يؤثر على وضعهم وحقهم في الحصانة من الهجوم والحماية على الإطلاق".

وتنقل نيويورك تايمز تصريحات لأفيخاي ماندلبليت، كبير المحامين العسكريين والمسؤول السابق في الجيش الإسرائيلي بأن الإخلاء "لن يكون قانونيا إلا إذا نفذ بشكل صحيح".

وقال ماندلبليت إن أحد المتطلبات القانونية للإخلاء القانوني هو السماح للمدنيين بالعودة بعد انتهاء الأعمال الهجومية. 

وأضاف أن "من الشروط الأخرى وجود ممرات إنسانية، تخبرك بالمكان الذي يمكنك الذهاب إليه بأمان، إضافة إلى إدراج الاحتياجات الإنسانية المدنية الأساسية".

وبشأن المساعدات، شدد الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأحد، على الحاجة إلى زيادة "مهمة وفورية" في تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وذلك في اتصالين مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وفق البيت الأبيض.

النزوح القسري يضع العائلات الفلسطينية في خطر لافتقادهم لأساسيات البقاء والأمن

وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنه ومنذ بدأت إسرائيل قصف غزة ردا على هجمات غير مسبوقة شنّتها حماس في السابع من أكتوبر، بات عدد النازحين داخل غزة يقدر بحوالى 1.4 مليون شخص.

حماية المدنيين في مناطق القتال

"هناك طريقة واحدة فقط يمكن أن يفقد بها المدني حصانته من الهجوم، هي المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية"، تقول ديل وفق ما تنقل صحيفة نيويورك تايمز.

هذا الرأي يطرح تساؤلا حول حماية المدنيين الغزيين في القانون الدولي، خاصة العدد الكبير من الأطفال والنساء الذين قتلوا بالقصف، أو الذين هجروا من منازلهم وأحيائهم قسرا، حيث أنذرهم الجيش الإسرائيلي بضرورة مغادرة بيوتهم بحجة ملاحقة عناصر حركة حماس وتدمير بنيتها العسكرية.

عائلة فلسطينية نزحت من شمالي غزة بحثا عن مكان آمن من القصف الإسرائيلي

بوضوح، تؤكد المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني إنه يجب حماية المدنيين، ولا يجوز قانونا أن يكونوا أهدافا للعنف، أو أن يتضرروا منه بشكل غير متناسب. وتنطبق هذه الالتزامات على جميع الأطراف المشاركة في القتال، حتى لو انتهكها الطرف الآخر.

تزعم إسرائيل أن حركة حماس تستخدم المدنيين دروعا بشرية، أو أنها تخفي عناصرها وبنيتها العسكرية في الأحياء السكينة وقرب المستشفيات، وهو ما تنفيه الحركة، لذا عمدت إسرائيل إلى إنذار السكان، خاصة في شمال القطاع بضرورة الانتقال إلى الجنوب.

مواطن يجلس على أطلال حي دمر بالكامل جراء القصف الإسرائيلي لغزة

لكن القانون الدولي الإنساني، يؤكد أنه حتى لو عمد أحد طرفي القتال إلى تعريض المدنيين للخطر، إما بإجبارهم على البقاء قرب الأهداف العسكرية، أو وضع أهداف عسكرية في مباني المدنيين أو بجوارها، فإن هؤلاء المدنيين لا يزالون يتمتعون بحق الحصول على الحماية الكاملة، كما يقول خبراء وفق نيويورك تايمز.

ويؤكد ماندلبليت أنه حتى لو استخدمت حماس منازل المدنيين لأغراض عسكرية، أو وضعت أسلحة أو مقاتلين في أنفاق تحت المباني المدنية، فلن يكون من القانوني بالضرورة أن تهاجم إسرائيل تلك الأهداف، وفق نيويورك تايمز. 

مواضيع ذات صلة:

A displaced Palestinian girl runs in a school where she takes refuge with her family, after a temporary truce between Hamas and Israel expired, in Khan Younis
من إحدى المدارس التي تؤوي النازحين في قطاع غزة- رويترز

أفاد مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في غزة، توماس وايت، الجمعة، بأن إحدى مدراس الوكالة الأممية بالقطاع الفلسطيني، تشهد تفشيا لمرض "التهاب الكبد الوبائي أ".

وقال وايت في مقابلة مع شبكة "بي بي سي" البريطانية: "في إحدى مدارسنا، لدينا الآن تفشيا لالتهاب الكبد الوبائي أ".

وأضاف أن خطر الإصابة بالأمراض المعدية قائم بالفعل في غزة، بسبب أن مدارس "الأونروا" التي تتسع لإيواء 1500 شخص، بها حاليا أكثر من 6000 شخص جنوبي القطاع.

ويشهد الوضع الصحي تدهورا، إذ تحدثت منظمة الصحة العالمية عن وجود 111 ألف إصابة بالتهاب الجهاز التنفسي الحاد، و36 ألف حالة إسهال لدى أطفال دون الخامسة، بين النازحين في غزة. 

وفي نهاية الشهر الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن "زيادة كبيرة" في الإصابات ببعض الأمراض المعدية في غزة، مشيرة بصورة خاصة إلى زيادة حالات الإسهال بين الأطفال بـ 45 مرة، في حين أن معظم مستشفيات القطاع توقفت عن العمل جراء الحرب.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 1.8 مليون شخص في قطاع غزة فروا من منازلهم خلال الأسابيع السبعة الماضية، ويعيش نحو 60 في المئة منهم في 156 منشأة تابعة لـ"أونروا".

مخاطر عديدة

وفي اتصال سابق مع موقع "الحرة"، أوضحت أخصائية طب الأسرة، الدكتورة نسرين حماد، أن "الإسهال والالتهابات التنفسية يمكن أن يكونا من بين أخطر المشكلات الصحية التي تواجه المتواجدين في مناطق لا تتوفر فيها الشروط الصحية المناسبة".

وأضافت: "يجب الإشارة إلى أن مخيمات اللجوء والنزوح غالبا ما تكون مكانا لتجمع عدد كبير للناس في ظروف غير صحية، حيث يفتقرون إلى الوصول للمياه النظيفة والصرف الصحي والرعاية الصحية الأساسية، مما يجعلهم عرضة للعديد من الأمراض، بما في ذلك الإسهال والالتهابات التنفسية".

ونبهت إلى أن "الإسهال يمكن أن يكون مسببا لآثار مدمرة، حيث تنتقل الفيروسات والبكتيريا بسرعة عبر المياه الملوثة، إلى جانب أنه يؤدي إلى نقص السوائل والتغذية بالجسم بسرعة وبشكل خطير، خاصةً إذا لم يتوفر العلاج المناسب والوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية".

ورأت حماد أن "التواجد في ظروف تؤدي إلى نقص النظافة والتغذية غير الصحية من حيث الكم أو النوع، يجعلان الأطفال وكبار السن أكثر عرضة للإصابة بالإسهال ومضاعفاته".

وبالنسبة للالتهابات التنفسية، فإنها، بحسب كلام الطبيبة، تشكل تحديا آخرا، لا سيما في أماكن الاكتظاط، حيث تكون التهوية سيئة والظروف البيئية غير صحية.

وشددت على أن "الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل التهاب الرئة والانسداد في القصبات التنفسية".

وتعرض قطاع غزة لقصف إسرائيلي منذ 7 أكتوبر ترافق بعملية عسكرية برية بدأت 27 من الشهر ذاته، وذلك بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس على إسرائيل وخلف 1200 قتيل، أغلبهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وأدى أيضا إلى اختطاف 240 رهينة، بحسب السلطات الإسرائيلية.

ولم يتوقف القصف على قطاع غزة، الذي خلف نحو 15 ألف قتيل معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، إلا بعد إعلان هدنة إنسانية نهاية الأسبوع الماضي، للسماح بإطلاق سراح رهائن اختطفتهم حماس وفصائل أخرى، مقابل إطلاق سراح فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

كما أتاحت الهدنة تسريع إيصال المساعدات الإنسانية الضرورية لسكان القطاع الذين يناهز عددهم 2,4 مليون نسمة.

وانتهت الهدنة، الجمعة، بعد 7 أيام من دخولها حيز التنفيذ. وأعلنت حكومة قطاع غزة التابعة لحركة حماس، السبت، أن 240 شخصا على الأقل قتلوا في القطاع منذ انتهاء الهدنة صباح الجمعة.

كما أصيب أكثر من 650 شخصا في "مئات الغارات الجوية والقصف المدفعي ومن البوارج والزوارق البحرية الحربية على مناطق قطاع غزة"، وفق بيان للحركة الفلسطينية.

في الناحية المقابلة، أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، قصف "أكثر من 400 هدف إرهابي" في قطاع غزة منذ انتهاء الهدنة.

وتتقاذف إسرائيل وحماس المسؤولية عن إنهاء الهدنة، التي أتاحت الإفراج عن أكثر من 100 رهينة مقابل إطلاق 240 سجينا فلسطينيا، إضافة إلى دخول مزيد من المساعدات إلى قطاع غزة.

وقالت حماس في بيان سابق، الجمعة، إنها اقترحت أن يتم تبادل سجناء فلسطينيين لدى إسرائيل، برهائن "مسنين" لديها، وأن تسلّم جثث رهائن إسرائيليين "قُتلوا في القصف الإسرائيلي".

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أنه تأكد من وفاة 5 من الرهائن الذين كانوا محتجزين في قطاع غزة وأبلغ عائلاتهم، قائلا إن الدولة استعادت جثة أحدهم.

من جانبه، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الحركة الفلسطينية بـ"خرق الاتفاق" و"إطلاق صواريخ" باتجاه إسرائيل، وتوعدت حكومته بتوجيه "ضربة قاضية" لحماس.